دراسة في شعر الشاعر حسن عاشور – الدكتور رسول بلاوي

الشاعر المبدع حسن عاشور
الشاعر المبدع حسن عاشور

شاعرنا من أبرز شعراء الشعر الشعبي في الاحواز. ولد عام 1348 شمسي في مدينة الفلاحية و ترعرع بها في أحضان والديه و اهله، و اكتسب الدين و حب اهل البيت عليهم السلام؛ و ممّا ساهم في صقل موهبته الادبية جمال البيئة الخلابة و روح الشعر الحاكمة على المدينة؛ هاجر الى المحمرة و عاشر كوكبة لامعة من شعراء المدينة فاصبح شاعراً كبيراً يجيد الشعر و يجول في جميع مجالاته و ينظم في اكثر اوزانه و الوانه  كالقصائد و الأبوذیه و الهات و الميمر و غيرها من انماط الشعرالشعبي المتداولة لدی شعراء الاحواز. امتاز شعر المترجم له بإصالة المفردة وجودة الوزن و حلاوة النغمة؛ و يزيده روعة الاحساس المرهف و الکلمة المعبرة و الأداء الحزین.

   لقد تأثّر حسن عاشور بالشاعر العراقي مظفر النواب، فقد قرأ و حفظ له الکثير من قصائده. مما استطاع ان يطلع علی أساليب الحداثة في الشعر الشعبي؛ فنری تخلّص من سطوة الشعر التقليدي و أساليبة الجافة التي لا تستطيع ان تواکب المسيرة الأبية في العالم. فشاعرنا يعدّ من الشعراء المعدودين الذين استطاعوا ان يستخدموا مظاهر الحداثة في شعرهم؛ کما انه انتهج في شعره سبيلاً آخر و إستخدم التصوف في الشعر الشعبي، و کان موفّقاً في ذلک الی مدی بعيد.

   للشاعر أيضاً رؤية نقدية عميقة، يترصّد مواطن الجمال و الخلل في القصيدة، فيدعم آرائه النقدية بشواهد من شعر الشعراء الکبار. فالحقيقة هذا الشاعر استطاع ان يقفز قفزةً حميدة في الشعر الشعبي و ينمّي مقدرته الشعرية من خلال دراسته للشعر؛ فعلی سبيل المثال و – کما اسلفنا سابقا – إنه قرأ للنواب و تأثّر بشعره في بواکير تجربته و لکن سرعان ما استطاع ان يتخلّص من سطوة هذا التقليد و انتهج اسلوباً خاصاً به.

   يقال للشاعر دراسات حول الشعر الیاباني الذي یسمي بشعر “الهایکو” و قد قام بترجمة بعض من هذه الاشعار، کما ان شاعرنا مغرمٌ بالشعر الفارسي و قد قرأ لکثير من الشعراء  کالشاعر حافظ و سعدي الشیرازي و احمد شاملو وغیرهم من شعراء الایرانیین.

   و لأول مرّة استمعتُ الی اشعاره الرائعة عندما کان ضيفاً في برنامج “الحکاية بأصواتهم” و هو برنامج أدبي – ثقافي يبثّ کل ليلة ثلاثاء الساعة الثامنة و عشرة دقائق من إذاعة طهران بالتعاون مع مرکز خوزستان و بتقديم الإعلامي القدير الاستاذ احمد الحيدري، فبعد هذا البرنامج التقيتُ بالشاعر الموهوب حسن عاشور، فوجدته في تلک الليلة شاعراً مجيداً و أديباً مبدعاً؛ فضلاً عن القاءه الجيد، و شخصيته الرصينة و المحبّبة، و تواضعه المشفوع بالعزة و الکرامة. فکما يقول فيثاغورس الفيلسوف و الرياضي الإغريقي : «قوة العقل تكمن في الرصانة، لأنها تُبقي عقلك بعيدا عن تشويش العاطفة». و في ما يلي نقف علی مقاطع من شعره لنتعرّف علی مواطن الجمال في شعره.

يقول الشاعر حسن عاشور في قصيدة “البلام” :

و البلّام طبعه یغنّی بس للمای

و من اتجاوبه الأمواج

تحچیله رِزِق و البلم یمشی و ینتِرِس نعمه

لقد استخدم الشاعر في هذه القصيدة لفظة “البلام” بدل”الصياد”، ليدلّ علی الإنسان المعيل.. الإنسان الذي يدبّر حياة العائلة / المجتمع؛ و يهتمّ بشؤون الآخرين..

و البلّام یستاهد مثل الله

کریم المای

نعم .. فکرم الماء لا يخفی علی أحدٍ؛ فهو مصدر الحياة و الرزق و قد جاء في القرآن الکريم: ((و جعلنا من الماء کل شيء حيء)). فکانت الحياة التي يصوّرها الشاعر في هذه القصيدة حياة تتسم بالرفاهية و الخير:

مو سِلّیته چانت للبلم تصعد ثجیله

و یرد لَهله ببلم شایل للسِمه خشمه

تعبير جميل.. شايل للسمه خشمه.. لما يحصّلُ عليه من أسباب العيش و الکرامة.. و لکن الآن تغيّرت الحياة کثيراً:

حالوب و برد و بنیّة البلّام تنظر للسِمه

و عیونها مغیمه

حطّبنه النخل کلّه

و حطّبنه الصبُر کلّه

وجریب بلامنه نحطّبها نحرگها لجل عالنار نِتحَمّه

  عندما اشتدّت وطأة البرد و الجفاف، بدأ الناس بتحطيم النخل لکي يتأخذوا منه وسيلة للتدفية و النخل هنا هو يرمز الی المبادئ و القيم، ففي ظلّ هذه الظروف القاسية ترکَ الناس جميع هذه المبادئ؛ بل أخذوا يجازفون في حياتهم المتمثّلة في البلم و الذي يرمز الی مصادر الرزق. و في المقطع التالي:

رجفنه و جرَّس الشط

و المطر ما إجه یشیل الثلج

من چتوف إبن عمّه

الشط يرمز الی المدينة  التي کانت عامرة بالخير و المحبة و لکنها أصبحت تعيش الخواء و الجفاف؛ و الثلج رمز للجفاف الذي عمّ هذه المدينة؛ أما المطر هنا يرمز الی الرحمة و النجاة.. و المطر من أبرز الموتيفات المکرّرة في شعر الأديب حسن عاشور، ففي قصيدة “صب يا مطر صب” يقول:

صب يا مطر

صب طيب اجروح النهر 

الشاعر يرسم في تصوره للمطر فكرا متحدا وصورا تأملية تصدر عن وحدة التراث والمعتقد تحكمت في صياغة عباراته فالشعراء قديماً كانوا ينظرون الى المطر المنثور من السماء باكبار وتقديس حيث رأوا فيه مادة الحياة التي خلق منها كل شيء كما راوا فيه سرا خفيا قادرا على قهر الجدب وبعث الخصب والرزق.

 المطر اجمل ما في حياة الانسان وله اتصال وثيق بوجوده و وجود اهله وماله فهو يعني بالنسبة اليه الحياة والنماء والنقاء والبقاء. وهنالك الكثير من الآيات التي اشارت الى ذلك منها قوله تعالى: ((والله انزل من السماء ماء فاحيا به الارض بعد موتها)) سورة النحل / 65؛ وقوله تعالى: ((وانزل من السماء ماء طهورا)) سورة الفرقان 48 /
لا يکتفي حسن عاشور بالمدلول البسيط للمطر، بل يتألق به، و يعود الی مرجعيات تراثية – أسطورية في تأمله لهذه الظاهرة الطبيعية مستفيداً من معرفة جمالية بجوهر الرمز، و سماته الإيحائية و الانفعالية، و کذلک الحسيّة و السياقية، فدخل الرمز الأسطوري في علاقة جديدة مع السياق:
صب يا مــــطر . . صب يا مــــــــطر

جدد الصوره إلبيها إشوفن ينعکس بالهور تصـوير الگمر

صب يا مـــــــطر . . صب يا مـــــــــــطر

کل زخه منک تنحسب شدة ورد و مضمره إبورگ الشجر

صب و انت تـــــــعرف يا مـــــــطر . . .

فقد رَمَزَ بالمطر الذي هو ظاهرة طبيعية تثور فيه الطبيعة أحياناً لتتجاوز العادي والمألوف من سماتها، الی الثورة علی الحياة؛ و لقد کرّر الشاعر هذه اللازمة و ألحّ عليها في هذه القصيدة، لتدهور الحياة المعيشية و احتياجنا المبرم لهذا المطر المنعش.

و من الموتيفات البارزة في شعر الشاعر حسن عاشور هو موتيف الحزن، فقد اتّسم شعره بصبغة الحزن و التوتر:

عسَّمنه و لا خُبزه تدَفّی بیوتنه

و رِحنه إنتَصبّر

و الحِزِن بگلوبنه إنچیمه

 في هذا المقتبس يصوّر شاعرنا قلبه کتنورٍ حامٍ ناره الحزن؛ و في قصيدةٍ له تحت عنوان “بلبل الجيران” يقول:

ما عرف روحی ولا یعرفها احد

شجره تارکها ورگها

وکل غصن متبری من عنده الربیع

و سلّب ثیابه الخریف

گوه شایل حسرتی بعودی النحیف

گلبی تایه بالشوارع

لا أهل لابیت عنده

مثل مجنون اللی وکت اللیل ….

ینیّم گلبه بضلوع الرصیف

آنه وین و هلبلاوی الذی….

بدرب العشگ وین؟

يصوّر الشاعر في هذا المقبوس معاناته في الحب، فيشبّه نفسه بالشجرة التي تساقطت أوراقها بعد ما هجره الربيع و أحاط به الخريف، فيقول: “سلّب اثيابه الخريف”، ليدلّ بذلک علی شدة معاناته و التي کانت مرفقةً بالسلب و النهب. و في ما يلي يقول :

وخانگني الحزن ويعتني عت الخيل

و يقول حسن عاشور في قصيدة ” دموع بعیون الأغانی” :

یالقمیص الأسود الما ذَبّه شِعری 

یا بیاض الشیب البإید النوایب صبَغ شَعری

یالخیال الگعد فوگ متون فکری

حزنی یشبه حزن صوباط العنب بیّام صِفری

  في هذا المقتبس يخيّم الحزن و الکآبة علی شعر الشاعر، فنجد شعره متوشّحاً بالقميص الأسود؛ و اللون الأسود يدلّ علی الحزن و التوتر؛ بل حتی اللون الأبيض – الذي من شأنه انّ يدلّ علی  الفرحة و السرور- جاء هنا ليدلّ علی الحزن، و کما هو معلوم ان اللون الأبيض اذا ارتبط بشعر الرأس يکون لوناً مزعجاً و غير مريح للإنسان، فکيف إذا کان مصبوغاً بيد النوائب؟! ثمّ يستطرد الشاعر فيقول: “حزني يشبه حزن صوباط العنب بيّام صِفري”؛ فيشبّه حزنه بحزن صوباط العنب عندما يترکه الفلاح في نهاية موسم العنب. فالشاعر أيضاً بقی وحيداً تقتحمه الأحزان. و مما يدلّ علی شدة الحزن و التشاؤوم لدی الشاعر البيت التالي:

حگی الحللو اکله کلو نی****کلیت احگوگمن حتی کلونی

اصبح لون موالی کلونی****باهت و الاغانی انطفت بیه

و الشاعر حسن عاشور أيضاً کرّر مفردة “الشباچ” کثيرا في منجزه الشعري، و الشباک في شعره النافذة الوحيدة التي يطلّ عبرها الشاعر علی الحبيب:

من يجبل الليل

و تفز الجروح

خَلّيلی شباچک مثل هالجرح مفتوح

فيطلب من الحبيب ان يترک الشباک مفتوحاً لکي يطلّ عليه وقت الليل عندما تفزّ جروحه، و في المقبوس التالي يقول:

شیّب بالگفص بلبل عشگ …گد مایعاین من وره الشباچ للبستان

فيبدو انه انتظر أحدٍ ما طويلاً و وقف أمام الشابک کثيراً يتطلّع لقدومه، و لعلّ ما يبرهن هذا الرأي قوله في قصيدة له “هم ما جيت”، فيقول فيها:

لهفت الدلیل ولهفت ربعتنه والبستان وباب البیت

عدلت المخاد و وصلت شیبی للمرایه…

وعله کل سالفه بداری عطر رشیت……وهم ما جیت

عرگت رازقیتی و ویه ریحتهه اللی طلعتلک تتانی بالعجد تانیت

وامن المغرب اعلی الیال عصفوری صبح فضیت… وهم ماجیت

و يستخدم الشاعر مفردة “شبابيچ” کجناس للأبوذية التالية:

شنو بابی الکُبُر دگّه شبابیچ

أفگدنّه وتفگدینه شبابیچ

اذا ببیوتنه إنوضعت شبابیچ

إنوضعت تنفتح للنور هیه

فهنا استخدم “الشابک” کنافذة يطلّ عبرها علی النور  و المعرفة.

****

المصدر:موقع بروال نقلا عن مدونة د.رسول بلاوي

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: