رحلة كاتب احوازي عصره الشقاء/ بقلم هادي طرفي

ansourmosharaf-ahwazi1“بمناسبة ذكرى وفاة الكاتب والباحث االاحوازي منصور مشرف”
“لن أموت إلا بعد ما نشرت كتابي”
أودعك وأقبلك من بعيد … هكذا ختم حديثه الكاتب والباحث الراحل منصور مشرف معي هاتفيا قبل توجهه إلى واشنطن في جولاي 2012 ولم أعرف أنها الكلمات الأخيرة له … إنتابني شعور بالدهشة والتفكير العميق لإستيعاب الواقع الأليم وإستمر ​​هذا الشعور القاتل لأيام وبعد سنة من رحيله لازالت ذكراه ترافقني.
في الوهلة الاولى لم أجد دليلا لرحيله إلا الظروف القاسية للحياة و بعده من النشاط الثقافي و الأدبي الذي كان يشتاق إليه كثيرا … فكان اول ما إشتكى منه لي بعد لقاءنا في دبي هو عدم تمكنه من نشر كتابه “الأمثال الشعبية الاحوازية” حيث أنفق عشرين عاما من حياته لتأليفه.
وبعد إلتحاقه بنا في قناة العربية كان يحضر في المكتب حتى في أيام إجازته الأسبوعية أحيانا حيث كان يجد في الكتابة ما يضخ في عروقه الدم والحياة رغم بعد المسافة التي كان يقطعها متنقلا من إمارة عجمان النائية إلى دبي بوسائل النقل العامة ما يتطلب تحمله أشعة الشمس القاسية.
لم يكن لقائي به في الإمارات الأول وقد تعرفت عليه في عام 1999 حيث المؤتمر الاولحول الاحواز وعقد في جامعة اصفهان الصناعية خلال الانفتاح السياسي النسبي الذي عم البلاد قبل أن يعود مرة اخرى المتشددون للهيمنة على جميع مفاصل الحكم. كنا مجموعة من الطلبة العرب نجتمع بإستمرار ونسهر نتبادل الحديث حول قضايا شعبنا ونستضيف طلبة احوازيين آخرين من جامعات أخرى ونسافر هنا وهناك تسوقنا قضية شعب يواجه أعتى الأنظمة العنصرية وكنا نبحث عن حلقة وصل من الجيل الوطني السابق للحوار والحديثحول قضيتنا وكان منصور من أكبرها. جاء إلى اصفهان وعدد آخر من النشطاء للمشاركة في المؤتمر الثقافي حول الاحواز وكان فاتحة المؤتمرات والمناسبات الثقافية للاحوازيين حيث لم يسمح قبلها باي نشاط من هذا النوع وتلاه مؤتمر مماثل للطلبة العرب بطهران وانكسر الحاجز وفرض الشعب نفسه واخذت تتكرر مثل هذه المناسبات كثيرا في الاحواز.
زميلنا المسؤول عن إدارة مؤتمر جامعة اصفهان الصناعية آنذاك محمد عموري يواجه الان حبل المشنقة مثلما واجهها منصور مشرف في الثمانينات لكنه فلت منها محظوظا في فترة نفذت فيه السلطات حملة إعدامات ضد النشطاء السياسيين ويبدو أن هذا المصير ضمن حلقات الوصل التي يرثها الاحوازيون جيلا بعد جيل في مقارعة النظام الفاشي.
وإستمر ​​التواصل إلى أن انتقلت الى طهران حيث “بيت العرب الاحوزيين” وكان منصور من المؤسسين والناشطين ولم تعقد أي مناسبة ثقافية أو أدبية لعرب الاحواز في طهران إلا وكان الكاتب الراحل مساهما فيها.
وفي أوائل العقد الماضي كان منصور مشرف من السباقين في طرح القضية الاحوازية في ايران من خلال مقالاته التي نشرها في الصحف الاصلاحية والمحلية خاصة تلك التي نشرها في صحيفة “عصر آزادكان” ردا على الناشط العنصري الفارسي ميرمهرداد ميرسنجري.
كما نشر قصصا قصيرة باسلوب فكاهي ساخر تحت عنوان “إسويلفات بيناتنا” في صحيفتي الاحواز والشورى، سألته قبل أشهر من وفاته عن هذه القصص لكنه قال لي انه ليس لديه نسخ منها اتمنى ان يحتفظ القائمون على الصحيفتين سابقا بآثاره لنشرها مستقبلا.
بعد 11 عاما من الإقامة في الإمارات العربية المتحدة لم يتمكن الراحل منصور مشرف من تحقيق أمله الكبير وهو نشر كتابه الأمثال الشعبية؛ مثلما أوضح لي أنه كان يبحث عن وظيفة أفضل من تلك التي لم تدر عليه إلا تكاليف العيش حتى يتمكن من نشر كتاب الأمثال الشعبية ليعود بعدها الى طهران.
ArBig12820122031قالت لي زوجته بعد وفاته انه كان يردد دائما: “لن أموت إلا بعد ما نشرت كتابي”
لقد ضحى الراحل بحياته وعصرته الظروف القاسية للحياة قبل تحقيق أمنيته؛ أقول قاسية فكان الراحل كلما يجد فرصة للحديث معي في مكتب قناة العربية يتحدث عن الشقاء الذي عانى منه و جله تمثل ببعده عن النشاط الثقافي وخدمة القضية الاحوازية.
كان أحيانا يبوح بما في داخله بصوت عال وكنت أعود لأذكره بأن زملاءه يسمعون ما يقول لكنه كان يرد علي: “لم أعد أكترث بذلك”
بعد مشاورات واسعة رأى الراحل منصور مشرف أنه ربما يكون في الهجرة إلى الغرب مخرجا لإجتياز المعاناة التي جلبت له ولعائلته الشقاء … لكنه في اليوم الثاني بعد وصوله إلى واشنطن توفي فجأة بنوبة قلبية فانطفى نور الجسم ولم ينطف نور العقل حيث ترك لنا ذخرا قيما من التراث الثقافي الذي لم يفلح في تقديمه إلى أبناء شعبنا وأصبحت الأمانة بين أيدينا الان وتتطلب حشد الهمم لنشر كتابه “الأمثال الشعبية الاحوازية” وقصصه القصيرة الساخرة “إسويلفات بيناتنا”.
اما هدفه العائلي قد تحقق وكأنه ضحى بنفسه ليصبح جسرا أمام أعضاء أسرته للإنتقال الى الغرب حيث كان يخطط لنقلهم إلى اميركا بعد حصوله على اللجوء السیاسی وللاسباب المأساوية وظروف وفاته منحت السفارة الأميركية في دبي تأشيرة لأعضاء أسرته لينتقلوا الى واشنطن للمشاركة في مراسم الدفن وليمكثوا هناك.
قبل مغادرتهم البلد عقدوا مأتما له في دبي كان إبنه الاصغر متأثرا جدا وكان يترك الحفل مرارا ليجد مكانا للخلوة والبكاء أما نجله الأكبر سهيل خاطب الحاضرين بقوله: “كان أبي انسانا رائعا كان يحبنا كثيرا كان يحب الحياة كان معلما لنا دائما أتمنى أن لاتصيبكم مثل هذه المصيبة “.
وزوجته المناضلة “سعيده عدل كستر” كانت أكبر سند له وتعرف جيدا معاناة شعبنا وساعدت الراحل في تأليف كتابه “الأمثال الشعبية الاحوازية” روت لي أنها طبعت الكتاب مرتين لأنها فقدت ما طبعته على جهاز الكومبيوتر مرة … و خلال مراسم الدفن وضعت على قبره كوفيته الحمراء ويعني هذا علمها بأنها تشكل رمزا للنضال لدى الاحوازيين.
بعد عام من وفاة الراحل منصور مشرف لاتزال ذكراه حية بيننا والشقاء الذي تحمله قبل وفاته وتحمله أهله بعده لكني أردد دائما أنه كان حقا مثقفا والمثقف هو من لا يموت!
ملاحظة: كنت قد نشرت المقال العام الماضي بمناسبة رحيل الكاتب الراحل منصور مشرف
وأعيد نشره بعد التعديل هنا
المصدرموقع :
Ahwaz studies

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: