كتاب “العـــــــــراق.. سبعة آلاف عام من الحياة”-للكاتب العراقي سليم مطر

43264778248تاريـخ مختصـر وشامـل من العصـر الحجـري
حتى العصر الحديث.. أكثر من 500 صورة ملونة

الشهيد مار يعقوب المقطع (الاحوازي العراقي) (استشهد في 422 م)، وهو يعتبر من كبار شهداء المسيحية المشرقية، ويحتفل بذكراه سنوياً في 27 تشرين الثاني من قبل كنائس السريان والاقباط. لقبه السرياني الأصلي (مبسقا، وتعني ـ المقطع ـ أي الذي تم تقطيعه). وهو سرياني ولد في مدينة (بيت عابات ـ الاحواز) وعاش في (المدائن ـ طيسفون). وهو من عائلة مسيحية، لكنه تنَّكر لمسيحيته وأصبح مستشاراً للملك الساساني (يزدجر). ولكنه عاد الى مسيحيته بعد لوم أمه وزوجته له. فحكم عليه الملك بالاعدام تقطيعاً. وكان صموده وتمسكه الخارق بإيمانه حتى آخر لحظات الاحتضار والعذاب جعله خالداً في قلوب المؤمنين.
1ـ إن هذا أول كتاب شامل ومختصر لجميع مراحل تاريخ العراق. حتى الآن جميع الكتب الصادرة عَنَتْ بمرحلة معينة من تاريخ العراق. وفي كل مرحلة تاريخية يقدم معلومات عن جوانبها الثلاثة: الدولة والسياسة، ثم المجتمع، ثم الحضارة والثقافة.
2ـ إن هذا الكتاب موجه للقراء من سن 12 الى سن 112، الى الهواة والمتخصصين، الى العراقيين وغير العراقيين، فهو مع قيمته المعلوماتية الأكاديمية، إلاّ أنه أيضاً بقيمة جمالية إمتاعية تجذب القارئ وتروي فضوله. لهذا فإنه استغرق سنوات من البحث وتسجيل المعلومات وجمع الصور، ثم أخيراً نحو عشرة أشهر من التنفيذ والتأليف والترتيب والاختصار ثم الاختصار ثم الاختصار.
3ـ إنه أول كتاب مصور عن تاريخ العراق الشامل. إن هذه الصور المختارة هي حصيلة جهد وبحث مستمر خلال عدة سنوات، إنتقيناها من الكتب والمجلات ومواقع الانترنت العربية والاجنبية، وكذلك عبر التراسل الشخصي. وحرصنا على أن تكون هذه الصور بقيمتين في نفس الوقت: جمالية، ومعلوماتية. أي إنها تريح البصر وتمنح المتعة، وبنفس الوقت تعطي معلومات تاريخية عن الموضوع.
4ـ إن هذا الكتاب لا يدَّعي الكشف وتقديم معلومات تاريخية جديدة، بل غايته الاولى تقديم المعلومات المتداولة، ولكن بأسلوب واضح ومكثف وسهل، اضافة الى عرضها من وجهة نظر وطنية جامعة وانسانية، تتجنب التشويهات القومية (العروبية والكردوية)، والتوراتية (الغربية)، والانحيازات الدينية والطائفية.
5ـ لهذا يهمني التوضيح: أنا لست بمؤرخ، بل أنا مفكر وباحث في التاريخ. أنا أستخدم التاريخ لإيصال رسالة وطنية وانسانية.
عسى أن يساهم هذا الكتاب في خدمة التاريخ والضمير الوطني والانساني.
ظهرت الحضر إبان فترة التسلط الفرثي على العراق وقد أسستها جماعات عراقية يعتقد أنها من أصول عربية، رغم إن لغتهم وثقافتهم كانت هي الآرامية. وقد عرف أحد ملوكها سنطرق بكتابته الشهيرة (سنطرق ملك عربو) أي سنطرق ملك العرب، ولأن الحضر من مدن العراق والشام الصحراوية الشهيرة مثلها مثل البتراء وتدمر، فإن قصتها نمواً ودماراً لا تختلف كثيراً عن قصص الأخريات، فقد قاومت طموحات سكانها السلطتين الرومانية والفارسية أمداً طويلاً ولكن الرومان والفرس دمروها جميعاً واحدة بعد أخرى، وكان من نصيب الحضر أن يدمرها الفرس الساسانيون. عرفت مملكة الحضر بهندستها المعمارية وفنونها وأسلحتها وصناعاتها، الحضر كانت في مستوى روما من حيث التقدم حيث وجد فيها حمامات ذات نظام تسخين متطور وأبراج مراقبة ومحكمة ونقوش منحوته وفسيفساء وعملات معدنية وتماثيل. بالحقيقة إن لغة وحضارة أهل الحضر هي الآرامية، لكن اعتبرت عربية من خلال أسماء قادتها ورموزها ذات الصبغة العربية.
سقطت الحضر بيد الفرس الساسانيين عام 241 م، ودمرت تدميراً شديداً ومنع أهلها من حمل السلاح، وأنتهت من الوجود التاريخي.
3- ظهور دويلة الحيرة ودور العرب: إن هذه القرون الأخيرة السابقة للفتح العربي الاسلامي، بدأت معالم الجماعات العربية تتضح كأسم في بعض معالم اللغة العربية، في العراق والشام، رغم بقاء اللغة الآرامية كلغة الثقافة والتعبير لهذه الجماعات العربية الجديدة.
ما إن انتهت (الحضر) في القرن الرابع حتى قامت (امارة الحيرة) في نفس القرن. وبما أن (الحيرة) قريبة من (بابل) القديمة، فإنها حملت الكثير من روحها الحضارية المندثرة. فسكان (الحيرة) هم من العراقيين الاوائل الذين كانوا قد اعتنقوا المسيحية النسطورية، لهذا كان يطلق عليهم لقب (عباد)، وتعني بالآرامي (المؤمنين)، وكانت لغتهم السائدة هي الآرامية. وكانت حدود هذه المملكة تمتد من بابل على الفرات إلى الخليج العربي. وكانت لغتها آرامية وديانتها مسيحية نسطورية، ولعبت دوراً سياسياً ودينياً وثقافياً متميزاً، حيث تحولت الى مركز جذب للكثير من الشعراء وكذلك رجال الدين المسيحيين. اختلفت الآراء في أصل عرب الحيرة، ولكن من الواضح إنهم مثل كل القبائل الكبرى في ذلك الوقت، مجموعة متحالفة من الجماعات العربية والآرامية، التي استوطنت بعد سقوط بابل. لقد حكم الحيرة 25 ملكاً، وكان النعمان بن المنذر (580-602 م) آخر ملوك آل لخم في الحيرة، وقد عاصر حكم الملك الفارسي ابرويز.
وكان يسود مجتمع (الحيرة) مثل جميع المدن العراقية، نوع من التسامح الديني، بحيث انه كان هناك الكثير من الطوائف الدينية، بجانب الغالبية المسيحية النسطورية. فهناك بقايا الديانة العراقية القديمة بأوثانهم التي تمثل آلهة الكواكب، وبالذات أتباع مذهب (عبادة القمر). وهناك أيضاً أتباع لـ (المانوية العراقية)، بالاضافة الى أتباع المذهب المسيحي (اليعقوبي ـ المنفوزي)، كذلك اليهود والصابئة.
العراقيون ينشرون المسيحية في الجزيرة العربية
ليست صدفة إن المسيحية العربية كانت بغالبيتها على المذهب النسطوري العراقي. لأن الحيرة كانت من المراكز المهمة في حركة التبشير بالنصرانية بين العرب. ومن (الحيرة) ذهب قسم من المبشرين العراقيين إلى اليمن والبحرين وعمان والأجزاء الأخرى من جزيرة العرب لنشر النسطورية العراقية. وفيها أيضاً أنعقد مجمع (داد) يشوع في سنة 424 م لتنظيم شؤون كنيسة النهرين النسطورية.
ومن الحيرة امتدت الصلات بين قريش والعراقيين، فأنعكس ذلك فيما بعد على ما بين الإسلام والمسيحية، عبر الصلات التجارية، فكان بالحيرة (سراة نصارى اشتركوا مع سراة قريش في الأعمال التجارية، مثل كعب بن عدي التنوخي، وهو من سراة نصارى الحيرة، وكان أبوه أسقفاً على المدينة، وكان يتعاطى التجارة، وله شركة في التجارة في الجاهلية مع عمر بن الخطاب في تجارة البز، وكان عقيداً لهم). ومن (الحيرة) تعلم العرب (الكتابة) وتم اشتقاق الخط العربي من الخط السرياني.
علماً بأنه كانت هناك خمسة أسقفيات نسطورية في أنحاء الجزيرة والخليج تابعة لكنيسة بابل.
المعالم الحضارية (الثقافية ــ الدينية)
من أهم المعالم الثقافية لهذه المرحلة، هي ظهور الأديان السماوية وانتشارها في العراق: اليهودية والمسيحية والصابئية وكذلك المانوية. والميزة الأساسية التي تجمع هذه الأديان إنها تتفق على وجود إله واحد (الله) في السماء هو الخالق الأوحد لكل الوجود المادي والروحي. رغم اعتبار الديانة اليهودية من ضمن الأديان السماوية، إلاّ أنها في تكوينها الأوَّلي لم تكن ديانة (عرفانية ـ غنوصية) مثل المسيحية والصابئية والمانوية.
1- ظهور العرفانية ـ الغنوصية: إن الاجتياح الآري (الايراني ـ اليوناني ـ الروماني) للشرق الاوسط، أدى الى تحطيم كل البنيان الثقافي والديني (العراقي ـ الشامي ـ المصري) القائم والمهيمن منذ آلاف الأعوام. لقد حدثت في المنطقة خلطة تاريخية جبارة نتيجة حضور تيارين عقائديين جديدين في المنطقة:
أ- التيار الروحاني الآسيوي (الهندوسي ـ البوذي ـ الزرادشتي) القائم على عقيدة وحدة الوجود وخلود الارواح الهندوسية، وثنائية الخير والشر الزرادشتية. ب- التيار المنطقي (الفلسفي) اليوناني، القائم على العقل المجرد والحسابات والسبب والنتيجة.
وقد امتزج هذان التياران الجديدان بالعقيدتين الأصليتين السائدتين مسبقاً في المنطقة:
أ- عقيدة المنقذ المخصب (عشتار وتموز) السائدة في العراق والشام. القائمة على أساس تقديس الكواكب السبعة وانتظار المهدي المخلص (تموز) أو المسيح، حيث يأتي أول كل ربيع (اله الذكورة والسماء تموز) ويخصب (الهة الانوثة والارض عشتار) لينشر الخضرة والحياة.
ب- الديانة (المصرية) القائمة على أساس تقديس اله واحد هو (الشمس) والايمان بيوم الحساب والخلود الآخروي وبالجنة الموعودة. حيث تقوم الأهرامات التي تمثل قبوراً جبارة تساعد الملوك والنبلاء على الأنتقال الى حياة الخلود بعد ميزان الحساب في العالم الآخر.
وكانت المحصلة النهائية لهذا المزيج، هو (التيار العرفاني ـ الغنوصي) الذي اعتبر أساس الديانات التوحيدية السماوية، وبالذات مذاهب الزهد الروحاني والرهبنة.
نتيجة امتزاج هذه التيارات العقائدية الاربعة: الوحدانية الآسيوية، والمنطق اليوناني، مع المنقذ المخصب العراقي الشامي، والحياة الأخرى المصرية… ظهرت عقيدة جديدة فرضت سيطرتها حتى الآن على الشرق الأوسط وعموم البحر المتوسط وباقي العالم، ألا وهي: العرفانية ـ الغنوصية.
هذا (التيار العرفاني ـ الغنوصي) الذي اعتبر أساس الديانات التوحيدية السماوية، وبالذات مذاهب الزهد الروحاني والرهبنة – تطورت العرفانية وأمتدت لتظهر على شكل فرق ومسميات، مثل المانوية والصابئية في العراق، والهرمسية والافلاطونية الجديدة في مصر والبحر المتوسط، والقبلانية اليهودية. ثم تطورت الى أديان مختلفة، أهمها المسيحية (خصوصاً فرقها التنسكية) والاسلام. من المستحيل فهم الحالة الدينية الجديدة في هذه الحقبة والمتمثلة بظهور الأديان السماوية التوحيدية، إلاّ من خلال فهم ماهية (العرفانية ـ الغنوصية).
إن (العرفانية) بكل بساطة، هي العقيدة التي شكلت أساس الأديان (السماوية التوحيدية). فهي تعني: (الايمان بوحدانية الوجود، والتسليم بإله الخير والمحبة في ملكوت السماء والنور. واعتبار الحياة الدنيا والبدن المادي ملكوت الظلام والشيطان. وإن الخلاص يكمن في الزهد والتقشف وكبح غرائز البدن من اجل التطهر والارتقاء بالنفس الى ملكوت النور).
2- بروز الدور الوطني الحضاري للمسيحية النسطورية: تعتبر المسيحية من أولى الديانات الكبرى العرفانية (السماوية). مع انبثاق المسيحية في فلسطين وعموم بلاد الشام في القرن الأول الميلادي، بدأت بالتدريج تتسرب الى العراق من القسم الشمالي (الرها ونصيبين) ثم نينوى وكرخا سلوخ (الاسم السرياني لكركوك) حتى ولاية بابل ومنها الى ولاية ميسان في الجنوب (وكانت تشمل كذلك البصرة والأهواز). ولم يمض القرن الرابع الميلادي حتى أصبحت المسيحية ديانة الغالبية الساحقة من العراقيين وتكونت الكنائس في جميع القرى والمدن العراقية. إن العراقيين قاموا بالتعبير عن خصوصيتهم الدينية الوطنية من خلال المذهب النسطوري وتأسيس كنيسة بابل في (المدائن) الخاصة بالعراقيين، والتي تخضع لها أيضاً جميع فروع الكنائس النسطورية في ايران والهند حتى الصين.
تذكر المصادر الرومانية والآرامية إن (القديس توما) ثم بعده (مار عدي) من تلامذة السيد المسيح (ع)، مع تلميذه (مار ماري) هم الذين  بشَّروا بالمسيحية في العراق، أولاً في شماله ثم في وسطه وجنوبه. وقد شيد (مار ماري) (ت 82 م) أول كنيسة في بلدة (كوخي) قرب المدائن، وقد وسَّعها مار عبد المسيح الحيري. وفيها تكونت (بطريكية) أو قيادة (مرجعية) الكنيسة العراقية ومقرها في (المدائن ـ جنوب بغداد) وتسمى رسمياً بكنيسة (بابل) ويطلق عليها المؤرخون أحياناً (كنيسة فارس) بسبب خضوع العراق لفارس. وتتفرع الكنيسة العراقية الى فروع كنسية في كل أنحاء النهرين ويطلق على كل فرع تسمية (أبريشية)، وهي كالتالي:
أ- أبريشية بابل أو سلوقيا، وتشمل وسط العراق، مثل المدائن (طيسفون وسلوقيا) والحيرة (النجف) وغيرها، وهي الكنيسة العليا (البطريكية) / ب- أبريشية تكريت والبلدات الأثني عشر التابعة لها من بينها سنجار ومعلثا وبانوهدرا / ج- أبريشية حدياب التي تمتد بين الزابين الأعلى والأسفل ومركزها (أربيل)/     د- أبريشية (بيث عرباي) وهي الموصل وما حواليها / هـ- أبريشية (كشكر) وهي الكوت وما حواليها /     و- أبريشية ميشان (ميسان) وتشمل جنوب شرق العراق / ز- أبريشية البصرة / ح- أبريشية بيث حوزاي (الأحواز) وتسمى أيضاً بالفارسية (جند شابور) (جندشابور).
إن أهم إنجاز حضاري قامت به المسيحية العراقية إنها افتتحت مدرسة في كل كنيسة وفي كل قرية ومدينة، فصار تعليم القراءة والكتابة والعلوم جزءاً من النشاط الديني والايماني. وكانت هذه الخطوة بداية خروج العراقيين من قمقمهم الظلامي نحو أفق النور والتحرر. الاضطهادات الايرانية: حسب المصادر المسيحية فأن هذه الحملات المتقطعة خلال عدة قرون، كلفت مئات الآلاف من الشهداء. وقد ذكر المؤرخ المسيحي العراقي (ماري بن سليمان)، إن الملك (شاهبور) خلال ما أطلق عليه (الاضطهاد الاربعيني) الذي دام أربعين عاماً في القرن الرابع م، قتل حوالي مئة وستين ألف في بلدات شمال العراق، وأكثر من ثلاثين ألف في بلدات الفرات. وقد أكَّد المؤرخ العراقي المسلم المسعودي هذا الرقم (التنبيه والاشراف ص 149).
عموماً هنالك سببان للاضطهاد، أولهما شعور الملوك والموابدة (رجال الدين المجوس) بأن المسيحية العراقية بدأت تشكل خطراً كبيراً على المجوسية وبدأت تكتسحها في داخل معاقلها بحيث ان هنالك الكثير من أقارب الملك والحاشية بدأوا يدخلون المسيحية، وإن كنيسة المدائن العراقية تحولت الى زعيمة ومقر، ليس فقط للكنائس العراقية، بل لما يحصى من الكنائس المنتشرة في جميع أنحاء الامبراطورية الفارسية حتى حدود الصين، بل إن المبشرين العراقيين نشروا المسيحية حتى في الهند وفي أنحاء الجزيرة العربية. وهذا يعني إن العراقيين بدأو يعوّضون عن خضوعهم السياسي بهيمنة روحية دينية سوف تشكل أساس مستقبلي لأنطلاقتهم الحضارية والسياسية والتي حصلت في الفترة العباسية.
الشهيد مار يعقوب المقطع (الاحوازي العراقي) (استشهد في 422 م)، وهو يعتبر من كبار شهداء المسيحية المشرقية، ويحتفل بذكراه سنوياً في 27 تشرين الثاني من قبل كنائس السريان والاقباط. لقبه السرياني الأصلي (مبسقا، وتعني ـ المقطع ـ أي الذي تم تقطيعه). وهو سرياني ولد في مدينة (بيت عابات ـ الاحواز) وعاش في (المدائن ـ طيسفون). وهو من عائلة مسيحية، لكنه تنَّكر لمسيحيته وأصبح مستشاراً للملك الساساني (يزدجر). ولكنه عاد الى مسيحيته بعد لوم أمه وزوجته له. فحكم عليه الملك بالاعدام تقطيعاً. وكان صموده وتمسكه الخارق بإيمانه حتى آخر لحظات الاحتضار والعذاب جعله خالداً في قلوب المؤمنين.
3- ظهور السريانية كلغة دينية وثقافية: في هذه الفترة حملت اللغة الآرامية تسمية جديدة هي (السريانية). هنالك العديد من الفرضيات حول منشأ كلمة سرياني أو سريان فيعتقد البعض إن السريانيون سمّوا بهذا الاسم نسبة إلى سوريا. فباللغة السريانية يقال للشخص السرياني  Suryoyo  أي سوري. أطلق مصطلح (السريان) و(السريانية) منذ القرنين الثاني والثالث الميلادي على الآراميين وعلى الآرامية أي على اللغة والثقافة التي سادت المنطقة بينما بقي الاسم الآرامي القديم غير مستحب ومرتبطاً بالوثنية، وبالتالي يحسب السريان أنفسهم ورثة الآراميين مباشرة. تبنّى اليهود هذه اللغة حيث حلت محل لغتهم العبرية واقتصر استعمالهم للعبرية فقط في الصلاة وفي قراءة كتبهم المقدسة، ومن المعروف إن السيد المسيح تكلم السريانية، فقد كانت اللغة الدارجة الاستعمال في الحياة اليومية بين اليهود. كذلك استعملها السريان كلغة طقسية في الكنيسة منذ بداية المسيحية، كما كتب بها آباء الكنيسة السريانية مؤلفاتهم العلمية والدينية كما قاموا بنقل الكتاب المقدس إلى السريانية بنقول مشهورة كالبسيطة، وأيضاً قاموا بترجمته للغات عديدة كالعربية والفارسية والمليالم (لغة جنوبي الهند)، ولايزال أبناء هذه الكنيسة في كل مكان يقيمون طقوس صلواتهم باللغة السريانية إلى جانب لغاتهم المحلية الوطنية.
4- ظهور الديانة الصابئية (المندائية) هذه الديانة تعتبر واحدة من أقدم الديانات السماوية (العرفانية) في العراق، وربما قد سبقت المسيحية. ولكن وجودها الواضح يعود الى هذه الفترة (الآرامية ـ المسيحية). لغة الصابئة هي اللغة الآرامية الشرقية (العراقية) المتأثرة كثيراً بالأكدية، وهي نفس اللغة التي يستخدمها الصابئة المندائيون اليوم في كتبهم ونصوصهم الدينية. لقد امتهن المندائيون في تلك الحقبة نسخ العقود والمخطوطات وكتابة الرقى وتولعوا بالأرقام ومراقبة النجوم وأفلاكها وزاولوا الطب بنوعيه الروحاني والسريري (الأشيـپو والآسي) والتي ورثوها عن الأكديين. في زمن الدولة الساسانية تمتع المندائيون تحت حكم الملك أردشير الأخير بحماية الدولة (الامبراطورية) ولكن الأمر تغير حين جاء الى السلطة الملك بهرام الأول سنة 273، إذ قام بإعدام (ماني) في بداية حكمه بتأثير من الكاهن الزرادشتي الأعظم (كاردير). وامتد الاضطهاد الساساني الديني ليشمل أتباع الديانات الأخرى الغير زرادشتية مثل المندائية والمانوية واليهودية والمسيحية والهندوسية والبوذية.
ويمكننا أن ننتهي الى أن المندائيين قاموا بجمع تراثهم وأدبهم الديني وترتيبه وحفظه وهذا واضح في الجهود المكثفة التي قام بها الناسخ (زازاي) في هذا المجال. وبالرغم من حملة الاضطهاد الشعواء التي قادها الحبر الأعظم للزرادشت (كاردير) إلاّ أنه لم يستطع القضاء تماماً على المندائية، ولكن التدوين توقف تماماً لعدة قرون ولم نشاهد التأثيرات والكتابات المندائية إلاّ فيما يسمى بأوعية (قحوف) الأحراز والأشرطة الرصاصية. إن المدونات المندائية التي عثر عليها كانت جميعها قد نشأت في بلاد النهرين والتي يعود بعضها الى القرن الرابع الميلادي، والقسم الأكبر قد دون قبل ظهور الاسلام، إلاّ أن محاولات التأليف المندائية لم تنقطع بظهوره وإنما واصلت أعمالها تحت ظله الى ما بعد قرون عديدة.
5- ظهور المانوية البابلية: تعتبر المانوية، ديانة عرفانية عراقية وطنية صميمة، لغة وثقافة وإدارة. ظهرت كديانة عراقية انتشرت عالمياً وقد أصبحت (كنيسة بابل) المقر العالمي لهذه الديانة. ورغم قلة الوثائق وعمليات التعتيم والتشويه، إلاّ أن هنالك معلومات أساسية يتفق عليها جميع المؤرخون:
ولد (ماني) في 14 نيسان عام 216 ميلادية، قرب (المدائن) التي كانت مركز ولاية بابل والعاصمة الثانية للأمبراطورية الإيرانية. ولهذا يطلق على هذا النبي لقب (ماني البابلي) ويقول عنه المؤرخ العراقي العباسي (ابن النديم) في (الفهرست): ((نبي الله الذي أتى من بابل)). وكان دين عائلته عراقي قديم (عبادة الكواكب). وفي سن الرابعة رحل به أبوه إلى إحدى قرى ولاية (ميسان) في جنوب العراق. هناك نشأ (ماني) على الدين الصابئي. وفي سن الشباب أخذ (ماني) يتنقل في أنحاء النهرين واستقر في (المدائن) جنوب بغداد حيث أنشأ كنيسته التي أطلق عليها (كنيسة بابل) وأصبحت المرجعية العليا لجميع الكنائس المانوية في جميع أنحاء العالم من الصين حتى اسبانيا بلاد الغال. واللقب الذي كان يُعرف به هو (ماني حيا) أي (ماني الحي)، ومنه أتى المصطلح اللاتيني لهذا الدين (Manicheisme) أي (ماني- حيا- سيم). (لمزيد من التفاصيل راجع الموسوعة الكونية الفرنسية – جزء 11- ص 646).
يتفق المؤرخون جميعهم على ان اللغة الأم للنبي (ماني) ولغة كتبه السبعة وإنجيله المقدس، هي (اللغة السريانية) العراقية. وقد ترجمت جميع كتبه فيما بعد الى اللغات الفارسية والتركية (الايغورية) واليونانية واللاتينية والقبطية. ومن بين الأقوال القليلة التي توثقت لهذا النبي، ثمة القول التالي الذي يحدد فيه الهوية العراقية لدينه: ((إن الحكمة والمناقب لم يزل يأتي بها رسل الله بين زمن وآخر، فكان مجيئها في زمن على يد الرسول (بوذا) إلى بلاد الهند، وفي زمن على يد (زرادشت) الى أرض فارس، وفي زمن على يد (عيسى) إلى أرض المغرب (الشام). ثم نزل هذا الوحي وجاءت النبوة في هذا الزمن الأخير على يديّ أنا (ماني) رسول إله الحق الى أرض بابل…)) (راجع – إيران في عهد الساسانيين – ص 172). ثم إن الأكثر من كل هذا، إصرار (ماني) على جعل بابل مقر الكنيسة الأم ومركز المرجعية الدينية والحوزة العلمية لجميع الطوائف المانوية في العالم، وبقي هذا التقديس الخاص لبابل لدى المانويين حتى نهايتهم بعد ألف عام.
بعد أن انتشرت ديانته في كل مكان، وفي تاريخ غير محدود بصورة تامة، بين (274-277) ميلادية، تم صلب (ماني) على أحد أبواب مدينة بيت العابات (جندشابور) في الأحواز.

المصدر:المشرق

صدر هذا الكتاب في 2013 ويباع عادة في مكتبات العراق والعالم العربي. ويمكن طلبه بريديا بالاتصال:
ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت ، عمان

‎Arab Institute for Research and Publishing
info@airpbooks.com هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.
www.airpbooks.com
ـ مكتبة النيل والفرات:

http://www.neelwafurat.com/locate.aspx?search=books&entry=%d3%e1%ed%e3%20%e3%d8%

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: