لن أدعي خبرة استراتيجية واسعة، كي أدرك أبعاد القدرة العسكرية لتنظيم داعش، والتي تمكنت حتى كتابة هذه السطور من السيطرة جغرافيا على مساحة أكبر من دولة الحمدانيين التاريخية، بل إن المساحة تبدو أكبر من بعض الدويلات العربية المعترف بها لدى هيئة الآمم المتحدة.
من هنا اعتقد انه حق مشروع ان نتساءل في هذه الظروف، كيف لجيش عراقي حارب في منطقة الأنبار و لعدة اشهر متواصلة ومن دون هوادة تلك الفئات الضالة من المتطرفين، ثم فجأة وبدون أي مقدمات يهرب و يفر من امامهم بسهولة ليتم تسليم الموصل من غير قتال؟ هل نتحدث عن نفس الجيش في المنطقتين؟. فإذا لم يكن الجيش العراقي الذي قاتل في الآنبار، من اذا؟. ام يا ترى هل كل ما جرى و يجري عبارة عن مقامرة ضخمة من رئيس الوزراء نوري المالكي ليمدد حكمه تحت طائلة قانون الطوارىء و التعبئة العامة؟ و ليضغط في نفس الوقت على الآكراد من اجل تنازلات سياسية كردية؟. طبعا اسئلة برسم الإجابة وستجيب عليها الأيام و تنبئنا بما نجهله!!
من المؤكد أنه عندما ننظر الى العراق و مشاكله فإن حجم المصالح الإيرانية الإستراتيجية هناك أمر لا يمكن تجاهله، ولطالما كان الزمان الإيراني يحلم بالمكان العراقي، و عندما نتكلم عن المصالح الإستراتيجية الآيرانية فلا بد لنا ان نعود الى التاريخ القريب و الإحتلال الأنجلو-امريكي للبلاد.
فمنذ اللحظة الأولى لهذا الإحتلال بدأ النظام الإيراني في حينه التدخل في شوؤن العراق و ذلك من منطلق تحقيق مصالحه الإستراتيجية، و كم كان مثيرا للدهشة تلك المواقف العربية و التي آثرت بل وفضلت بشدة الوقوف موقف المفترج و كأن لا مصالح استراتيجية لها في كل ما يجري.
بصراحة و قد اصبح الآن هذا جزءا من التاريخ، فقد كان كاتب هذه السطور –أيام خدمته الرسمية- من الداعين لتواجد عسكري عربي في العراق ليسارع في الإنسحاب الأنجلو-امريكي ليوفر غطاءا امنيا كمظلة للمرحلة الإنتقالية العراقية، وكانت الإجابات من الأطراف العربية المتعددة مفاجئا وصادما مفاده أنه ليس هنالك مصالح عربية للتدخل!! وأن الموقف ببساطة تحمل كل السخرية والسذاجة سيكون محتواه ان العرب يرفضون التدخل على صهوة الدبابات الأمريكية المحتلة، لكنهم وبنفس الوقت سيكتفون بلعن التدخل الإيراني!!.
اليوم، تظهر تداعيات هذا الاستخفاف السياسي الخطير، والذي لا بد وبالضرورة المنهجية للتاريخ أن تكون محصلته ما نراه اليوم على أرض الواقع ، لا على جغرافيا العراق وحسب، بل على جغرافيا الإقليم كله، لنرى تنظيمات مثل انصار السنة، و القاعدة في بلاد الرافدين، و اخيرا داعش على الساحة العراقية، امتدادا مع السورية وعلى تخوم كل دول الإقليم.
إنني لا أتبنى أيا من التكهنات حول مصادر تمويل تلك التنظيمات ولا من يقف وراءها، وحقا لا اعلم من كان و ما زال وراء هذه التنظيمات، و لكن بمختصر القول، حسب معطيات الراهن من الأحداث، فان كان تواجدها يهدف لمحاربة ايران، فأن ذلك بمنطق رد الفعل الطبيعي سيجلب تدخلا عسكريا ايرانيا في العراق، و ان كانت حصان طروادة الإيراني كما يدعي البعض، فإن هذا بحد ذاته لا يعد إلا تدخلا ايرانيا في العراق.
..حينها، لن أتفهم المشهد بكل التباساته إلا أنه تدخل بمباركة عربية متواطئة مصحوبة ببعض اللعنات لذر الرماد في العيون ورفع العتب القومي لا أكثر!!
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.