مدونة مدينة رامز- لا ادري کیف قادتني الظروف نحو تلک الدائرة الحکومیه ذلک الیوم!بعد ان وقِّع رسالتي رئیس الدائره قال لي:”ببرید بدید دبیرخونه شماره و مهرش کنن….”
دخلت الی غرفة تسجیل الرسائل(السکرتاریة)…کان الموظف یسجل بعض الرسائل وهومنحني علی طاولته… لم یکن ذلک الموظف یعتني بمن یدخل ویخرج من الغرفة..کان یستلم الرسائل من المراجعین بصوره تلقائیه لکي یسجّلها ومن ثم یحتفظ بأخری لآرشیف الدائرة….یسجّل ولکن لم یرفع رأسه من الطاولة…اقتربت منه وسلمته نسختین من رسالتي التي وقّعها رئیس الدائرة….شعرت به وکأنه یتحسر…کان یتنهد ویردد بعض الکلمات….فدققت اکثر لأسمع ماذا کان یقول وماذا یردد!!!
قفا نبکي ذکر حبیبٍ و منزل بسقط اللّوی بین الدخول فَحَومَل
نعم ….کان یردد ابیات من قصیدة :”امرؤا القیس” الشاعر الجاهلي ….
تبسمت وقلت له بمزاح…عفواً یا اخي …این اصبح حبیبک؟!
رفع رأسه من الطاوله و تبسم..کادت ان تدمع عیناه من الفرح..احسست بخفقات قلبه…قام وقال:اتعرف امروءا القیس؟!
قلت :نعم..اعرفه
قال:تعرف امروا القیس وانت من اهل رامز؟
قلت:نعم وقرأت قصیدته التي کنت ترددها وحفظتها…
مسک یدي وجرني نحوه وضمني الی صدره وضل یعانقني!!!!!!
خرج من الغرفه بسرعه وجائنی بعد دقیقتین اوثلاث وبیده فنجان شاي….
قال:تفضل اجلس یا اخي…..ارجوک…کنت ابحث عن شخصا مثلک لأتکلم معه..انا قبل اشهر توظفت في هذه الدائرة….مدینة رامز مسقط رأسي ولکن عشت في مدینة الاحواز..ضاقت الدنیا ومافیها…یا اخي لماذا صار الوضع هکذا في مدینة اجدادي..لماذا لا احد یقرأ الشعر الفصیح؟!لماذا لم اری احداً یتکلم باللغه العربیة؟!؟!
این اهتمامکم بالادب العربي واللغه العربیه؟!لماذا لایوجد اي نشاط ادبي وثقافي في رامز؟!.
…فرحت کثیرا بزیارة هذا الشاب المثقف..فقلت له:
ان شاء الله سنهتم وسنتحرک بوجودک..هل انت تقف معي فی النشاط الأدبي والثقافي؟!
نعم..نعم یا اخی…ولماذا لم اکن معک وانا من تکاد روحه تخرج من جسده بسبب ضیاع اللغة العربيه في مسقط رأسي….
سجلت رقم نقاله و…..
بدأت صداقتنا بعد یومین اوثلاث من ذلک اللقاء المبارک وبدأت جلساتنا اللیلیه ونقاشنا لإیجاد حل او حلولٍ لإخراج اهلنا من هذا التأخر الثقافي والأدبي…. کان یطرح اطروحه علمیه جداً وحضاریه ایضاً ولهذا السبب أصبح الرجل الوحید الذي کنت اعتقد بأنه سیساعدني بتحقیق قفزه علمیه وثقافیه وادبیه في مدینة رامز…کان یطرح فکرة المحاضرات وتأسیس المکتبات في القری والریف وتدشین موقع یختص بالمدینه وقضایاها وادبها و…..
جاءني ذات یوم وأخبرني بمولد بنته التي سماها الخنساء..
فصار ابوالخنساء منذ ذلک الیوم..
بدأت جولاتنا في القری والریف…کان یتمشی في الریف وحین یصل الی التلال او الاطلال تدمع عیناه ویقول:هنا کانت تجول خیول اجدادي ویظل یردد کل ما یذکره من الشعر الجاهلي حول الاطلال والتلال…کان تارةً یأتي بأبیات حماسیه من امرءوا القیس ویهدد من اخذ المُلک من أبیه واجداده ویواعده بأخذ الثأر ویقول:
وقلت له:لاتبک عینک انما * نحاول ملکاً أو نموت فنعذرا
وتارةً اخری یغني الأطلال بصوت ام کلثوم…..
تعرّف ابوالخنساء من خلال هذه الجولات علی الکثیر من ابناء قبیلته من شبابهم وشیبهم و أصبح الشاب المثقف المصلح عند ابناء قبیلته في مدینة رامز..أي مسقط رأسه….
کان یزید احترامه یوماً بعد یوم عند قبیلته بسبب شعاراته الرنانه وهتافاته بالإصلاح والتقدم والتغییرواحترامه لحقوق المرأه…کان یدعی في کل جلسات القبیله..
استمرت صداقتنا ونشاطنا لمدت ثلاثة سنوات…حققنا بعض إلإنجازات ولوالقلیله والبطیئه ولکنها کانت ترضینا…حتی جاءني ابوالخنساء احد الأیام واقترح فکرة تدشین مواقع تختص بالقبائل وتاریخ القبائل وافخاذها!!
غضبت من هذه الفکره وقلت له:یا اخي هل ترید التهمیش والتشتت اکثر من هذا؟!!
تراجع ابوالخنساء من اقتراحه ذلک الیوم ولکن رأیته یشتاق أن یکون لقبیلته موقع إلکتروني…
جاءني ابوالخنساء في أحد الایام وهو فرح جداً…یتبسم و ترتجف شفتیه من شدة الفرح …قلت له بمزاح:کأنک ترید أن تقول شيء ً یا اباالخنساء ولکن حروفه ترقص بین شفتیک…تکلم لاتنفجر شفتاک …
قال:لا…کل شي ماکو….تقاعد مساعد رئیس الدائرة(المعاون) واقترحوا لي ان اکون مساعداَ لرئیس الدائرة…لان دائرتنا لها خمس موظفین فقط وانا الوحید من بینهم عندي شهادة باکلریوس والاخرین شهادتهم دبلوم..فإقترح لي الرئیس علي هذا المنصب لهذا السبب!
بارکت له وفرحت کثیراً…وقلت له :یا ابا الخنساء،انجزنا معاً امور لم اتصور انجازها یوماً من الأیام ولکن استطعنا وأنجزنا ورقیک انت في العمل اعتبره رحمة لنستمر بنشاطنا الثقافي…
بعد هذا اللقاء وهذه البشری خرجت من رامز لأزور بعض زملاء ایّام الجامعه وبعد رجوعي اتصلت بأبي الخنساء هاتفیاً ….إلا انه لم یرد علي….!!!!
وبعد ساعات إتصل احد الاصدقاء الذي تعرفت علیه من خلال ابوالخنساء وهو یسکن مدینة الاحواز وهو صدیق ابوالخنساء القدیم والحبیب وأخبرني بأنه :اتصل بأبي الخنساء اکثر من مره ولکن لم یرد والان هو قلق واراد مني ان اذهب الی بیته وأطمئن علیه….
ذهبت الی بیته وطرقت الباب….
لکن الباب لم یُفتح…طرقت الباب مراراً وتکراراً..لکن لاحیاة لمن تنادي…
اردت ان أقفز من الباب..یا الله … هل مات هو واهله اثر انتشار الغاز فی البیت..کنت اسمع صوت التلفاز والمکیف من خلف الباب ولکن لم اسمع صوت آخر..ان شاء الله یکون بخیر…کانت الساعات طویلة وطویلة جداً طول السنه.. زاد قلقي علی اخي وصدیقي ورفیق دربي..رجعت وانا قلق…یا الله ماذا جری لابي الخنساء….اضطررت مرغماً أن أانتظر طلوع الشمس بفارغ الصبر واعد اللحظات التي کانت تمضي عليّ کأنه الدهر بأکمله ……
خلال ساعة واحده اتصل بي بعض الشباب الذين جذبتهم شعارات ابوالخنساء الإصلاحیه ..کانوا یتسائلون عن ابي الخنساء ویشکون عدم رده علی اتصالاتهم..فقلت لهم:لیس لدي اي خبر عنه….
وعند الصباح….بعد ما مضت تلک اللیله ال…..ذهبت الی الدائرة التي یعمل فیها ابو الخنساء….توجهت نحو غرفة تسجیل الرسائل…دخلت الغرفة …الهي …رأیت موظف آخر محتل مکان صدیقي…الهي ماذا حل بأبي الخنساء… تذکرت قبل ایام أخبرني عن إحتمال ترقیته إلی وظیفة مستشار الدائره…رکضت صوب الغرفة التی کانت ورقهA4ملصوقه علی بابها ومکتوب علی الورقه:معاونت اداره…
طرقت باب الغرفة ودخلتها…کان ابو الخنساء جالس خلف الطاوله …
فقلت بحاله من الغضب والفرح:اینک یا ابا الخنساء…لیش ماترد علی الاتصالات..ابوعماد اتصل وبعض الاخوه قلقین وانا لم انم لیله البارحه حتی الصبح..
سبحان الله…تذکرت…
….مثلما رأیته لأول مره قبل ثلاثة السنوات….
لم یرفع رأسه من الطاوله …کأن الزمان رجع الی الخلف…ابوالخنساء لم یرفع راسه وکأنه لم یعرفني….طاولته الشيء الوحید الذی کان متغیراً..کانت اکبر من طاولة غرفة تسجیل الرسائل…
“آقا فرمایشي داشتین…امرتون چیه؟!!”
هذه کانت آخر کلمات ابي الخنساء وهو منحني علی الطاوله ولم یرفع رأسه…
فأجبرني علی الهروب… هربت مرة اخری….ولکن نحو القمم….ولیس نحو الحفر…
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.