الحلقة الرابعة – السياسة بين الأهوازيين فقدان مفهوم الوطنية مقابل العفوية القبلية

الدولة .. الجهاز و الخطاب…السياسة .

محمود عبدالله-الموقع الاحوازي الاعلامي

” إن المؤتمرات و المعاهدات  لم تعد تملك البت في مصير الأمم و قد أيدت حوادث التاريخ  تلك الحقيقية الأزلية – الحكومات تمر و تزول  والامم تبقى و تدوم.. إن الامم تختلف في وسائل جهادها…أن  قوام الجهاد الصحيح المثمر في كل أمة هو تنظيم المقاومة الوطنية  المرتكزة على إرادة الشعب و قوته على مبدأ الاخلاص و انكار الذات  هذا هو الاساس  الثابت الذي  تبنى عليه  النهضات القومية “- مؤرخ الحركة القومية في مصر عبد الرحمن الرافعي- المصدر الجمعيات الوطنية الطبعة الاولى مطبعة النهضة مصر -عام 1922.

  إن الجهل الأهوازي بمعنى الوطنية على صعيد الاسم والمفهوم لم ينتج  لنا سوى الجهل و الأمية و التمزق و الشقاء على صعيد الوعي؟

هل نكتب وجهة نظر عن الوطنية الأهوازية؟ كلا، إن مكونات الوطنية عندنا لم يتم  تحديدها ولا تعريفها حتى الآن ،وأن هذا الفراغ هو شقاء في وعينا و نقص صنع لنا مشاكل عديدة إما السياسة نقول إن كلامنا عنها يصبح له معنى ان كان ينتظم ضمن خطاب إيديولوجي .إن  هذا الفراغ تملئه العصبية، نعم إن العصبية العشائرية و الجهوية  تحتل مكان الوعي الفكري و النشاط السياسي أما الخلل الآخر (الثالث)  في النظام الأخلاقي المجتمعي عندنا هو مأزق بواعثه كثيره  ومنها غياب الفكر و غياب مفهوم الوطنية.

قضيتان أساسيتان لم ينالهما الحظ و النصيب الكافي من الفهم و الإدراك من جانب الأهوازيين في التاريخ الحديث و المعاصر،وأن القضية الأولى هي (الدولة و الخطاب السياسي المقروء).أما القضية الثانية هي ( معنى و مكونات الوطنية). لنبدأ بمفهوم الوطنية في هذه الحلقة ، فنقول إن هذا الأمر لا يزال مستمراً وهي المفارقة الكبرى والشقاء على صعيد الوعي كيف لا و بعد أكثر من قرن من الزمن يظهر الجهل بكل وضوح يعلن عن نفسه أطلق عليه مسمى (الجهل الأهوازي المؤقت الدائم)، كما وأن الأمية السياسية تتجلى  بكل صورها . إن دعاة التحرير في ساحتنا إجمالاً الذين عرفوّا “الثوابت الوطنية” ،وبدون وعي و قبلوا بها  بشكل خاطئ ارتكبوا خطأ لا يرتبكه إلا الجاهل بالتاريخ و بمفهوم الوطنية ،نعم إن هذا العمل (اعتماد  اسم خاطى – ثوابت وطنيه )، هو اعلان لا يستند على  فهم لمفهوم الوطنية ، حيث إن مكونات الوطنية كما نشير لها لأحقاً لم يكون لها حضور و لا تعريف و لا تدقيق في ما نشر باسم “الميثاق الوطني”، لا من ناحية تعريف مفهوم الوطنية ولا من ناحية تقديم وجهة نظر ، فكلاهما يستند على الفكر و تاريخ و مفهوم تكوّن الوطنية  عند الشعوب في التاريخ الحديث و المعاصر، و ليس العفوية و السذاجة و التخبط غير المسؤول  يخص قضية في غاية الأهمية كما جاء  من جانب القوى الأحوازية تحت اسم (ميثاق الشرف – أوالثوابت الوطنية) و أقول  عنها إنها الثوابت الخاطئة العفوية ،و قد اعتمدنا هنا في نقلها على المنشور في ” مجلة الأحواز العربية ، السنة الثانية العدد الثاني – سبتمبر- 2009، ص -15 ،16 ،17- و جاء الاسم (الثوابت الوطنية)،دون معنى و مسمى ، بمقدمة إنشائية و عفوية لا صلة لها ،ترتبط  بالعنوان وتم حشد عدد من المفاهيم هكذا دون تحديد وتعريف لها – “الميثاق الوطني الأحوازي- المفاهيم الأساسية للقضية الأحوازية : وطنية . قومية. دولية، حضارية عربية إسلامية” ،وتم تشويه هذه المفاهيم  . وجاء ذكر عدد الثوابت الوطنية الأحوازية  في نفس المنشور هكذا – “الثوابت الوطنية – أولاً التسمية،ثانياً العلم الوطني، ثالثاً الخريطة الجغرافية، رابعاً الهوية الوطنية،خامساً الاحتلال،سادساً تحديد طرق النضال” ، بإضافة  قائمة من الموقعين على هذا الميثاق .

 إن التأييد لهذا الاسم العفوي (الثوابت الوطنية أو الخاطئة)، لا قيمة له أما السبب هو أن ما جاء لا صلة له  بمعنى و مفهوم الوطنية، حيث إن المؤيد لا يضيف سوى جهل و قبول بجهل عن  الوطنية ،وأن هذا خطأ ،و لكن هل نعترض و نرفض؟ إن أعترضنا كما فعل البعض من الأهوازيين الذين أستهزوا دون تقديم لمعنى الوطنية ،هو أن الموقف الأخير الرافض المعترض هو جهل بعينه و أمية سياسية أعلنت عن نفسها دون أن يكون  شيء يخفيها . إن الاسم للمعترضين العقلانيين اصحاب هذا الكلام ليس أقل جهل في الأمور من أخوانهم الذين طرحوا بعفوية و سذاجة دون دراسة  ومقدمات صحيحة فكرية و تاريخية  (الثوابت الخاطئة )، حيث إنه لا يقوم بهذا العمل إلا الساذج و العفوي، فالوطنية لا علاقة لها ولا ربط  من ناحية الاسم – الثوابت، و لا حظ و لا نصيب لها على صعيد معرفة  (مكونات و تاريخ الوطنية )، كما هي في التاريخ و المرجعية و اللغة و تجارب الشعوب و الأمم في كفاحها و نضالها في سبيل الوطنية و نظامها السياسي بجانبها . إن هذا الاسم “الثوابت الوطنية “هو دون مسمى خطأ من الاساس .

لذلك حمل معه  جذور فشله ، ولم   تضف هذه الاشواك التي من السهل زرعها  للوعي  الأهوازي الذي يشكله إجمالاً الجهل المؤقت الدائم سوى الشقاء و التمزق و الجهل العام نعم إن حاجاتنا اليوم لتعريف  مكونات الوطنية  وماهية الوطنية ؟ أصبح ضرورة و لكن تعريفها كما هي .وهي الصحيح (المكونات الوطنية) . و مهما بلغ مستوى المكونات و دورها المصيري لا تسمى ” ثوابت” هذا خطأ . إن القوميين العرب المفكرين منهم أصدروا  قبل عام  مشروعهم الفكري النظري و التطبيقي تحت عنوان (المشروع النهضوي العربي تضمن سبعة قضايا مهمة أساسية هي المكونات للمشروع 1- النهضة العربية،2- الحضارة العربية،3- الوحدة العربية،4 – الديمقراطية،- 5 التنمية،6- العدالة الاجتماعية،7 – الاستقلال الوطني) ،و تضمن المشروع مقدمة و تعاريف للمفاهيم ولم تطرح المفاهيم كاسماء  وبعفوية – أنظر صدر كتب تحت نفس العنوان مركز دراسات الوحدة العربية 2010 شباط) .حتى إن الاكتشافات العلمية أو الحقائق العلمية يأتي العلم بعد فترة و يؤكد أن تلك الحقائق باطلة ولا تكون بمثابة ثوابت لا تتغيير.

 إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث إن الجهل و الأمية شملت الذين رفضوا الأمر و عارضوه لدرجة الأستهزاء وهم الذين ينعتون أنفسهم  جهلاً (بالعقلانيين)، و أن الاستهزاء هو خير تعبير عن جهل و أمية أصحاب العقلانية حقا مفارقة عندما لم يستيطعوا أن يقدموا أطروحة  حول (مكونات الوطنية )،و هي ليست من إبتكار و لا إبداع فلسفي حتى إن العقلاء يعجزوا من طرحها  وان كان عمل العقلاء كما هو معروف هو الإبداع أو الإبتكار أو التوظيف و التعريف وفق مقاصد،و بالتالي ما نرغب القول فيه إن (مكونات الوطنية ) معروفة و واضحة التي جهلها دعاة التحرير عندنا و أيضاً العقلاء معاً،وتكونها تسعة  عناصر هي: (1- الأرض الوطن ،2- العرق الانتماء القومي،3- اللغة،4- التاريخ ،5- التقاليد،                6- الدين،7- الحضارة الفكرية، 8- التباين الأجتماعي هوية مجتمع ما، 9- الوجدان القومي).

 إن إضافة عنصر أو مكون آخر حسب طبيعة الشعب المقصود و المعبر عنه أو حذف عنصر آخر لا يخل بالمعنى و لا  الأسس حتى إن التعاريف لمفهوم الوطنية صحيح عديدة و ملتبس أمرها – أنظر (ناسيوناليزم، الوطنية ،القومية، ، الأمة، الوطن)، وهذا الأمر ان كان  في المشرق العربي أو أقل حدة في المغرب العربي كما و أن اللبس موجود عند الفرس( ناسيوناليسم ،مليت،قوميت، قوم – أقوام، ملىّ)، كما أننا سنوضح كل هذا لاحقاً حتى لا نقع بالخلط ،ولكن في النهاية التعاريف رغم ذلك الالتباس أثر الترجمة من اللغات الأوروبية للغة العربية كذلك الفارسية لا تتجاوز بشكل أو بأخر هذه العناصر التسعة. ونضيف أمر آخر وقع فيه بجهل أو بدون وعي  دعاة الثوابت الخاطئة و كذلك الذين رفضوا و هو   الخلط مابين مكونات الوطنية و بين الطرح السياسي أو نظام الحكم.

إن الحركة الوطنية تنشأ  أساساً بعد تعرض الوطن للغزو و التجاوز و سلب حرية المواطن وطعن كرامته و سلب ثرواته و  ضياع حقوقه  ،يؤدي هذا الفعل لنشوء الحس و الشعور الوطني و الكراهية للمحتل و الكفاح  في سبيل إخراجه و تحرير الوطن . إن الفطرة في حب الفرد المواطن لأرضه و تاريخه و مكونات وجوده النفسي و الاجتماعي . يتحول كل ذلك عند ما يتعرض وطنه لتجاور إلى مرحلة هي النظم أي تشكل الاحزاب و الجبهات الجهات السياسية (حركة التحرر الوطني – جيش التحرير الوطني) وأن هذه المرحلة الآخيرة مقابل مرحلة ما قبل مفهوم الوطنية ،أوالحركة العشائرية –(prenationalisme).

 إن المكونات الوطنية التسعة كما حددنها أعلاه ليس شيء مصطنع  عفوي أو ميولات سياسية رومانسية حتى إن هذا الطرف يرفضها أو ذاك يقبلها أو من يقف على الحياد منها .إن اللغة العربية لشعبنا و الأرض و التاريخ  و الانتماء العربي القومي هل يستطيع فرد أو جهة تغييرها أو يحتكرها فرد أو طرف؟ الإجابة  كلا، حتى اذا قلنا إن الأمر وصل لدرجة أن الشعب يقوم بعملية استفتاء و هو وحده له حق التغيير، ولكن  لا اعتقد أن من الموضوعية أن يستفتئ الشعب على تغيير لغته أو تغيير الأرض بأرض آخرى أو يبدل دينه الإسلامي  أو هويته لكن يمكن أن يحصل  هذا التغيير على تغيير العلم أو حتى الاسم و هذا يشمل  الأمور السياسية  كمعنى و مفهوم الاحتلال مثلاً وهو أن الاحتلال يبقى ضمن اجتهادات و بحوث تاريخية و سياسة بالدرجة الأولى و الآخيرة لم تعطي أية اهتمام و منها معنى و مفهوم” الاستقلال السياسي الذاتي”،،أو مفهوم و معنى “الاقليات القومية”، وهي اجتهادات لا يمكن أن ندخلها مثلا في  أمر هل شعبنا عربي أم هو فارسي؟ إن الدساتير رغم أنها تنظم شؤون الدولة و الشعب يتم تغييرها و تجاوزها،حيث إن  تغيير هذا أو ذاك أو حتى عدم الالتزام بدستور مثلا لأنه يمثل الاستبداد من جهة لا يعنى  أن الرافض له  رافض لمكون الوطنية .إن كثير من الدول لها اسم محلي و دولي (مصر مثلا )،وأن كثير من الأنظمة السياسية عندما تستلم الحكم تغيرالعلم دون أن يكون ذلك التغيير يصطدم و المكونات الوطنية الأساسية .

 حيث إن الشعب يبقى عربي  يعيش عاطفة و شعور الانتماء لتاريخه و تمسكه بأرضه و ثقافته  العربية والإسلامية و لغته التي لا يمكن أن يسلبهما أحد منه لا بالترهيب ولا بالترغيب . إن  الموضوعية  و التاريخ و تجارب الشعوب و الأمم مع هذا الأمر و لا تعارضه  في أن مفهوم الوطنية نشأ في فرنسا و كذلك المانيا  رغم الفارق بين الأثنين و لكن  تقدم  فرنسا منذ مبادئ ثورتها الثلاثة هل كان سبب أن طرحوا أن يغييروا لغتهم أو أن يغييروا ثقافتهم أو أن يرحلوا عن أرضهم  الوطن ؟

إن مكونات الوطنية في التاريخ كما نشأت و تبلورت إن كانت في فرنسا أو حتى المانيا اعتمدت  مكونات أساسية مشتركة عند معظم الشعوب ، وهي التي تم الأخذ بها كذلك من جانب الشعوب العربية و الإسلامية و وضعوا لها معادل في اللغة العربية مرة ” القومية”، وآخرى ” الأمة “، و كذلك ” الوطنية” ونفس الأمر عند الفرس وضعوا لها مسمى “مليت، قوميت ملى”، أو التجربة التركية . صحيح أن هنالك اختلاف بين ظروف الشعوب و لكن تبقى المكونات الوطنيه (التسعة ) متقاربة و الاختلاف في التفاصيل و ليس في المكونات ،ولناخذ تجربة فرنسا و بعدها تركيا . إن مبدأ ” سيادة الأمة “، الذي كان أساس الثورة الفرنسية أو ما طرحه  روسو الفيلسوف الفرنسي  العقد الاجتماعي، ” كان مبدأ روسو الذي ينادي به و يدعو  إليه هو سيادة الأمة وكان  من نتيجة  هذا التعاقد  إيجاد إرادة عامة هي إرادة المجموع، أو إرادة الأمة صاحبة السلطة على الجميع … أما الملك  فهو وكيل عن الأمة صاحبة السلطة … وكان من حقها عزله متى شاءت لأنها هي التي ولته “، أنظر: الثورة الفرنسية- تاليف حسن جلال ، دار الكتب المصرية – 1927 ص، 20.

 أما مؤسس تركيا أو نشير باختصار لها أقصد تجربة ” مصطفى كمال”، والذي طرح “ميثاق الملة “،أي (الميثاق القومي التركي)، و الذي مهده لبناء الأمة/ الدولة التركية الحديثة . إن مكونات الوطنية التركية لم تخرج كثيراً عن تلك التي  كانت مطروحة المكونات التسعة فقال مصطفي اتاتورك “إن الشعب الأتراك شعب آري أبيض أتى من آسية الوسطى التي هي مصدر كل إنسانية … و بذلك يكون الأناضول  أرضاً تركية  منذ أقدم العصور… وكان هدف مصطفى كمال أن يوجد للدولة  لحمة جديدة  بينها و بين الأمة و الوطن… على مبدأ سيادة الدولة / الأمة”. أنظر: كتاب الدولة و الخلافة في الخطاب العربي أبان الثورة  الكمالية في تركيا  دراسة نصوص ، دراسة و تقديم – وجيه كوثراني الطبعة الأولى بيروت 1996- ص 11-12.

مفهوم الوطنية (ناسيوناليزم أو بالفارسية ناسيوناليسم)

إن هنالك تداخل و تشابك في مفهوم الوطنية على صعيد الاسم – اللفظ و المعنى أو التعريف .إن هذا الأمر،التشابك و اللبس يشمل معنى “القومية” و “الأمة” و كذلك “الوطن” و خصوصاً أن التفريق كذلك بين كل  معنى العنصرية – الشوفينة أو العصبية القومية عبادة العرق أو نقاء العرق والتفضيل له، وبين الإيديولوجيا السياسية دون أن تكون ذات اتجاه العنصرية العرقية و أما السبب عائد أن اللفظ ” ناسيوناليزم = الوطنية”هو أجنبي أوروبي أساساً فرنسي و أن  دخوله على اللغة و الفكر العربيين وكذلك نفس الأمر في الفكر و اللغة الفارسيين . حيث إن الفكر الفارسي يعاني من اللبس حول  نفس الاسم والمعنى يستعملوا هكذا ( ناسيوناليزم – ناسيوناليسم،مليت – قوميت – قوم- أقوام،ملى )

و نستعين هنا بنص التعريف للمفكر العربي  الجابري  لتوضيح اللبس اللغوي عن معنى الوطنية و كذلك مفهومها بالنسبة للغة العربية و كذلك بالنسبة للمفهوم في الفكر العربي الحديث و المعاصر.

” إن لفظ “الوطنية” لا وجود له في القواميس العربية القديمة. أما “وطن” فتقول عنه هذه القواميس : “وطن، مُحرَّكةً ويُسَكَّنُ: مَنْزِلُ الإقامَةِ، ومَرْبَطُ البَقَرِ والغَنَمِ، والجمع: أوطانٌ. وصيغة لفظ “وطنية” مصدر اصطناعي كـ”الإنسانية” من الإنسان. وقد شاع استعماله بكثرة في جميع أرجاء العالم العربي والإمبراطورية العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والغالب أنه ترجمة لمفهومين سادا في فرنسا في ذلك القرن: الأول هوpatriotisme منpatrie ومعناه الوطن. والثاني ناسيوناليزم        nationalisme  منnation التي ترجمت بـ “الأمة”.

أما المفهوم الأول فترجمته موفقة لا غبار عليها. و المعنى الذي يحمله اللفظ الفرنسي  patriotisme هي : “شعور بالانتماء إلى بلد يقوي الوحدة بين أبنائه على أساس قيم مشتركة”. وأيضا “حالة نفسية/روحية تدفع الواحد إلى الشعور بالحب والاعتزاز وإلى الدفاع عن مصالح بلده”. ثم يضيف القاموس الذي نقتبس منه: “يجب عدم الخلط بين “الوطنية” patriotisme وبين مظهرها المتطرف بل العدواني المسمى “الشوفينية (” chauvinismeالعصبية العرقية)، كما يجب التمييز بين “الوطنية” patriotisme وبين “ناسيوناليزم”  nationalisme الذي هو إيديولوجيا سياسية. وهذا اللفظ أخذ منnation، كما قلنا ومعناه: “جماعة بشرية تتعرف على نفسها بارتباطها ببقعة من الأرض على مدى التاريخ  ويجمعها الشعور بالانتماء إلى نفس المجموعة”، وقد ترجمت هذه الكلمة بـ “الأمة” وهي ترجمة أقل توفيقا، لأن عنصر الأرض لا يدخل بالضرورة في مفهوم “الأمة” باللغة العربية (قارن الأمة الإسلامية، أمة محمد، ويطلق في القرآن ليس على جماعة من البشر فحسب، بل أيضا على “أنواع” المخلوقات كالطيور… الخ). ولما كان من غير المستساغ في اللغة العربية اشتقاق مصدر صناعي من لفظ “أمة” لوضعه كترجمة للمفهوم المشتق من كلمةnation أعنيnationalisme، فقد ترجم هذا المفهوم، في المغرب العربي خاصة بكلمة “وطنية”، بينما ترجم في المشرق بكلمة “قومية” في الغالب، نسبة إلى “القوم”. وهذه ترجمة فيها نظر! إنها لا تسمح مثلا باشتقاق لفظ يعبر عن معنىnationalité الذي نعبر عنه في العربية بلفظ “جنسية”، وهو بعيد عن لفظ “قومية” وأفقر منه بما لا يقاس” . أنظر- محمد عابد الجابري نصوص و دراسات ، دراسة عن الهوية – الوطنية و القومية و المواطنة – 1- الوطنية…والقومية، موقع الجابري الخاص.

إن هذا النص لطوله ربما أوضح الكثير من اللبس عن ما نحن بصدده مفهوم الوطنية أو ما ترجمه في  المغرب العربي و المشرق العربي إلى مفهوم القومية ، وحول هذا المفهوم الأخير ننقل نصّ من كاتب  عربي من المشرق  يعطي صورة عن معنى القومية كما هي في وعينا بدرجة من الدرجات أو ما يطلق عليها ” القومية اللاوعية” مقابل  قومية آخرى على صعيد النظرية هي “القومية الواعية”، و يقول :

” إن تاريخ القرن التاسع عشر والقرن العشرين  مطبوع  بطابع الحركات القومية والتحررية …أما كلمة قومية  ، فلقد أخذنا نحن العرب، عن القوم و نعني به الأمة . ولقد فضلنا القول بالقومية  كفكرة فلسفية  عوضاُ عن الأمة ، لما للأمة هذه الأخيرة  في الذهن من  لبس غير موجود في اللغات  الأجنبية الآخرى”.و يضيف نفس الكاتب  قولاً  يمييز فيه  بين نظرية القومية  التي منشائها فرنسا و تلك التي منشائها المانيا ، فيؤكد: ” فنظرية القومية الواعية ، نظرية  المفكرين الفرنسيين، ونظرية القومية اللاواعية نظرية الفلاسفة الالمان” . فيواصل القول- ” إن نظرية القومية الواعية … تتلخص في أحترام الشخص الإنساني و استقلاله وعدم فرض إرادة  أجنبيه عليه أو الاعتداء على حق الآخرين ، ان ارتباط الافراد في مجتمع من المجتمعات يخلق فيما بينهم روحا عامة  مشتركة  و يجعل منهم أمة، وإن الدولة ، التي هي الكيان السياسي للأمة، تقوم  على هذه الروح الاجتماعية “. أنظر: تاريخ الحركات القومية  يقضة القوميات الأوروبية الجزء الأول د- نور الدين حاطوم، بيروت  طبعة -2 ،1979 – صفحة 7.

وهنالك تعريف آخر لعالم أمريكي عن مفهوم الأمة لا يختلف كثيراً بالنتيجة عن التعاريف السابقة عن مفهوم الأمة أو الوطنية حيث يقول عالم الاجتماع الأمريكي  ماك دوغال-

” الأمة تتألف من أفراد يشعرون بأنهم متماسكون تماسكان طبيعياً بروابط لها عندهم من القوة و الصدق بحيث يكون في ميسورهم أن يعيشوا بالسعادة و الهناء أن كانوا معاً و يصابون بالضيم اذا تفرقوا.ويرفضون كل خضوع وانقياد للشعوب التي لا تشاركهم هذه الروابط”، أنظر أكثر : قراءات في الفكر القومي – الجزء الثاني ،1993 – بيروت.

 و هنالك كاتب عربي آخر يرى أن الوطنية  هي معقدة عندما يدرس مفهوم الوطنية في دول المغرب العربي حيث يؤكد ” تبرز الوطنية كأحد المصطلحات الأكثر تعقيداً من حيت التعريف والتحديد  والاعمق صعوبة من زواية الإدراك والتمثيل، وذلك لارتباطها الوطنية بكل من الإيديولوجيا،السياسة… و لتقاطعها مع أكثر من جذر واشتقاق، فالوطنية تتداخل مع مفهوم الأمة ( nation) و تلتبس بمصطلح  الوطني (patrie)” – أنظر: الحركات الوطنية و الاستعمار في المغرب العربي – ص ،24 – تأليف د – امحمد مالكي– طبعة ثانية 1994 ، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت.

مفهوم الوطنية في إيران الحديث

وإذا أنتقلنا إلى منشئ و بناء مكونات  مفهوم الوطنية في الفكر الفارسي الحديث  نجد أن الأمر ملتبس  حيث إن الفرس يستعملوا المفهوم هكذا ” ناسيو ناليزم- ناسيوناليسم = مليت، قوميت،قوم”، و وجدوا أن مكونات الوطنية الإيرانية وفق ما بنوا  لها في العرق الآري أو مايسمى “نقاء العرق- عرق ملى”،أو التفضيل له العصبية القومية، مع اللغة،و التاريخ ، أو التراث المشترك ، ويعبر عنه بمعنى  ” الروح الإيرانية”،بإضافة الموقع الجغرافي .إن الإشكالية في بناء الوطنية عند الفرس تنطلق من  الفهم الملتبس هذا عندما أمتد لنواحي ليس لهم فيها الحق تاريخياً لوجود شعوب غير فارسية أو هي ماتسمى مصطلحاً (الأقليات القومية)،والتي تتمتع بحكم استقلال ذاتي  بمعنى داخل دولة ، وأن الاقلية القومية تكافح في سبيل بناء دولتها أو تقرير مصيرها.

وهنا ننقل نصّ لأحد الرواد  الأوائل من الحركة الوطنية الإيرانية و يرجع سبب اختيارنا لهذا النص  لسببين .إن السبب الأول  هو نص يعود  لبداية تشكل مفهوم الوطنية في إيران في العصر الحديث و يظهر فيه  اللبس و محاولة الخروج من مأزق تطبيق المفهوم على إيران  متعدد الشعوب، والسبب الثاني – أن صاحب النص  وضع مشروع من ثمان نقاط  ستة منها تدعوا إلى طمس هويات الشعوب غير الفارسية كحل للخروج من مازق  الوطنية، و الثامن  هو  يتضمن نظام يقترحه لادارة  إيران  كما يعبر عنه كما سنرى نظام ثالث للحكم .إن مفهوم الوطنية كان يحمل نفس اللبس و عدم الوضوح عند المقارنه بين ما هو موجود في المرجعية  الأوروبية  و ترجمته للفكر العربي والشرق بشكل عام و إيران تحديداً كما يظهر ليس فقط في هذا النصّ الذي يعود لبداية القرن الماضي ،بل اللبس  موجود أيضاً في الحاضر  حيث إن  معنى ” قوم، اقوام ” ، دون لفظ ” مليت”، في الدستور الحالي للدولة الإيرانية المادة 19 حول الشعوب غير الفارسية . ونقول إن هذا اللبس حصل عند الفهم السياسي  لدى الشعوب غير الفارسية التي تتخذ كل من الفكر و اللغة الفارسيين مرجعية في فهم معنى  الوطنية التي يقول عنها صاحب النصّ الكاتب الإيراني تحت عنوان :

 ” مسئله مليت و وحدت ملى ايران- وحدة الوطن و أسس الوطنية  في القرون و البلاد مختلفة ليس لها مقياس واحد مشترك، مرة المذهب و الاخلاق المجتمعية، مرة العرق وحدة الدم ، وفي مكان آخر  يكون اللسان ، وفي مكان آخر  وحدة التاريخ  أو الشراكة الاقتصادية تشكل الشعوب “، وللخروج من مأزق الإشكالية  ينحى أحد أوائل  الحركة الوطنية الإيرانية باتجاه مخرج آخر للبناء عليه لمعنى القومية حيث إن الكاتب يستعمل لفظ القومية  مع جمع أقوام أستعمال لصاحب النص  فيقول” هنالك عامل  آخر في بناء القومية  مؤثر جداً وهو  عامل الهواء و الطبيعة ، حيث إن الأقوام  المختلفة التي أندمجت مع بعضها بعد قرون طويلة من التعايش  في ماء وهواء  واحد شكلوا  قوم واحد، بناء الأمة الأمريكية و الأمم الآخرى من هذا القبيل،و بناء الأمة الإيرانية يكون كذلك” . نعم إن هذا النصّ الذي نقلنا منه يظهر بوضوح  مأزق معنى و تطبيق مفهوم الوطنية أو القومية أو الأمة في بداية تشكل إيران ، وخصوصاً أن هذا النصّ يعود لشخصية معروفة (محمود أفشار )،و لها تأثيرها في بناء الخطاب الوطني القومي الفارسي و كذلك الدولة و نظام الحكم السياسي  حيث إن  محمود أفشار وضع منشور معروف يتكون من  ثمان مواد  كما قلنا أعلاه 6 منها محو هوية و ثقافة الشعوب غير الفارسية حتى يكتمل مفهوم الوطنية الفارسية الإيرانية و مادة سابعة تطوير وبناء إيران والثامنة هي نظام ادارة إيران (بنظام ثالث فرنسي الصيغة)، أواللامركزية حيث يقول ” إن أفضل نظام سياسي لادارة إيرانهو- ” سيستم دكنسا نتراسيون”، وهو بين المركزية – “سانتراليزاسيون “، وبين اللامركزية – ” دسانتراليزاسيون” ، أي نظام ثالث يعطي  اختيارات محدده للاطراف بمعنى آخر اللامركزية “. أنظر ص 568  مجلة آينده نمره مسلسل 20 مجلد دوم  شماره 8 .

ونضيف القول إن هنالك ثلاثة اتجاهات وطنية سادت في إيران كما يحددها (الكاتب – كاتوزيان).إن رضا شاه إيران اعتمد أحد تلك الاتجاهات الثلاثة في بناء وتوحيد إيران كما يقول كاتب آخر إيراني (اسفند بهاري(، نعود إليه بعد أن ننقل ما قاله كاتوزيان عن التيارات الثلاثة الوطنية الإيرانية عند المشروطة حيث يقول:

” هنالك ثلاثة تيارات وطنية أو يستعمل لفظ ” ناسيوناليسم”، التيارالأول ” ناسيوناليسم المجدد، مترقي متصلب”، إما التيار الثاني حسب تعريفه هو ” ناسيوناليسم ليبرالي- ديمقراطي”،و الثالث و الآخير هو ” ناسيوناليسم اليمين المحافظ  المنزوي المعتمد على الماضي”.أنظر كاتوزيان  اقتصاد سياسى ايران الطبعة 6، عام 1377 ، ص 25.

أما الكاتب الإيراني الآخر يرى أن رضا شاه أخذ باتجاه ذلك الذي يرى أن إيران يجب أن يصبح أوروبي كاملاً، وهو الاتجاه الأول حيث يقول” إن رضا خان الذي يرى أنه وارث فكر  اتجاه تقي زاده و اتباعه ، بدء الهجوم على التراث وكل ما يرتبط بمظاهره . إن الهجوم كان  عملي  تطبيقي فيزيكي”. أنظر شهرية  – فكر نو سال اول – شماره بنجم – مهر 1378، ص 3- اسفنديار بهارى:ايران و شكاف هاى  تاريخى.

سواء اتفقنا أو لنا وجهة نظر مخالفة مع هذا التصنيف أو مع ما اتخذه رضا شاه إيران يبقى  الأمر المهم هو أن الوطنية الإيرانية اعتمدت مكونات أساسية مثلها مثل المكونات عند باقي الشعوب و الأمم، حيث إنها اتخذت المرجعية الأوروبية  الفرنسية أو الالمانية  مصدرا لفهم الوطنية و شكلت وجودها الحالي وفقاً لتلك الأسس، صحيح أن النخب الفارسية لم تكافح و تحارب و تخوض حرب تحريرضد من يحتل الأرض الفارسية ،مقارنة مع ما حصل في الجزأئر و تونس و المغرب في المغرب العربي أو في سوريا  و السودان و باقي الأقطار العربية الآخرى .و لكن تبقى   المكونات الوطنية الأساسية واحدة عند مختلف الشعوب وان اختلفت الجغرافيا و التاريخ و لغات الشعوب بعضها عن بعض أن التجارب تختلف بين تجربة  و آخرى ، فإن تجربة “خير الدين التونسي” الذي خاض مبكراً الكفاح و الإصلاح  حتى قبل احتلال تونس من جانب فرنسا حيث يقول صاحب كتاب الحركة الوطنية التونسية – ” و منذ ان أستولت  فرنسا على الجزائر  بدات سياستها تسعى لاحتلال تونس … وقد كان هذا الشعور بالخطر  يمكن أن يكون أكبر حافز  على انضاج الحركة الوطنية  في تونس… كان لعمله الإصلاحي  التأثير الكبير  و الجوهري  على تاريخ الحركة  الوطنية  الاصلاحية في تونس قبل الاحتلال الفرنسي وبعده” أنظر الحركة الوطنية التونسية 1830-1956 ، الطاهر ابو القاسم عبدالله  سوسة تونس ص 14- 17.

  أو أن تجربة السودان الوطنية عندما انطلقت ثورة المهدية، وأن السبب سخط و رفض للوجود المصري التركي و فرض الضرائب أو كما يقول صاحب كتاب تاريخ الحركة الوطنية في السودان عن الثورة ” أنها جاءت لسوء الأدارة و سوء تصريف جهاز الحكم .وإلى العقوبات والحدود  التي فرضتها السلطات المصرية “، أنظر تاريخ الحركة الوطنية في السودان  1900-1969، البرفسور محمد بشير عمر ترجمة هنري رياض، وليم رياض ،الجنيد علي عمر عام 1980 دار السودان للكتب ص 22.

إن ما نريد قوله هنا هو إن الوطنية  في اللفظ و المعنى أو المكونات ليس وليدة اليوم،  وأن فهمنا لها  يجب أن ينطلق من مكونات أساسية ، وكما هي في التاريخ و تجارب الشعوب في بناء فهم تلك المكونات  الوطنية بعيداً عن الأهواء و العصبيات و النزوات الفردية . إن دخلت هذه الأمور كما هو حالنا الآن ، أن ما ينتج عن هذا لا يكون سوى تمزق و شقاء  نفسي  يزيد أزمة النظام الأخلاقي المتدهور عندنا أكثر، و يبقى الجهل بالسياسة و الفكر عندنا (الجهل المؤقت الدائم). إن وجهات النظر نحتاج لها  وفق فهم و ليس إنشاء و يجب أن ننتقد وجهات النظر و أن لا نمارس العنف ونتجاوز نظام الأخلاق و الموضوعية في نقد وجهات النظر الآخرى. نعم قلنا في بداية دراستنا إن مشكلتنا  فكرية و بنفس الوقت إشكالية فلا تنهض ثقافة دون فكر و لا تنجح سياسة كذلك دون فكر. إن تاريخنا كما قلنا في الحلقة السابقة اتجه نحو القبيلة كمرجعية دون الوطنية. أما وعينا السياسي بالوطنية في تاريخنا الحديث و المعاصر اتجه نحو الميولات و العفوية دون مفهوم الوطنية ، وهذا ما حاولنا الإشارة إليه هنا بشكل سريع إما السياسة – الخطاب  نطرح فيها وجهة نظر في الحلقة القادمة.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: