ریاح عاتية/ بقلم ساهرة الجابري

hands-on-prison-bars-007.jpg.crop_display مدونة غسق– المکان کله مکتئب ، لم تعد الالوان تعني شيئاً کأنها فقدت معناها لتمحوا ما تبقی من اثر الحیاة داخلهم وتکاد تنفذ بفعلتها لو لا ومیض الامل الذي تعطیه الزیارات الشهرية التي یسمحون بها لمن یحسن التصرف عادةً و من زادت علیه الانذارات بسبب الشغب یُمنع من الزیارة ، والزائرون یُمنعون من رؤیته حتی اشعار آخر فی الشهر القادم.

والایام اثبتت بان هذه هي الطريقة الوحیدة التي تجعلهم ینضبطون قلیلا” خاصة فی آخر ایام الشهر متأملین رؤية احد افراد عائلتهم او صدیق یتذکرهم من الایام الخوالي حین کانوا یشعرون بالتفاف الریح حولهم ومداعبتها لملامحهم دون ان تلامس قبلها السیاج الحدیدي الذي یعلو الحائط بعدة امتار ، حتی یکاد یلامس الغیوم ،وسرعان ما یختفي هذا الومیض مع رحیل الزائر مخلفا” وراءه لحظات سعادة او قلق وكآبة ،فکل شئ یعتمد علی الزائر والاخبار التي یحملها ولکن فراس لم یکن یتکیف مع الوضع ابدا” وحالة الحزن والاحساس بالغربة کانت تزداد عنده کل یوم کما یزداد المد حین تعلو النسمات فما بالك حین تکون تلك النسمة ریاح عاتية تنشأ من ضیق الحیطان وصرخات الحراس ونظرات التحقیر التی یغلفون بها کلماتهم المستهزءة لیقذفوا بها المساجین کل یوم حتی یکون هم النظرة اثقل من هم السجن علی کاهل کل فرد منهم ، ولا شئ یستطیع محو حالة الاشمئزاز من النفس التي یشعرون بها فی اول ایامهم هناك، کحال “فراس” المسکین الذي کان منذ نشأته الاولی شخصاً مسالما” قلیل المعارف والاصدقاء و اکتملت سخرية القدر فی خیانة الحظ له یوم تخرجه من الجامعة ، فکان یطیر فرحا” وتعلو ضحکاته وراء سماعة الهاتف ، یُخبر امه بنجاحه، غیر منتبهٍ للطریق والمارة علی الارصفة وهو یقود، فانتهی به الامر بسیارة ملطخة بدم طفل وعدة سنوات من السجن لا یعرف ماستؤول اليهِ حالته بعدها، فاما شیخ علیل واما رجل لم یتبق من طعم الحیاة في فمه الا المرارة والاسی ویکون مستعدا” لیعطي آخر لحظات حیاته مقابل لحظة راحة.

لم یکد الحارس یفتح الباب حتی هرع الی القضبان کضمآن لم یمسس الماء شفاهه منذ فترة طویلة والان یرى قدحا ملیئا امامه ، تشبث بها وهو یحاول ان یزیح الاخرین لیفسح المجال لاقدامه ویرفع نفسه تارة الی الیمین واخری باتجاه الشمال باحثا” عن وجهٍ یعرفه بین الزائرین فی التجاه الاخر من القضبان وامتلئت روحه سرورا” برؤية اخته رشا التي تکبره بعدة اعوام.

– رشا ….رشا هنا ، انا هنا تعالي ، تسمَّر في مکانه حتی تصل ولم یستطع کبح نفسه من طرح الاسئلة المتتالیة بعد ان ألقى التحية علیها وشعر بشئ من الطمئنینة لوجودها بجانبه.

– ما الذي جری بعدي ؟

– ما اخبار الجمیع ؟

– لِمَ لمْ یزرني احد منذ اُعتقلت ؟

– لِمَ وحدكِ تاتین ؟

– رشا امي….اَهي غاضبة مني بسبب ما اقترفته؟

والله یا رشا لم اکن انوي ایذاء احد ولم ارَ الطفلة امامي ، رشا قولي لهم ذلك.

ولکن رشا لم تکن تنبس ببنة شفة حتی تلبسَّه الفضولُ واَثاره سکوتها.

-رشا ما الذي حدث اَخبریني ؟

-حین وردنا خبر اعتقالك لا اعرف ما الذي جری لها بقیت متجمدة في مکانها لدقائق ثم تنهدت و هي قائلة فقدتك برمشة عین ، و سقطت دمعات رشا وهي تسرد له حالة امه عندما کانت تلتقط آخر انفاسها و تنطق باسمه،

فصُعق “فراس” بالخبر وسقط عند اَرجل المساجين مغمیً علیه لمَّا جمع حزن فقدان اُمه مع حزنه علی العمر الذي سیمضيه في السجن، والروح التي فـُـقدت للحظة عدم انتباه ،لتکون آخر انفاسه في حیرة ؛ اي المصائب اشد واقسی؟!

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: