ذكرى نيسان ذكرى أول نكبة عربية بأحتلال الاحواز

كرار حيدر علي
يطوي الاحوازيون هذه الأيام الاشهر عامهم السادس من العقد الثامن تحت الاحتلال الفارسي، كما يطوون في ثنايا تلك السنين أحلاماً وتجارب وانتكاسات. لم يألُ الاحوازيون منذ اليوم الأول للاحتلال أي جهد لمواجهته.
 وقبل الفارسي واجه شباب الاحواز والعرب القوات البريطانية والعثمانية، وحتى هذه اللحظة فإن من الاحوازيين والعرب من لم يضع رايته وما زال مستعداً للسير في نفس الطريق.
المثير في التجربة النضالية الاحوازية أن مقاومتهم المستمرة والمتجددة لم تأت بثمار تتناسب مع حجم التضحيات التي قدموها، كما لم تقد لمرحلة جديدة تؤسس لتحرره من الاحتلال. إعتاد الاحوازيون وأنصارهم عموماً في مثل هذه الأيام من كل عام أن يعلنوا صمودهم في وجه الاحتلال ويباهوا العالم أجمع بأنهم شعب مناضل لم يتنازل عن حقوقه ولم يتقاعس عن العمل من أجل مشروعه الوطني، وهو حق لهم بل ضرورة تستدعيها الحاجة لإسناد معنوياتهم وتجديد الهمم، لكن هذا ليس كافياً حتى لو استمر النضال، فاليوم لا بدّ من مراجعة حقيقية للتجربة النضالية الاحوازية، بحيث تحاول الإجابة على التساؤل التالي: لماذا لم تنجح الحركة الاحوازية حتى اللحظة؟ وما هي أهم المشاكل التي نالت من المواجهة؟
إن من أهم المشاكل التي تواجه الحركة الاحوازية تلك المتأصلة في الأساس المفاهيمي والتي تتمثل في خلق قوالب احوازية للمفاهيم المجردة، تصبح بعد فترة طويلة هي الطريق الوحيد لاستيعاب هذا المفهوم، وتخرج من دائرته أبعاد وسياقات أخرى لم يُردها أو لم يلتفت لهاالاحوازيون مثل تجربتهم العملاقة في انجاح ثورة الشعوب الايرانية ضد الشاه المقبور وبعده المشاركة في مواجهة انحراف الثورة الايرانية ومن ثم مناصرة العراق ضد العدوان الايراني لمدة ثمان سنوات انتهاء بتجارب الوقت الحالي بين التخلي عن ستراتيجيات معينة تصل الى درجة من المتغيرات الواقعية من دين ومذهب وعشائرية لكسب هذا الطرف او ذاك املا بالحصول على دعم ما. هذه المشكلة تنتج عن استخدام الواقع لفهم النظرية وهو أمرٌ قد يجدي نفعاً حين ضمان مطابقة الواقع للنظرية، لكن أن يتم اللجوء للواقع من أجل أسر النظرية والمفهوم داخل هذا الواقع، فإن ذلك يعد نهجاً تدميرياً لإمكانية التطور والتغيير.  أساس التغيير والمواجهة هي عملية تغييرأن يدرك الفرد واقعه، وأن يقارنه بما يحمله من أفكار ونظريات ومفاهيم عن واقعه المنشود فتبدأ عملية التغيير لصالح المنشود، أما أن يكون الواقع المعاش هو مصدر تلك الأفكار حول الواقع المنشود فإن تطابقاً بين الحاضر والمستقبل سيكون مغروساً في النفوس، وهذا هو الجمود الفكري والحياتي الشامل مما يحدث انحرافا حتى ضد الثوابت ومنها الانتماء العربي مثلا دون التبصر بالمصلحة فيتم خسران هذه الجهة او تلك فضلا عن الانحراف العقائدي والتاصيلي للانتماء العربي
فلقضية طغيان المفاهيم الإجرائية على المجردة بعد آخر في الحياة السياسية الاحوازية، فهي بالإضافة إلى كونها عامل تثبيط لا تدفع نحو التغيير، فإنها قد تؤدي إلى فهم خاطئ ومنقوص عن بعض المفاهيم، مما يؤدي إلى التعامل غير السويَ معها ومن أبرز المفاهيم التي وقعت ضحية إسقاط الواقع عليها المفاوضات والمواجهة، وهما مفهومان تعرضا للتشويه نتيجة إخفاق القائمين على كلا المشروعين في تحقيق إنجاز يذكر، والحديث هنا عن الحالة الاحوازية فقط.
 فالمفاوضات أصبحت تعني التنازل في الثقافة السياسية الاحوازية، في مثل هذه الحالة لا يمكن لاحوازي أن يقتنع بأن المفاوضات يمكن أن يتم اعتبارها نضالاً سياسياً أو دبلوماسياً وهو محق تماماً إن كان الحديث تقييماً للواقع، لكنه سيكون ضحية الواقع إن حاول تفسير الأفكار والمفاهيم من خلاله فقط، وهذه هي الاستجابة الخاطئة للنظرية والمفهوم.
أما الفهم المنقوص وهو الأبرز متعلق بمفهوم المواجهة، فالشعب الاحوازي عموماً رسم للمواجهة حدوداً من واقع تجربة الحركات الاحوازية، مثلا مواجهة السبعينات مناصرة الشعوب الايرانية لاحداث ثورة عظيمة وهذا حدث بالفعل، ومواجهة الثمانينات كشف انحراف قادة ايران عن الدين والمذهب ونصرة العراق كثابت عربي ومواجهة التسعينات لملمة الجراح وابراز الهوية الاحوازية، ومن الواضح في بداية القرن الحالي وبحكم متغيرات الامة العربية وانكشاف جانبي الارهاب ضدها من جهة ومن جهة استغفال ايران للشعوب واهل الدين بشعاراتها وغير ذلك، حيث انه الميزة الايجابية في كل ذلك ولابد من ابرازها وهي مناسبة دوليا وعالميا للعصر الحديث حيث تتمركز الايجابية في كون حركة الاحواز حركة سلمية ثقافية رغم العدد الهائل الذي تعرض وما زال يتعرض للاعدامات اليومية ، حتى بات تعريف المواجهة لدى الشريحة الأوسع يعني العمل الثقافي، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن معنى الفعل واجه في اللغة العربية بإيجاز واجه ثقافة .
فأحوازيا فإن مواجهة الاحتلال الفارسي للدفاع عن الحقوق المنتهكة هي المواجهة، والمواجهة مفتوحة تشمل الآتي:
– مواجهة أي محاولة إعتداء مباشرة أو غير مباشرة على سلامة وأمن الأشخاص.
– مواجهة أي محاولة للإعتداء على الممتلكات خاصة وعامة.
– مواجهة أي إضرار بالرموز المعنوية للمجتمع والدينية والعشائرية.
– مواجهة أي منع للحقوق والحريات الإنسانية والتهجير القسري.
– مواجهة أي منع لإنشاء المؤسسات وممارسة الأنشطة الحياتية المختلفة.
– مواجهة أي جهد يمكن أن يؤدي إلى تسهيل أي من حالات الإعتداء سابقة الذكر.
ما أود الخلوص له من تعداد لما تشمله المواجهة، أنه لا يمكن القول بأن مواجهة أي حالة من الحالات السابقة يمكن أن تتم بأسلوب واحد ونهج واحد، فمواجهة الاستيطان لا يمكن أن تتم بنفس أسلوب مواجهة التهجير القسري من اجل تفريس الارض العربية من جهة ومن جهة اخرى خلق ظرف مناسب للتامر على الدول العربية كالعراق وهذا ما يحدث ودول الخليج العربي مثلاً حيث الاحوازيون كانوا ومازالوا مصدا عشائريا ودينيا واجتماعيا لمثل هذا العدوان التستر بوسائل عديدة، وما أود التركيز عليه أكثر في هذا الجانب هو مواجهة ما يدعم ايران كي تتمكن من تنفيذ إعتداءاتها، وهنا فإن كل ما تحققه فارس من تقدم في كافة المجالات يصنف ضمن هذه الدائرة، وهي تعزيز قوة ايران .
المواجهة الفكرية والثقافية المباشرة لإعتداءات ايران والتي يفتخر بها الاحوازيون هي الأسهل والأقل نفعاً وهذا برأيي سبب اللجوء لها بشكل أكثر من غيرها. أما الأصعب والأنفع فلا يتم الالتفات لها وهي كل ما من شأنه أن يزيد من منعة وصلابة المجتمع الاحوازي من تطوير للتعليم والاقتصاد والثقافة والفنون وكل مناحي الحياة وبالاخص للاجيال الاحوازية في الدول العربية والعالم وهي نسب لا باس بها. قد يقول قائل: وما شأن ذلك بالمواجهة، فهذه الأبعاد تختلف عن مواجهةالاحتلال؟ وهنا أقول لمن قد يحمل نفس التساؤل: عودة إلى معنى كلمة مواجه، وهو المواجهة فكريا، فإني أرى المواجهة صنفان:
الأول: مواجهة سلبية فيها التحام مباشر، تقوم على أساس تحقيق أكبر قدر من الخسائر في صفوف المواجهين، ولا تتخذ من أسباب القوة سوى ما يمكّنها من إيقاع الخسائر بالطرف المهاجم. هذه المواجهة هي الأوسع إستخداماً في الاحواز والتي غالباً ما تنتظر الهجوم الفارسي وحرسه ومن ثم تقوم بالرد عليه، وهذه مسألة خطيرة حيث يتم تجزيء الاحتلال إلى أحداث، فالاحوازي فقد الدافعية لمواجهة الاحتلال إلا إذا قام الاحتلال الفارسي بنشاط عسكري مباشر، وحين يستمر الاحتلال الايراني بهدوء فإن المواجهة تختفي تقريباً، بل إن ايران احيانا من تَجُر الشعب العربي الاحوازي لهذه المواجهة ومنها العسكرية تبعاً للمتغيرات السياسية الايرانية الداخلية كالانتخابات أو وفقاً لمعطيات دولية ما ومنها ما يحدث بالدول العربية او خططها بالتدخل لافشال النهضة الشعوب العربي كما حدث في اليمن والبحرين.
الثاني: مواجهة إيجابية دون التحام مباشر، وهذا الصنف غير موجود بشكل واضح على رغم وجوده متسترا ببعض الفعاليات والمؤسسات ومنها مناسبات عاشوراء لسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ومنها ايام رمضان ومناسباته وغير ذلك لكثرة المساجد والحسينيات لممارسة هذا النشاط كاحراج معارض لايران في المجتمع الاحوازي، وكلي ثقة أنه الأنسب والأجدى نفعاً، وما يتطلع إليه الاحوازيون، هو خلق مجتمع احوازي يكون ندّا لايران في كل شيء، ولعلّي أشبهها هنا بقوة تنافر بين قطبين في المجال المغناطيسي، بحيث لا يكون هناك نقطة صفر أو التحام وإنما قدرة على الردع من مسافة، وكلّما امتلك المجال الاحوازي القوة كلما زادت قدرته على تحريك المجال الايراني إلى أبعد مسافة.
هل ستسمح لنا ايران أن نقوم بتطوير إقتصادنا وتعليمنا وغيرها؟ هذا هو سؤال المثبطين دوماً. ونقول: هل تسمح لكم ايران بالعمل الثقافي وتطوير المجتمع؟ لم نجرب حتى اللحظة هذا الصنف من المواجهة بشكل ظاهر كمجتمع حتى نرى ردة فعل ايران. مضافاً إلى ذلك فإن هذا الصنف من المواجهة يقيّد السلوك الايراني تجاهه نوعاً ما بل يحرجه حتى امام حلفائه والحركات الداعمة له ويسقطه امام شعاراته.
فلنكن أكثر جرأة ولندخل دائرة الممنوع في النقاش الاحوازي، ما هي القيمة السياسية والعسكرية للانشطة السابقة منذ سنين والى يومنا هذا؟ لا أجزم بأن تلك الأنشطة تخلو من القيمة، لكني بحاجة إلى توضيح من قبل القائمين عليها بشأن قيمتها، فأنا وجزء لا بأس به من المراقبين لا يمكننا أن نقيّم إلا وفقاً للمقدمات والنتائج النظرية التي وضعها القائمون على هذا الصنف من المواجهة الاحوازية ومن ثم مقارنتها بالواقع فإن لم تنسجم تلك المقدمات والنتائج مع الواقع فهذا هو التعسف الذي تحدث عنه ابن خلدون.
إن المواجهة حق مشروع لدحر الاحتلال الايراني وبكافة أشكالها سواء أشار القانون الدولي إلى ذلك أم لم يشر، والتساؤل حولى جدوى بعد معين من المواجهة أمرٌ مشروع أيضاً بل واجب، فالمسألة لا تتعلق برفض المواجهة أو تأييدها بقدر ما هي مراجعة للمنفعة التي قد تتحقق منها. تؤمن الشريحة الأوسع من الاحوازيين بأن خيار تغير الستراتيجيات بين هذا وذاك يفقد الحركة الاحوازية قيمتها واثرها حيث ان التشتت يفقدها توازن الرعب مع العدو الايراني، ومنها مثلا استعداء مذهب اهل البيت كون ايران دجلا تدعي به في الوقت فنكون بذلك قد ناصرنا العدو الايراني في دجله وتمسكنه وشعاراته في الوقت الذي لابد ان نكشف هذا الدجل الايراني الى العالم .
ختام القول: إن هذه المراجعة الأولية والتساؤلات النقدية حول الحركة الاحوازية مجرد رأي لا أجزم بصوابه، ولا أدعي التعميم فيه. وما أريد إثارته في هذا المقال أنه من حق الشعب الاحوازي المواجهة بأي شكل، لكن من واجبه التقييم والمراجعة لهذه المواجهة بين فترة واخرى بعد كل تلك السنوات، ومن واجبه إيقاف ما يحقق به الخسائر إن ثبت ذلك.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: