بغداد-الصباح– تعرفت عليه المدن والمنافي وشوارعها السرية بعد ان انجبته عوالم الريف وروائح نكهة قصب الاهوار ليستريح قليلاً امام مرايا الحياة والصبايا والحب الحالم.. غنى للوطن وفلاحيه وكادحيه ، مظفر النواب المولود في بغداد 1934 قال عنه الشاعر الكبير محمود درويش انه حضارة تمشي على قدمين فهو من أسرة ثرية تذوقت الفنون والموسيقى والادب، كتب الشعر في مرحلة الثالث متوسط لتعرفه سنوات الاعدادية من خلال ما نشره في الصحف والمجلات الحائطية محافظاً على سلامة العروض والاوزان.في نهاية الخمسينيات تعرض والده الثري الى هزة مالية عنيفة افقدته ثروته وسلبت منه قصره الانيق الذي كان مزدحماً بندواته الثقافية وأنغام البيانو الذي يخرج من نوافذه ومن اصابع امه.
عائلتي ربت أبناءها على كراهية المحتل،حوار لم ينشر لمظفر النواب
بعد العام 1958 تم تعيينه مفتشاً فنياً في وزارة التربية في بغداد ليتعرف من خلالها على اسرار الفن التشكيلي وعوالم الموسيقى، العام 1963 اضطر لمغادرة العراق بعد تعرضه للملاحقة والمراقبة من قبل اجهزة الحرس القومي فكان هروبه الى ايران عن طريق البصرة الا ان (السافاك) الايراني في تلك الايام القت القبض عليه وهو في طريقه للاتحاد السوفيتي حيث خضع للتحقيق البوليسي والتعذيب الجسدي والنفسي والارغام على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها.
وفي نهاية العام نفسه سلمته السلطات الايرانية الى الامن السياسي في العراق ليحكم عليه بالاعدام، ليخفف الحكم القضائي بعدها الى السجن المؤبد وفي سجنه الصحراوي (نقرة السلمان) كتب العديد من القصائد لينقل بعدها الى سجن (الحلة) وفي هذا السجن الرهيب والوحشي قام النواب ومع مجموعة من السجناء السياسيين بحفر نفق يؤدي الى خارج اسوار السجن فاحدث هروبه مع رفاقه ضجة مدوية في ارجاء العراق والدول العربية المجاورة ليتوارى عن الانظار ستة شهور توجه بعدها الى الاهوار (الاحواز) ليعيش مع الفلاحين حتى نهاية العام 1969 حيث صدر عفو عن المعارضين ليعود الى سلك التعليم من جديد، مارس النواب الفن التشكيلي حيث اقام احد معارضه في دمشق والعمل في الاذاعة السورية، له مجموعة شعرية واحدة «الريل وحمد «التي حفظها العراقيون فضلا عن العشرات من القصائد الشهيرة ابرزها المساورة امام الباب الثاني ووتريات ليلية و عروس السفائن.
حوار منسي
في بداية التسعينيات اجرت معه في طرابلس «حميدة نعنع» حواراً لم يتكلم فيه كثيراً ووجد هذا الحوار في كاسيت صوتي باحدى مكتبات شارع المتنبي :
نعنع: هل بقي في قاموس الشعر العربي شتيمة لم تستخدمها في اشعارك؟
النواب : لقد شتمونا بكل تصرفاتهم ، وشعري لا يقتصر على الشتائم فهي تمثل عنصراً منه، اما الجانب الاخر فهو الذي تناول القضايا الانسانية والجمالية والحنين للوطن الذي يسري في دمي.
نعنع : كيف تكتب القصيدة؟ هل هي انفعال / تأمل/ عزلة.؟
النواب : ليست هناك هندسة مسبقة في ذاكرتي لبناء القصيدة هناك شعراء يؤمنون بهذا اما انا فلا اؤمن بهذه القضية، الكتابة بالنسبة لي هي ورقة وطاولة وقلم وهناك مدارس نقدية تعتبر أن الكتابة لا تتعدى ذلك، عملية هندسية مسبقة للحظة الابداع تماماً كما الهندسة التي يخطط لها الرسام للوحدة وفيها يقرر مسبقاً تضاف مع المادة والالوان اما انا فاؤمن بان التداعيات الخلفية الذهنية سواء كانت أيديولوجية او ذات امتداد في التجارب الانسانية الماضية تتداخل بشكل عضوي في اعماق الانسان وفي لحظة الكتابة تخرج الاشياء متكاملة، وهنا اذكر رأيا للشاعر الفرنسي المعروف جان نيرون عندما يقول ان الفنان في تلك اللحظة التي يصنع فيها الالوان والخطوط يكتشف فيها ابعاداً لعمله مضيفا لتلك الابعاد أبعاداً اخرى فتضيئها وهكذا تبدو العجلة الفنية عملا جديا بين روح الفنان وروحه حتى يصل لتلك اللحظة التي يشعر فيها بأن عليه أن يتوقف.
والقصيدة بالنسبة لي تأخذ هذه
الصورة فبعدما ابدأ الكتابة لا أشعر بان
هناك نهاية في العملية
نعنع: ماذا تعني لك اللغة؟
النواب/ قد تلعب اللغة دوراً في الايصال مثل الكتابة السياسية او الصحافية ولكن اشعر المسألة تختلف فالايصال حدس معين وفي هذه الحالة لا تعتبر اللغة مجرد وعاء بقضايا لا معنى لها فالدندنة التي يتكلم عنها لوركا في شعره ولكن ما يمنع ذلك هو اشكالية الجمال لدى المجتمع.
اني لا أومن مطلقاً بلغة مشتركة او مصطلح مشترك للشعر او تجربة واحدة يجب أن يكون لكل شاعر لغته وتجربته.
نعنع/ أضفت ظاهرة جديدة للشعر العربي اوبالاحرى اسلوبا جديدا لانتشاره هي ظاهرة الكاسيت؟
النواب/ هذا صحيح فانتشار الشعر مسجلا على اشرطة حل لي اشكالاً كبيراً هو اشكال الرقابات فالشريط المسجل يمكن ادخاله عبر أي مطار دون ان يتعرض للرقابة يضاف الى ذلك فشعري بهذه الطريقة قد وصل الى ناس كثيرين منهم لا يقرأ ولا يكتب ولكن هذا لا يستغني عن المطبوع.
ولهذا فان قضية طبع الدواوين مسألة ضرورية والنشر عبر الصحافة ضروري ايضاً ولكن السؤال لو طبعت دواويني اوزعها لقد جربت ان انشر قصائدي في العالم العربي وقد منعت في غالبية الدول العربية اما الصحف فهي تابعة للانظمة ولا احد يجرؤ على الكتابة عني ولا على نشر قصيدة لي وقد حصل اكثر في مرة أن اعطيت مقابلة لهذه الصحيفة او تلك وقد نشرت محذوفة منها مقاطع كثيرة لهذا حتى صار لدي رد فعل كبير ولهذا انا ارفض المقابلات الصحفية والتلفزيونية وسواها.
نعنع : الا ترى انك في موقف (دفيكشوتي) واحد ضد الجميع؟
النواب/ نعم الامر كذلك ولا أريد أن يكون العالم على هذه الصورة فالشعر نوع من المصالحة مع العالم بمقدار ما هو غضب فيه نوع من المحبة التي تسعى الى العدالة والحرية والجمال.
نعنع/ ساعيدك الى الوراء ما تأثيرات تاريخك الشخصي عن تكوينك الشعري؟
النواب/ منذ كنت صغيراً كنت اعيش في بيت تملأه الحكمة والعلم والثقافة فعائلتي هاجرت من الحجاز الى الهند أيام العثمانيين فحكمت المقاطعات الشمالية وقاومت الانكليز ثم انتقلت الى العراق وربت اطفالها
على كراهية المحتل فما زلت اتذكر بيتنا القديم وطقوس التراث الشعبي ومواكب عاشوراء والاهازيج كمااتذكر عدد
الغرف الاربعين، وطفل وحيد يهوم حول ابوابها ذلك كنت انا ومنذ ذلك التاريخ البعيد شكلت عندي احاسيس اعمق من الرؤيا العامة للاشباء كذلك تأثيرات والدي وامي التي تعلمت منها سماع وعزف الموسيقى والفن كذلك وتعلمت منها الاِشعار العربية والفرنسية وفي احيان كثيرة كانت تبكي وهي نشد لي الشعر.
السلام عليكم
سؤال بريئ….
ان كانت مقولة التربية ضد المحتل يقصد بها مجرد مزاودات على ابناء الخايبة فتلك شيمة المسقفين (اقصد المثقفين) الشيوعيين في كل الازمنه.
و اما ان كان يقصد بها بنايان شخصيته فلماذا اصر على عدم رجوعه العراق في زمن الحكم الوطني و بماذا يفسر هرولته للعراق بعد الغزو و الاحتلال الفارسي و الامريكي و الاسرائيلي؟ اقصد بعدما ادخل بغداد كل زناة اليل و شاعرنا المحترم جدا اصبح يسترق لصيحات بكارتها
… و حتى لا اكون قد استخدمت قاموس الادب الشيوعي النوابي ارجو الاكمال كلا حسب ذوقه… و الحليم تكفيه الاشارة.
لا بل ماذا نفسرنا نحن بعد ما وجدنا ابطال ( النواب و غيره كثر )الكلام الفاضي يلهفون من مسرح الي مسرح في بغداد الاسيرة بعد ان اغرقها المغتصب باشلاء و جماجم و دماء العراقيين؟
تحياتي لك استاذ حامد
إعجابإعجاب
حياكم الله اخي الكريم…بالنسبة لما ورد في هذا المنشور او منشورات اخرى لا يعبر عن وجهة نظر الموقع و تنشر هذه المنشورات من أجل أن تعم الفائدة وأما الشاعر مظفر النواب و أن كان شيوعي او اسلامي او ليبرالي هذا لا يخصنا و الرجل عبّر عن أرائه و تكلم عن البيئة التي تربى بها عند الطفولة و تذكرها في هذه المقابلة.
اما مكانة الشاعر مظفر النواب كانت و ستبقى عندي شخصيا كبيرة واحترم الرجل الذي ذكر الاحواز وتغزل بها عندما كانت منسية و معتم عليها من قبل العرب خوفا من عظمة الشاه الايراني وعقابه ولم يتجراء احدهم أن يذكرها على لسانه في حين الشاعر مظفر النواب سجل لنفسه موقف مشرف وحضرتك تعرف أن الرجال مواقف و المواقف فرص أخي الكريم.تحياتي لك وشكرا على مرورك
إعجابإعجاب