بروال الاحواز- إنّ لغتنا الدارجة، المعروفة باللغة الاحوازیة، إحدي بنات اللغة الأم؛ أي اللغة العربیة الفصحی، وفي رأیی هي نعم البنت البارّة لأمّها، لأنّها احتفظت بکثیر من المفردات والمصطلحات القدیمة التي لا نسمعها الیوم من عربي، بل ممن یجید لغة الضاد، إلّا من یقطن في “الاحواز”.
لکن هذه اللغة – کما هو حال أکثر اللغات الشعبیة في العالم – محفوظة في الصدور، تتناقلها الأفواه، وقد لا یحسّ أحدنا بضرورة تدوینها، لأنّها لغتنا الحواریة، ورثناها أباً عن جدّ، بل أمّاً عن جدّة. وهذا الإحساس یراود من یعرفها بحذافیرها ولایجید غیرها، أکثر ممن تعلّم غیرها، وأمسی ذا لغتین. وبما أنّي اعتبر بعض ما یعرف باللهجات الشعبیة “لغة” – وإن کانت الفصحی تسقي جذورَها – فحسب هذا الرأي والإعتبار، یصبح مَن یجید الفصحی ذا لغتین، إذ اللغة مرآة الفکر، وبالتالي سوف یفکّر ذو اللغتین حسب ما تمکّنه أیهما وهلمَّ جرّا…
وفیما یأتي أدناه، محاولة لإعطاء دستور لکتابة اللغة الشعبیة في عدة فصول، آمل أن تکون نافعةً، کما أطلب مِن ذوي الإهتمام بهذا الباب أن یدلوا بآرائهم البنّاءة، ویعلّقوا ولا یترکوا واردة، ولا شاردة، فعلی الدستور والأسلوب أن یکون جامعاً للأفراد مانعاً للأغیار، کما یقول المنطقیون.
وبدایة، اخترت قصیدة من اللغة الشعبیة العراقیة، وإن تمّ طبعها في إیران، لکنّها مطبوعة علی نفس الشکل وبنفس الخطّ في مسقط رأس الشاعر والقصیدة؛ العراق.
ردي .. ردي / يا ظعن … / شت عن هَلَه، / او̊ حدّاي غُربَه .. / البيه يحدي
ردّي … / ينباع العشگ .. / وِاليا كَلب، تهوين صدّي
لا تهيجين الجروح .. / اجروحي من تنلچم .. / تدّي
وآنه من دم او̊ لحم .. / مو من صخر .. / چبدة العندي
ردّي .. / مليت الصبر … / وأمكَاطر الدمعه .. / اعلَه خدي
وآنه .. خلّاني الوكت / ناعور .. / بس أترس .. وأبدي
چوّرت ليل الصبر. واعجزت مِنّه … / او̊ هذا حدّي
بلچي من يغفه الجفن … / ما چلمة التنكَال. بعدي
آنه موش أوّل زند … / يشتل شلب … / ويحصد بردي
او̊ لانه بس اتغربت .. / والمعتنيله .. / ايصير ضدي
ردي .. ردي / مالي حيل امعاتبج … / وآنه العليچ اديت … / جهدي
غلّست، ..عن الكَلت والكَال … / كَمت اسمع .. وعَدّي ..!
او̊ صابرت صبر الطفل … / شربي الصبر .. / والحزن مهدي
واحملت ليل العطش … / وآنه العيون السود .. / وردي
او̊ ساهرت … / طول البعد / لمّن عشكَت اليال … / سهدي
والله چا مل او̊ جزع … / لو قصتي .. اعلَه ايوب تسدي
ردي … / وآنه مو طبعي العتب … / عالما حلاله … / ايصون عهدي
يا رخص ذاك الجدم … / كون اعله ياهو الچان. يبدي
او̊ يا مناحة ذلتي … / او̊ ليل الكَضيته دموع / وحدي
وآنه .. من دم … / او̊ لحم … / مو من صخر / چبدة العندي
آنه … / خلاني الوكت … / ناعور / بس اترس .. / وأبدي1
شعر جمیل، یطرب المستمع، لکن لکلّ منّا أن یکتبه علی شکل مختلف، وقد لا نجد اثنین منّا یکتبان نصَّه بأسلوب متشابه. ولکلّ أحد منّا الحقّ في ذلک؛ لأنّ اللغات الشعبیة عموماً، والأهوازیة خصوصاً لم تدوّن منها سوی النزر الیسیر، ولم نجد مَن اعتنی بکیفیة کتابتها وإملائها، إلّا هنا وهناک.2
وقبل الخوض في البحث، نعطي السمات العامة لأسلوب الکتابة، والأصل في هذه السمات في الغالب الأعم، قرب شکل المفردة المکتوب ومحاذاته للّغة الأمّ الفصحی. وبالتالي نعید کتابة قصیدة “ردّي .. ردّي” في ضوء ما نوضحه.
1/ من المعروف أنّ الإبتداء بالساکن محال في العربیة الفصحی، لکن هناک لغات – کالإنجلیزیة – نجد فیها مفردات تبدأ بالساکن، ﻛ:Student )= الطالب، الطالبة، التلمیذ، الدارس، و…) وهي س̊تیودِنت؛ أي بسکون “S / السین”، وﻛ: Close (= أغلق) أما اللغة المحکیة الاحوازیة – خلافاً للفصحی – تُنطق بالساکن، وإن صعب هذا التلفظ، علی سکّان بعض الأحیاء من “الاحواز”. وفي القصیدة، نعثر علی مفردة “ج̊روحي” وإن کتبه النَسّاخ “اجروحي” فکما نعلم، فالألف في اللغة العربیة ساکن دائماً، ولا یأتي أبداً في أول الکلمات العربیة؛ أي الإسم، والفعل، والحرف. ولا فرق هنا بین درج الألف وحذفه، فإنّه لا یمُتُّ بصلة لأصل المفردة وجذرها: الجُرح، ولیس من جمعها: الجُروح. أیضا، هذا هو حال بعض مفردات القصیدة: امكَاطر (= م̊گاطر)، ايصون (= ی̊صون)، اعلًه خدي (=ع̊له خدي)، ايصير ضدي (= ي̊صير ضدي).
وهناک مفردات، تکون الهمزة في أصل الکلمة، لکنّها لا تقرء، من أجل ضرورة رعایة الوزن، کما في القصیده: “بس أترس .. و أبدّي” حیث نقرأهما بسکون الهمزتین في کلا الفعلین، علی هذا النحو: بس ا̊ترس .. و ا̊بدّي، لکن النسّاخ والمطبعة لم یعتنِیا بالقراءة، ولم یفرّقا بین ما یُکتب وما یُنطق. والأمر في “واعجزت مِنّه”، علی غِرار الفصحی، حیث أصله وَأَعجَزتُ مِنهُ، فالهمزة أضیفت لدخول “عَجزَ” في باب الإفعال، وإن کانت همزة وصلیة، لا قطعیة. کما نجد مفردات، همزتها أصلیة وقطعیة في الفصحی، تصبح وصلیة في الشعبیة، ﻛ: أیّوب، حیث یمسي لدی قراءة هذه القصیدة العریانیة: ع̊له ا̊يوب تسدي.
2/ إنّ “ال” التعریف، لا تدخل علی الفعل والحرف، إذ لا تقسّم الأفعال والحروف إلی معرفة ونکرة. و”ال” في اللغة الشعبیة علی أقسام، کما هو حاله في الفصحی. أمّا في لغتنا الدارجة، منه:
أولا: “ال” التعریف: ينباع العشگ، “ليل العطش”؛
ثانیا: “ال” الموصول؛ بمعنی “الذي، التي، و…”: “البيه يحدي” (= الذي فیه …)، و “والمعتنيله” (= والذي أعتني …)؛
ثالثا: “ال” بمعنی “إلی” الجارّة: وِاليا كَلب، تهوين صدّي (= وإلی أيّ قلبٍ …).
فالأصح، أن ندخل “ال” التعریف علی الإسم، دون الفعل والحرف، وأن نعزل “ال” الموصول، وما هو بمعنی “إلی” الجارة، وغیرهما عن کلّ المفردات. وفي القصیدة: “او̊ ليل الكَضيته” یعني في اللیلة التي قضیتُها، فلا ندخل “ال” الموصول علی الفعل، فعلینا أن نکتب: او̊ ليل ال̊ كَضيته.
3/ في الأسلوب العربي للکتابة، تلصق “واو” العاطفة و”واو” القَسَم بالکلمة التي تلیهما، وتُمسي بعض الحروف – الجارة مثلاً – من المفردة، کما في: لیدَخل، تالله، بما، فالذین، بحمد الله، و… لکن نفضّل في الشعبیة أن نعزل المفردات بعضها عن بعض، ونکتبها بفاصلة وفراغ بين الكلمات (Space) مراعین هذه القاعدة حتّی في “واو” العاطفة، لأنها في الفصحی والدارجة معاً، توقعنا في أخطاء، بسبب أنّها تکون مع المفردة التي دخلت علیها، بمثابة کلمة واحدة، کما في: ولي (= “و” العطف، “لام” الجرّ، “یاء” الضمیر: و برای من) ومفردة ولي (= ولی، قیم، سرپرست، وصی، یار، دوست، و … ج: اولیاء)، والمثال الآخر – وما أکثر هذه النماذج – ما نراه بین کلمة: وحید (= یکه و تنها)، ومفردة وحید (= “واو” العطف + حید: العظیم، العبقري، و …). فتصبحُ عبارة “عالما حلاله” في نص عریان السید خلف، “عَ ال ما حلی له” (علی + الذي + ما + حلی + لهُ). ویجب مراعاة هذا الفصل، في الشعر المجنّس أي الموّال، والأبوذیة، والمیمر، والهات، وغیرها من الأوزان حتی یعرف القارئ تلک المفردة / المفردات (= الجناس)، وبالتالي یعي المعنی المراد.
والآن، نعید کتابة القصیدة، حسب ما ذکرناه، وإن کانت هناک مفردات لم نتحدث عن شکل کتابتها، ﻛ: عنهَلَه، ويحصد بردي، چبدة العندي، وغیرها، ترکناها في معالجة نص آخَر.
ردّي .. ردّي / يا ظعن … / شَت̊ عن هَلَه، / او̊ حَدّاي غُربَه̊ .. / ال̊ بيه̊ يِحدي
ردّي … / يِنباع العشگ .. / وِ ال̊ يا كَلب، تُهوين صِدّي
لا تِهَيجينِ الجروح .. / ج̊روحي من تنلچم .. / تِدّي
و آنه من دمّ او̊ لَحَم .. / مو مِن صَخَر .. / چَبدةِ ال̊ عندي
ردّي .. / ملّيت الصَبُر … / و م̊كَاطر الدّمعه̊ .. / ع̊له خدّي
و آنه .. خلّاني الوَكت / ناعور .. / بسّ ا̊ترس . وَ ا̊بدي
چوّرِت ليلِ الصبر. و ا̊عجزت مِنّه … / او̊ هذا حدّي
بَلچي مِن يغفه الجفِن … / ما چلمةِ ال̊ تنكَال؛ بعدي
آنه موش اوّل زند … / يِشتِل شلِب … / و يحصد بردي
او̊ لا ا̊نه بس ت̊غرَّبت .. / و ال̊ معتني لَه .. / ي̊صير ضِدي
ردي .. ردي / ما لي حِيل م̊عاتبچ … / و آنه ال̊ عليچ ا̊دّيت … / جهدي
غلّسِت، ..عنّ الكَلت و الكَال … / كَمت ا̊سمع .. و ا̊عَدّي ..!
او̊ صابرت صبر الطفل … / شربي الصبر .. / و الحزن مهدي
و ح̊ملت ليلِ العطش … / و آنه الِعيون السّود .. / وردي
او̊ ساهرت … / طول البعد / لمّن عِشكَت ل̊يال … / سهدي
و الله چا ملّ او̊ جِزَع … / لو قصّتي .. ع̊لَه ا̊يوب تسدي
ردّي … / و آنه مو طبعي العتب … / عَ ال̊ ما حلی له … / ي̊صون عهدي
يا رخُص ذاك الجدم … / كونِ ع̊له يا هو ال̊ چان، يبدي
او̊ يا مناحة ذلتّي … / او̊ ليل ال̊ كَضيته د̊موع / وحدي
و آنه .. مِن دمّ … / او̊ لحم … / مو مِن صَخَر / چبدة ال̊ عِندي
آنه … / خلّاني الوكت … / ناعور / بسّ ا̊ترس .. / وَ ا̊بدي
**********
1 السّید خلف، عریان. (1384 ه.ش). الگمر والدیره. قم: منشورات ذوي القربی. ص 7 – 14.
2 من المهتمین بأسلوب کتابة اللغة الشعبیة الاحوازیة، الشاعر “عادل السکراني”، فقد کتب صفحة واحدة لکنّها نافعة، وقد سار علی نفس المنهج في القسم الشعبي من مختاراته الشعریة؛ إلّا ما اسماه استثناء. أنظر: السکراني، عادل. (2006). مختارات من شعر عادل السکراني. بجهود محمدعلي الأریحي وآخرین. طهران: نشر شادگان. ص 118
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.