
استوقفني مشهد رفض الرئيس احمدي نجاد تقبيل يد ولي الفقيه علي خامنئي أثناء حفل تنفيذ حكم رئاسته الثانية قبل عامين تقريبا، الأمر الذي أحرج خامنئي و لفت انتباه الجميع و دفع البعض من الحاضرين في القاعة أن يقفوا ليشاهدوا ردة فعل المرشد تجاه أولى علامات التمرد والخروج عن الطاعة، لكن صوت احدهم كان واضحا و الذي صاح بالفارسية :”بنشين،بنشين”،وتعني “اجلسوا،اجلسوا” مما أعاد الهدوء للقاعة و انتهت المراسم ذلك اليوم بسلام وأصبح احمدي نجاد رئيسا قانونيا لولاية ثانية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وحاولت الصحف المحسوبة على التيار المتشدد و المقربة للمرشد تبرير هذا الحدث حيث قالت صحيفة كيهان:” أن الرئيس احمدي نجاد كان مصابا بالزكام ولهذا لم يقم بتقبيل يد المرشد.”
لم اقتنع حينها برواية صحيفة كيهان الإيرانية و من الواضح أن الأمر كان مقصودا و لم يأتمن باب الصدفة، فأما كان مخطط له وفق سيناريو معد سلفا من قبل الطرفين و أما من طرف احمدي نجاد وحده.
في الحالة الأولى،أنهم أرادوا أن ينشغل الشارع بموضوع عدم تقبيل يد المرشد بدل الحديث عن موضوع تزوير الانتخابات الرئاسية و الذي كان حديث الساعة في إيران آنذاك.
و في الحالة الثانية: أراد الرئيس احمدي نجاد بعد تخطيه لآخر عقبه دستورية أمام رئاسته الثانية و المثيرة للجدل أن يعلن للشارع الإيراني انه على عكس ما كان يعرف في رئاسته الأولى،اليوم هو رئيس قوي و مستقل و ليس تابعا للمرشد علي خامنئي.
احمدي نجاد كان يدرك أن أسوى أنواع الديكتاتوريات هي ديكتاتورية الرجل الضعيف و حتى تصريحاته الأخيرة تشير إلى هذه النقطة بالذات،حيث قال: أن الرئيس القوي و الجسور يرفع من مكانة الوطن والشعب و القائد ،و باعتقادي أن احمدي نجاد بعدم ركوعه على يد المرشد أراد أن يكسب ودْ منتقدي المرشد من رجال الدين و المراجع في قم و يتقرب لشريحة واسعة من المجتمع الإيراني في آن واحد.
منذ البداية كان واضحا أن احمدي نجاد خطط لإيجاد قاعدة جماهيرية له مابين الطبقات المسحوقة و الفقيرة من الشعب حتى تضمن له و لمجموعته الاستمرارية في السلطة السياسية في إيران، فشعبوية خطاباته و ذهابه إلى المدن و الأقاليم الإيرانية و قيامه بجمع رسائل المحتاجين و الفقراء من الشعب لارسال مبالغ و لو زهيدة من المال عبر حساباتهم البنكية خير دليل على ذلك.
لكنه و من اجل تعزيز موقعه في السلطة حاول التقرب من قيادات الحرس الثوري للاحتماء بهم من ردة فعل المرشد و غضبه،فقام بفتح أبواب المشاريع الاقتصادية العملاقة أمامهم على مصراعيها حتى أصبح الحرس الثوري كالإخطبوط في الخارطة الاقتصادية للدولة الإيرانية.
و في محور آخر حاول هو و مجموعته أن يبالغوا باعتقادهم بالمهدوية و الأمام الغائب و الارتباط به،حيث قاموا بنشر تقرير مسجل على قرص سي دي عن الإمام المهدي الغائب و قرب ظهوره و تم توزيع ملايين النسخ المجانية من هذه الأقراص في أنحاء إيران،كان هذا التقرير يحمل اسم “الظهور القريب” و فيه إشارة على أن خامنئي هو السيد الخراساني و احمدي نجاد هو صالح ابن شعيب وهما الشخصيتان التان تسبقان ظهور المهدي و تمهد له الظروف حتى يخرج بعد غيبته حسب اعتقاد الشيعة الاثني عشرية ،الأمر الذي أزعج المراجع الدينية في قم و زاد من غضبهم تجاه الرئيس و تياره الذي بات يعرف بالتيار المنحرف هذه الأيام.
كما جرب الرئيس احمدي نجاد العزف على وتر القومية الفارسية و ظهرت مفردات جديدة في خطابات الرئيس و مدير مكتبه اسفنديار رحيم مشايي و بدئوا بدغدغة مشاعر الفرس الإيرانيين من خلال عزل الإسلام الإيراني عن الإسلام العربي و تمجيد أباطرة الفرس مثل غوروش و داريوش و إقامة مهرجانات مختلفة و منها مهرجان ضخم للاحتفال بوصول الكتيبة المعروفة بميثاق غوروش و التي استعارتها إيران من المتحف البريطاني.
كان المرشد و حاشيته يوجهون الانتقاد تلو الانتقاد للمقربين من الرئيس احمدي نجاد،عسى و أن يكف هولا من تصرفاتهم لكن قطار احمدي نجاد كان يسير دون كوابح حتى وصل الأمرالى طرد وزير الاستخبارات حيدر مصلحي المحسوب على المرشد ،كما انتقد احمدي نجاد الحرس الثوري و اتهمهم بامتلاك منافذ حدودية و موانئ خاصة للاستيراد و التصدير دون علم الحكومة.
ومن سوء حظ احمدي نجاد فقد أدت هذه التصرفات إلى توحيد صفوف أعدائه من المتشددين في البرلمان و جنرالات الحرس الثوري و وزارة الاستخبارات و القضاء،حيث قاموا بخطوة استباقية لكبح سرعة قطار الرئيس و سلب صلاحياته من خلال فرض لجنة إشراف على رئاسة الجمهورية مكونة من قيادات الحرس الثوري و مندوب عن المرشد علي خامنئي ترافق الرئيس احمدي نجاد حتى انتهاء رئاسته و عليه مراجعتها قبل اتخاذ أي قرار حكومي.
و تقول التسريبات الواردة من بيت المرشد علي خامنئي أن الرئيس احمدي نجاد رفض الرضوخ لهذه اللجنة لكن اللجنة كانت مصممة على ان تلزمه الاستجابة لمطلبها ، عندماكشفت له هذه اللجنة رسالة موقعه من القائد الأعلى للقوات المسلحة المرشد خامنئي و فيها أمر باعتقاله هو و مجموعته و تكليف علي اكبر ولايتي مستشار المرشد القيام بمهام الرئيس حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة ،حينها تراجع الرئيس احمدي نجاد و استسلم لهذه اللجنة المشرفة.
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :هل سينتظر الرئيس احمدي نجاد اجتثاثه و تياره أم ما تزال هناك أوراق يلعبها حسب ما لمح اليها مرات عديدة من الممكن أن يكشفها و يفاجئ بها الجميع خاصة واننا نقترب من موعد الانتخابات النيابية في إيران؟!.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.