الدلالة الصوتية و الصرفية و النحویة في اللهجة العربیّة الاهوازية (1)

الدكتورة خیریة عچرش/عاطي عبيات – جامعه شهيد چمران

 الملخص

کماهو معلوم إنَّ اللهجة بنت اللغة العربیّة الفصحى او حالة من حالاتها فی مراحل تطورها السلبي او الایجابي، فأهمیة دراسة اللهجات ناتجة من الواقع الاجتماعی الذی یرتسم بمختلف مظاهره فیها، علاوة علی توافر قوة المعنی و خصب الدلالة فی مفرداتها و تعابیرها. و هذا المقال الذی یعني بدراسة الدلالة الصوتیة و الصرفیه و النحویة في اللهجةالعربیّة الاهوازية، یحاول معرفة تاریخ العلاقة الممتدة العریقة بین هذه اللهجة و العربیّة الأم «الفصح» تمهیداً للاستفادة من عطائها الثري فی مختلف المستویات و اسهاماً فی ارساء دعائم صرح اللغةالعربیّة، شریطة أن تخضع للدراسة و التمحیص و التنقیح مِن المحرف و الدخیل و التشویه و غیر ذلک.

( الکلمات الدلیلیة، اللغة، اللهجة، مخارجالصوت، الصرف، النحو)

 المقدمه

اللغة ظاهرة اجتماعیّة تعیش مع الانسان جنباً الی جنب، تضعف بضعفه و تنمو و تزدهربنموه و ازدهاره، فاللغة کونها منبثقة من الاجتماع تُعتبر من الوسائل الهامة و الرئیسیه فی ترابط الافراد و الشعوب و توطید الأواصر و تسیر عجلة حرکة الحیاة الی الامام. فمن أحدی هذه اللغات، اللغة العربیّة التی اصطفاها الله من بین اللغات لتکونَ لغة القرآن و الاسلام حسب قوله تعالی: «انّا انزلناه قرآناً عربیاً»1 و اقسم الله علی نفسه بحفظها و بقائها حیثُ قال تبارک و تعالی: «انّا نحن نزلنا الذکر و انا لَهُ لحافظون » 2 وهذه اللغة العربیّة الفصحی الموحدة تجمع مکونات مِن لهجات عربیّة مختلفة، أسهمت فی بناء العربیّة و صرحها المتین. فدراسة اللهجات تُعَدُّ مِن أحدث الاتجاهات فی البحوث اللغویة فلقد نمت و ترعرعت هذه الدراسات بالجامعات الآوربیّة خلال القرنیین الماضیین و اُسست لها فروع خاصة تعني بدراستها و شرحها و تحلیل خصائصها. فالازدراء و الحیف و التعسف الذي لَحَق َباللهجات، باعتبارها صور مشوهة و لغات هشة لا ترقی الی مستوی اللغة الفصحی، سبب هذا التباعد و هذه الجفوة و القطيعة، و کأنّها وافدة دخیلة لا تمت الی العربیة بأدنی صلة . فالحقّ، انَّهُ لیس کل ما تستعمله العامة خطأ، إِذ أن فی بعض مفرداتها طاقة تعبیریة خاصة، فی الامکان استغلالها لاثراء الفصحی و تلقیحهاعلی حد قول محمود تیمور.3 فمن بین هذه اللهجات، التی لم یسلط الضوء علیها الی حد الان، اللهجة العربیّة فی محافظة عربستان [جنوب غرب ایران] التي تضرب بجذور عمیقة للغة العربیّة الفصحی. و علی هذا الاساس عقدت العزم علی دراسة اللهجة العربیّة لهذا الأقلیم الذی کان مُنذ القِدم و ما یزال مرکزاً للاشعاع الفکری و الحضاری، واسهم بشکل کبیر فی ازدهار الحرکة العلمیّة فی کافة مستویاتها قبل بزوغ فجر الاسلام  و ما بعده.هذه الدراسة تعتمد علی منهج تحلیل البنیة اللغویة، للهجة المدروسة وفق المستویات الصوتیة و الصرفیة و النحویة.

اعتمدت الدراسة ثلاثة مناهج

اولا: المنهج الوصفی: و هو عملیة وصف للظواهر اللهجیّة و تحدید خصائصها المتمثلة بلغة التخاطب فیما بینهم علی کافة الأصعدة.

ثانیاً: المنهج التحلیلی: یعتمد علی دراسة البنی الوظیفیة و سیاقاتها و طبیعة ترکیبها

ثالثاً: المنهج التقابلي: یعتمد علی عرض اصول مفردات اللهجة المدرسة علی اللهجات [لغات] العربیّة القدیمة.

اللهجة العربیّةالاهوازية

لاشک إِنَّ اللهجة فی محافظة عربستان لهجة عربیّة استطاعت أن تضم بین دفتيها آلاف الألفاظ و المفردات و التراکیب و العبارات الفصحی التی ترقی الی العصر الجاهلي، دون أن یعرض لها لحن او تصحیف او تشویه و غیر ذلک. و الدلیل علی ذلک کثرة الشواهد و الأسالیب الصرفیه و النحویة و التعبیریه التي وقفت علیها اثنا هذه الدراسة ممّا یعطی لها زخماً معنویاً و ثقلاً علمیاً لا یستهانِ بهِ و منها باختصار شدید.

الشواهدالقرآنیّة

کقولهم: « بارت تجارة فلان » ايّ کسدت و « بارت الأرض » اذا لم تکن صالحة للزرع بسبب الاملاح و منه قوله تعالی: « تجارة لن تبور» 4 و قولهم: « بَتر الحبل » اذا قطعه و فلان ابتر اي مقطوع النسل و منه قوله تعالی: « إِنَّ شانئک هو الابتَر»5 ايّ مقطوع الذکر.

الأمثلة الشعریة القدیمة الواردة فی کلامهم

کقولهم: « الطُّول و الطُّواله » الحبل الذی یعلق فی رقبة الماشیة او رجلها فَیُشدُّفی وتدٍ کی ترعی الماشیة مقیدة بِهِ. و فیِ ذلک یقول طرفة بن العبد: « لعمرک أنَّ الموت ما أخطأ الفتیل .. کالطّول المُرخی و ثِنیاهُ بالید »6 و قولهم: « لسانه مبرد » کنایة عن شدّته و قسوته عند تناول اعراض الناس و نقدهم. و فی ذلک یقول حطائط بن یعفرالجاهلی:« أجارة أهلی بالقصیمة لاتکن علیّ، و لم أظلم، لسانک مبرد » و قولهم: «فلان نبش السرّ: بمعنی افشاه » و منه قول الأخضر الاموي7 « مهلاً یبن عمّنا مهلاً موالینا .. لا تنبشوا بیننا ما کان مدفونا »

فی الکلمات و الأسالیب المحتفظة بلهجات موغلة فی القِدم

کقولهم:« بدینا » بدلاً مِن « بدأنا » و هی لغة أهل المدینة 8 و قولهم: « شکیت » في « شکوت » و هي لهجة قدیمة و قولهم : « سکرانة و عطشانه » في تأنیث « سکری و عطشی » و هي لغة بنی أسد.9 وشیوع لغة أکلوني البراغیث عندهم فی مثل قولهم: «خرجوا الأطفالُ» و هي لغة طي وأزد شنوءة، و ادخال «أل» علی الفعل، کقولهم: «راح الرجل الیِکتب» ايّ ذهب الرجل الذی یکتب و هي لغة.10و للاختصار نغض الطرف عن المئات من الشواهد و الأمثلة الواردة الشائعة في هذه اللهجة.

خصائص اللهجة العربیّة الاهوازية

المستوی الصوتی

(تتألف هذه اللهجة من واحد و ثلاثین حرفاً)

 الأصوات الصامتة

الهمزة–و یسمی النبر أيضا – من الصفات اللهجیّة التي اختصت بها العربیّة الفصحی و هی سمة عرفت بها قبیلة « تمیم» و کان أهل الحجاز و من جاورهم یسهلون الهمزة عند استعمالهم اللغة الفصحی.فاللهجة الاهوازية لا تعرف الهمزة الا قلیلاً و تمیل الی تسهیله و من اقوالهم: راس – بیر- رای – خذیت» و التی تقابل: « رأس – بئر – رأی –أخذت» محاولة منهم للتخلص من صوت الهمزة الشدید و اذا جاءت مکسورةً بعد الألف تقلب «یاءً» عندهم. مثل: بایع فی بائِع و سایل فی سائِل. و اذا جاءت الهمزة فی آخر الکلمة تمیل لهجتهم الی حذفها فی کثیر من الاحیان کقولهم: قَرَا فی قَرَأَ،ضو فی ضوء و مسا الخیر فی مساء الخیر. و فی الصفات الدالة علی العیب و اللون ایضاً یحذفون الهمزة و یحرکون الصوتین اللذین بعدهما بالفتح، کقولهم:احمر: حمر، اعرج: عرج ، ان ظاهرة حذف الهمزة واردة في کلام العرب و یسمیها المحدثون« بالوقفه الحنجریة»

 الجیم المعطشة:

هي الجیم الخالصة الرخاوة المسموعة فی کلامهم کالفصحی مثل: جاسم، جاموس، و تارةً یلفظون الجیم «یاءً» فیبد لونها منه، کقولهم: جار: یار، جوعان: یوعان، شجرة: شیرة و البعض منهم یبدل الجیم «ژاء الفارسیّة» کقولهم: ژاب فیجاب. فإبدال الجیم «یاء» واردة فی لغة تمیم، و فی ذلک. تقول ام الهیثم: إِذا لم یکن فیکن ظل و لاجني فأبعدکن الله مِن شیرات11والقلیل منهم مَن یبدل الجیم الی «شین» کقولهم: «تشتر» مِن «تجتر الدابة»

»الحاء و الهاء» :

تارةً في کلامهم یبدلون «الحاءَ» (هاءً) کقولهم: هندس في حندس و الحندس في اللغة تعنی ظلمة اللیل.

« الخاء و الهاء » :

إبدال الخاء إلي «الهاء» یرد في کلامهم قلیلاً مثل: خافت في «هافت »

» الذال و الزاء و الضاد » :

و هذا الإبدال یتّمُ فی بعض الکلمات کقولهم: زخیرة في «ذخیرة» و الزفرفي «ذفر» و ضراع في «ذراع» و مضکور في «مذکور» و تلجأ لهجتهم الی هذا النوع من الابدال طلباً للتفخیم.

الزاي و الصاد

کقولهم : الزغار في الصغار

 السین و الصاد

 کقولهم :صرط في «سرط» و صورة في «سورة» و الصخام في «السخام» و صلخ في «سلخ» و هذا الإبدال ظاهرة من ظواهر التفخیم و الترقیق الوارد في لهجات العرب و نَسَبَ سیبویه ظاهرة قلب «السین صاداً فی أصوات الاستعلاء الی بني العنبر و هم مِن بني تمیم. و أورد ابن جني طائفة مِن القراءات القرآنیة علی هذا النمط12 من ذلک قوله تعالي: «کأنّما یساقون الی الموت و هم ینظرون»13 و «یصاقون» و قوله تعالی: «ذوقوا مس سقر»14 و «صقر» و قوله تعالی: «و سخر الشمس و القمر»15 و «صخر» الاستنطاء : الاستنطاء عبارة عن تحویل العین الساکنة نوناً عند مجاورته الطاء و هي لغة هذیل و قیس و الأنصار و الازد و تمیم و من الشواهد الواردة في القراءات القرآنیة:16 « انا انطیناک الکوثر» و فی الحدیث: « الید المنطیة خیر من الید السلفی»17 و اللهجة الاهوازية راعت هذا التوارث بحذافیره و دأبت علی ما دأبت علیه لغات القبائل العربیّة العریقة.

 الغین و القاف :

 تارة تبدل الغین فی کلامهم الی القاف کقولهم: قروب في «غروب» و قدیر فی «غدیر»

القاف و الجیم و الکاف و الگاف [الفارسیّة] :

ویقول اهل اللهجة المدروسة في اقوالهم: فوک في «فوق» و ضاجت فی «ضاقت» و کال في «قال» و موگد فی «موقد» و هذا النوع من الابدال وارد في لهجة تمیم وفی ذلک یقول شاعرهم:لا اکول لکدر الکوم قد نضجتو لااکول لباب الدار مکفول و تقول العرب: دق یدق ودک یدک18و قراءة عبدالله بن مسعود قشطت: في قوله تعالی: «اذا السماء کشطت» 19و یری ابن خلدون ان هذا النطق الذی سماه «بین القاف و الکاف»کان شائعاً بین القرشیین حین جاء الاسلام.20

الکشکشة :

 التفسیر الصوتی ال«ch»

إِنَّ الاهوازیین یمیلون الی الکشکشة و التی لم تقتصر علی کاف المخاطبة المفردة المُؤنثة و تتعداها الی «کاف» فی اي موقع کانت، کقولهم: سمچ ، دلالچ و چریم و چثیر و المراد «سمک، و دلالک، کریم و کثیر». و یراد بالکشکشة عند اللغویین العرب، ابدال کاف المونثة فی الوقف «شیناً» او الحاقها «شیناً»21 و هذا ما ذهب الیه الرضي الاستربادي و الاشموني و من النماذج الواردة في التراث العربي ، لقیتک و لقیتش.و قول مجنون لیلی:فعیناش عیناها و جیدش جیدها و لکن عظم الساق منش رقیق22

لام و النون :

ابدال اللام الی النون وارد في کلامهم فی بعض الکلمات مثل: اسماعین في «اسماعیل» و سنسله في «سلسله»و عزرائین في «عزرائیل» و ابدال اللام الی «المیم» مثل: امظهر فی الظهر و ابدال اللام میماً و نوناً هي لغة حمیر و طی و تمیم.23

المیم و الباء و النون :

 وهذا الابدال ما یقع نادراً فی بعض الکلمات مثل: بکان في «مکان» و هذا النوع من الابدال قد تناولته الکتب اللغویة منذ زمن قدیم و یبدل الباء من المیم فیقال فی مید [بید] بمعنی غیر، و فی الحدیث الشریف: انا أفصح العرب بید [مید] أنّي من قریش و نشأت في سعد بن بکر» و ابدال المیم الی «النون» مثل: عنبر في [عمبر] و هي لغة قیس.24

العجعجه :

 وهو ابدال الیاء الی «الجیم» یرد علی السنتهم في بعض الکلمات مثل: جربوع و الأصل «یربوع» و هذه لغة قُضاعة و بني دبیر، و بني سعد و بني حنظلة و تمیم.25

 القلب المکاني :

 المراد بالقلب تقدیم بعض أحرف الکلمة علی بعضها مع احتفاظ اللفظ بمعناه او تغیره تغییراً طفیفاً، مثل: جبذ و جذب – ربض و رضب و هذا من سنن العرب کما ذهب الیه ابن فارس و هذه الظاهرة اللغویة متجذرة فی لهجة هذا الاقلیم، و من

اقوالهم:«نعل» مقلوب عن «لعن» و «حسَّ»مقلوب مِن «سَحَّ» و «فعص» مِن «فصع» و طمع مِن «طعم». و یبدو ان ظاهرة القلب المکانی موجودة فی اللغات عامة، سماها الغربیونmetathesis واکثر ما یحدث القلب بین صوتین متجاورین . و الراجح فی شیوع هذه الظاهرة تدافع الحروف علی اللسان، و الخطأ عن اخراجهما المتأتیة من سرعة النطق.

النحت :

 ضرب من الاختصار، و هو أخذ مِن كلمتين فأکثر،او مِن جملة – للدلالة علی معنی مرکب من معانی الأصول التي انتزعت مهنا، کقول العرب: «عبشمی» المنحوت من عبد شمس و حمدل منحوت من الحمدالله و غیر ذلک. أما ورود النحت فی اللهجة العربیّة فی عربستان هو کثیر، کقولهم: «لیش»منحوت مِن أی شئ. و مدریک المنحوت مِن «مایدریک» و معلیک المنحوت من « ما علیک شئ» وهلّم جرا.

المصدر:موقع بروال الاهواز

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: