أسفرت الانتخابات الإيرانية عن فوز المرشح حسن روحاني رئيساً جديداً لنظام الملالي في إيران. أجمل تعبير عن الانتخابات هناك كان الكاريكاتير الذي نشرته صحيفة بريطانية يصور الناخب الإيراني وهو يختار من أربعة صناديق يقف فوق كل منها آية من الآيات بعمامته. نعم فالانتخابات الإيرانية نوع من ذر الرماد في العيون.
ليست هناك ديمقراطية في إيران، فهي ديمقراطية يقرر فيها الولي الفقيه من هو مؤهل للرئاسة، ويقرر مجلس تشخيص مصلحة النظام الاستراتيجية التي يجب أن تنتهجها الدولة في تعاملها مع الخارج. دون تغيير الهدف الأساسي الذي وضعه المقبور الخميني، وهو تصدير الثورة الإيرانية ورؤيتها تدك كل عواصم العالم الإسلامي لتعيد الدولة الصفوية للحياة من جديد.
إن كل رئيس جديد يُختار بعناية لتحقيق غرض معين، فعندما تحس الدولة بالاختناق من كشف مخططاتها، تبدأ بوضع شكل مختلف يجذب العالم الخارجي ويوحي له بأن هناك تغييراً. وعندما يتزايد الملل الداخلي والقلق والإضرابات يوضع من يعطي الانطباع بأن مطالب الشعب ستحقق. هذا يبرر اختيار رؤساء مثل رفسنجاني وخاتمي ثم نجاد عندما أريد لعملية تصدير الثورة أن تصبح صاخبة، ثم يتم اختيار روحاني لمحاولة تخفيف الضغط عن النظام الإيراني المتورط في تدمير الشعب السوري، والإيحاء بتغيير في التعامل مع الملف النووي الكارثي، واحترام حقوق واستقلال الجيران.
تستمر القضايا في إيران تحت يد المرشد الأعلى، ويبقى الهدف الاستراتيجي دون تغيير، وتبقى صلاحيات الرئيس محدودة في أمور تتعلق بأمور تصريف العمل العام داخل إيران. وهذا هو ما يستخلصه كل من يراقب الدولة الإيرانية، خصوصاً عامة الشعب المستهدفين من مسميات مثل الإصلاحي والثوري والمعتدل. أغلب دول العالم عرفت بعد الكثير من الأحداث أن النظام الإيراني هو النظام الإيراني، دولة تغير الديكور الخارجي فقط، ولعل المملكة أكثر الدول التي تعرف ذلك. فتدريب الحوثيين وتأليبهم لقلب نظام الحكم كان في عهد خاتمي، وتكوين حزب الشيطان ودعمه لقتل الحريري وكبار السياسيين في لبنان كان في عهد رفسنجاني، وتفجيرات نفق المعيصم كانت في عهد خاتمي. إذاً هل هناك شخص يمكن اعتباره رئيساً ”معتدلاً” في إيران؟
يمكن أن أصدق أن روحاني معتدل كما يروج له المحللون عندما يقوم بمجموعة من الأعمال المعتدلة التي يوصي بها الإسلام وحقوق الإنسان وحقوق الجار التي علمنا الالتزام بها رسولنا ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ عند تعامله مع جاره اليهودي والمشرك فكيف بالمسلم. أقبل إطلاق كلمة ”معتدل” على روحاني عندما:
– يسمح ببناء المساجد للمسلمين في طهران أسوة باليهود والمسيحيين وغيرهم من الأديان. كيف يستقيم أن يرفض رئيس يدعي الإسلام إقامة مسجد لأهل السنة الذين يمثلون 30 في المائة من سكان إيران، لا يستطيع مليون منهم أن يصلوا في المسجد في طهران.
– يسمح الرئيس ”المعتدل” بتدريس اللغة العربية في المدارس، ويعتمد المناهج العربية في المناطق ذات الأغلبية العربية مثل أهل الأحواز العربية. اللغة العربية التي هي لغة محمد بن عبد الله ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ وهي لغة القرآن الكريم وهي لغة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ولغة فاطمة الزهراء حب رسول الله، ولغة الحسن بن علي، ولغة الحسين بن علي الذي يقيمون المآتم في عزائه وعزاء ابنته زينب، ومع ذلك يحرِّمون الكلام بلغته.
– يحارب عمليات قتل المواطنين في الأحواز بسبب انتمائهم للمذهب السني وهو مذهب أغلب أهل الإسلام الذين يبلغ عددهم مليار و300 مليون على وجه البسيطة. ويوقف عمليات الشنق والتمثيل بجثث المخالفين على الرافعات التي أصبحت سمة مميزة للنظام الإيراني.
ــــ يعلن الرئيس ”المعتدل” أنه سيتوقف عن تسليح الجماعات المجرمة التي تنقلب على دولها وتقتل مواطنيها، مثل الحوثيين في اليمن وحزب الشيطان في لبنان وجماعات التخريب في البحرين والكويت والمملكة، ويلتزم بإيقاف الدعم عنهم.
– يعلن صراحة رفضه لكل الممارسات الفاسدة التي يقوم بها مواطنوه في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة في مواسم الحج والعمرة، والتأليب الذي يقومون به للتفريق بين مكونات المجتمع في المملكة وزرع العداء والبغضاء في مجتمع عاش لقرون متفاهما يحل خلافاته بنفسه دون تدخل الأجنبي.
– يعلن الرئيس ”المعتدل” التوقف عن التدخل في الشأن الداخلي العراقي، ويترك العراق وشأنه باعتباره دولة مستقلة ذات سيادة.
– يدخل في مفاوضات حقيقية ويلتزم بالتوجه السلمي فيما يخص المفاعلات النووية، ويضعها تحت الرقابة الكاملة لوكالة الطاقة الذرية والمجتمع الدولي، كون ما يحدث اليوم يعتبر سلوكاً عدائياً تجاه الدول المجاورة.
– يعالج الخلاف بين الإمارات وإيران على الجزر الثلاث. يجب أن يكون هذا في قمة اهتمامات الرئيس ”المعتدل” لضمان حل نهائي يحافظ على حسن الجوار ويحمي حقوق ملايين ممن يعيشون على الاقتصاد الإماراتي من الإيرانيين.
ما لم يقدم الرئيس ”المعتدل” أجندة واضحة تدل على رفضه للسياسات والتصرفات والأفكار والممارسات العدائية التي تمارسها الدولة الإيرانية، وما لم نشاهد تغييراً جذرياً في التعامل الإيراني معنا سواء من ناحية احترام الأمن الداخلي لدول مجلس التعاون، واحترام استقلال وسيادة هذه الدول، وإلغاء كل التصرفات والسلوكيات التي يمارسها من يأتون للمملكة من مواطنيها، ووقف التهديد الذي نراه للدول العربية، فليس هناك ما يسمى بالرئيس ”المعتدل” في الإمبراطورية الصفوية الجديدة.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.