كثيرة هي القضايا التي تتعامل فيها إيران بازدواجية حتى أصبحت صفة الازدواجية ملازمة لهذه الدولة و مواقف رجالاتها،فلا أريد أن ادخل و اشرح ازدواجية إيران و تناقض مواقفها من القضايا السياسية و الطائفية في المنطقة و العالم ولكن جاءت الازدواجية هذه المرة في قضية ثقافية و تراثية لسوء حظ إيران،فالجميع يعرف موقف إيران من إزالة دوار مجلس التعاون في العاصمة البحرينية المنامة و المعروف بدوار ألؤلؤة و سمعنا الصراخ و العويل الذي صدر من الساسة في إيران خاصة تلك الأصوات النكرة التي سمعناها من مكبرات الصوت في صلاة الجمعة في طهران الأسبوع الماضي تحديدا و وصفت إيران هدم دوار مجلس التعاون بالجريمة الثقافية و التراثية الكبرى و أقدم النظام الإيراني على تسيير مظاهرات عدة في مختلف المدن الإيرانية كما قام ببناء أكثر من دوار رمزي شبيه بدوار ألؤلؤة خاصة في مدينة كرج القريبة من العاصمة الإيرانية طهران.
و ما فضح الموقف الإيراني هذه المرة هو هدم و إزالة دوار الدلة الواقع في مدخل مدينة عبادان العربية في إقليم عربستان و دوار الدلة هذا لم يكن محل للتجمع و نصب الخيام و إثارة الفتن أبدا و لكنه كان رمزا و معلما تراثيا يشير إلى حسن الضيافة و الكرم عند أهل هذه المدينة العربية ،حيث للقهوة العربية وانائها(الدلة) مكانة وقيمة عظيمة في نفوس أبناء الشعب العربي هناك و تعتبر القهوة واجهة الكرم العربي لأبناء عربستان وعند استقبال الضيوف تكون القهوة أول ما يقدم للضيف بعد الترحيب وقد تغنى الكثير من شعراء هذا الإقليم العربي بالقهوة والدلة و مدحوا كثيرا من الشخصيات عرفوا بالكرم و بمضايفهم المفتوحة للضيوف.
و في لقاء صحفي لوكالة فارس للأنباء الإيرانية مع رئيس بلدية مدينة عبادان ،تكلم السيد محمود رضا شيرازي عن الانجازات التي أنجزها خلال تواجده في هذه المدينة العربية و ذكر و تباهى بآخر انجازاته وهو هدم دوار الدلة في مدخل مدينة عبادان وقال أن التمثال الذي كان في هذا الدوار لا يمثل الثقافة الإيرانية(و يقصد هنا الفارسية)لأنه يعطي صورة سيئة و غير حضارية للمدينة مما دفعنا إلى هدمه و إزالته بالكامل على حد قوله.
فسياسة التفريس و محو المعالم العربية التي تدل على عروبة هذا الإقليم العربي كانت و لا زالت جزء من سياسات إيران الممنهجة ومنذ اليوم الأول من فرض سيطرتها العسكرية على إمارة المحمرة و اسر الشيخ خزعل بن جابر الكعبي عام 1925م ،حيث باشرت إيران بالعمل على تفريس هذا الإقليم و طمس هويته العربية و تعرض الشعب العربي في عربستان لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد و التمييز العنصري من قبل نظامين الأول نظام ملكي شاهنشاهي و الثاني نظام جمهوري إسلامي و لم تختلف هذه الأنظمة من حيث الجوهر خاصة في التوجه المعادي و الحاقد على العنصر العربي حتى وان كان هذا العربي شيعي مثل معظم سكان مدينة عبادان النفطية!،التي تدفع هذه الأيام ضريبة احتضانها لأول مصفاة للنفط في الشرق الأوسط. فقد أصبحت الأدخنة السوداء التي تغطي سماء مدينة عبادان وحوض شط العرب من المشاهد المألوفة هناك. فلا يمر يوم إلا وتشاهد هذه السحب الدخانية وهي تغطي المنطقة وتلفها بروائح التصنيع الكريهة والغازات السامة.
فالنظام الإيراني اليوم لم يكن اقل عداوة و اقل كراهية للعنصر العربي من الذي سبقه في إيران لأنه سائر على نهج النظام الملكي الذي كان شعاره:((سنجعل من الخليج الفارسي مقبرة للعرب الحفاة)).
و المفارقة التي لم أجد جوابا شافيا عليها من أهل العمائم و الملالي في إيران هي سكوتهم أمام إزالة دوار الدلة في مدينة عبادان على يد السلطات الإيرانية و عويلهم وصراخهم الذي كاد ان يطغى على كل صوت في دوار ألؤلؤة في المنامة!.
و أما السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن هو:هل أراد السيد شيرازي رئيس بلدية عبادان الذي أوتي به من إقليم فارس لهذه المدينة العربية بتاريخها وسكانها أن ينتقم من العرب هناك لأنهم أيدوا قطع دابر الفتنة في البحرين أم هدم التماثيل الرمزية و أزالتها حق الهي يتمتع به الولي الفقيه دون غيره؟!.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.