يصف الاعلام العربي مشاهد سقوط العواصم العربية في شبك الفرس وحلفائهم من غير العرب على إنها صراعات طائفية طارئة لا يتجاوز عمرها عمر الحرس الثوري الإيراني ولا فيلق القدس الجناح الخارجي لهذا الجيش غير أخذين بعين الاعتبار البعد التاريخي للحركة التوسعية الفارسية والعودة الى الوراء والتمعن بخط سير هذه الحركة الشوفينية التي استهدفت العرب دون غيرهم.
لم تسقط المحمرة عاصمة الشيخ خزعل بن جابر آخر امراء الاحواز عام 1925م على يد الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس ولا على يد ميليشيات شيعية مسلحة موالية للمرشد علي خامنئي مثل ما يروج لسقوط بيروت ودمشق وبغداد وأخيرا صنعاء بل سقطت المحمرة واخواتها الأربعة لانها وقعت في مسار الحملة التوسعية الفارسية التي انطلقت من ماوراء القوقاز في منتصف القرن الرابع قبل الميلاد ووصلت الواحات الإيرانية ومستمرة في توسعها وذلك بحثا عن موارد جديدة كان الفرس يفتقرونها في مواطنهم الاصلية الباردة .
هذه الحملة التوسعية الممنهجة،تعرف في عالم السياسة بالجيو سياسية اي سياسة التوسع والسيطرة على الموارد والارض في أي مكان تستطيع الدولة التوسعية الوصول إليه.
وعلى عكس معظم الدول التي تتخذ القوة العسكرية و الاقتصادية وسيلة للنفوذ والتوسع تعتمد الحركة التوسعية الفارسية االتغلغل والغدر والخيانة وإثارة الرعب وسيلة للتحقيق اهدافها الجيو سياسية. لم تنجح هذه الحركة بعد سيطرتها على الواحات الإيرانية بالتمدد شرقا حيث اصطدمت ببلاد الهند والسند قديما وباكستان حديثا ولا غربا حيث بلاد الاناضول والاتراك لكنها وجدت المناطق الجنوبية أي مواطن الشعوب السامية في مابين النهرين والاحواز والتي انهكتها الحروب والصراعات الاشورية العيلامية هي المناطق الرخوة و الغنية بالموارد في نفس الوقت،الامر الذي أدى الى سقوط مساحات واسعة من المنطقة العربية تحت سيطرت الفرس حتى جاء الاسلام وحرر الكثير من هذه الاقطار العربية من السيطرة الساسانية ولكن بقيّت المناطق العربية مطمعا للفرس وأدرجت في المرتبة الأولى في قائمة جيوسياسية الدولة الفارسية.
فشلت جميع محاولات الفرس المنفردة لاستعادة المواقع العربية التي كانت بحوزتهم قبل تحريرها طيلة عشرة قرون ولهذا لجئ الفرس للاستقواء باعداء العرب والمسلمين ومشاركتهم المكاسب واستمر التحالف الغربي الفارسي منذ القرن الخامس عشر الميلادي حتى يومنا هذا.
من المؤكد أن صنعاء لن تكن آخر العواصم العربية المستهدفة من قبل الفرس وحركتهم التوسعية ذات البعد التاريخي وسيسجل التاريخ سقوط العديد من العواصم العربية وسنشاهد ذلك في السنوات الآتية وليس العقود ولا القرون المقبلة.
انقل لكم ادناه ما كتبه الشاعر و الكاتب العربي عبدالمسيح الانطاكي في صحيفة العمران مطلع القرن العشرين عن الاحواز قبل احتلالها و عن عاصمتها المحمرة وفخامة قصورها و العز الذي كان يعيشه أميرها الشيخ خزعل بن جابر الذي اعتقل على يد الفرس ونقل اسيرا الى طهران وقتل هناك عام 1936م.
لا احمل العرب أسباب سقوط المحمرة واحتلال الاحواز من قبل الدولة الفارسية لكنني أدرج هنا ما كتبه عبدالمسيح الانطاكي عن الاحواز،عسى وأن تكون فيه عبرة لحكام العمارات الشاهقة وأصحاب ناطحات السحاب وأثرياء العرب الخليجيين الذين منشغلين بجني الارباح وتشييد العمارات والفخامة وتعاملوا مع الاحداث العربية دون بُعد نظر وبعصبية ومن منطلق طائفي حيث سهلوا مهمة الفرس وسقطت العواصم العربية الأربعة نتيجة جشعهم و طمعهم وفساد افكارهم وسوء تدبيرهم.
اليكم النص الذي كتبه الانطاكي:
« …و سمو مولانا المعزّ ، اعزّه الله بالإسلام ، هو أوّل من أدخل التنظيمات الحديثة علی الامارة ، فتری القصر العالي ، کاعظم قصور الملوک في البلاد الراقية ، ، سواء في أبنيته الفاخرة ، أو في رياشه الثمين ، بل من المؤکد ان مايوجد في القصر العالي ، من الطنافس المزرکشة بالذهب ، و من الآنية الذهبية المرصعة بالأحجار الثمينة ، من صنع الصناع الايرانيين ، قلما يوجد في قصر من قصور الملوک ، و هو لو وجد في اوروبا ، لضمَّ إلی متاحفهم الأثرية ، و عرضوه في معارضهم لترقية الصناعة الأروبية ، نعم لا ننکر أن الصناعة في اوروبا ، في منتهی الدقة و البراعة ، بفضل ما اکتسبه الاوربيون من الصنائع الاسلامية الشرقية ، الا انهم حتی الآن في کثير من الصنائع الدقيقة ، لم يبلغوا مبلغ أهل الشرق ، مما أقرّ به علماؤهم ، و اصبح حقيقة منزهة عن شوائب الريب .
و مائدة سموه علی صنفين صنف علی الطراز الشرقي ، و طهاته من العرب و الفرس ، و صنف علی الطراز الأوروبي و طهاته من الهنود ، و کذلک الحال في قصره العالي ، فان بعض الغرف مفروشة علی الطراز الاوروبي و بعضها علی الطراز الشرقي ، برياش هو من رياش الملوک ، فلايستغرب وجوده عند الملوک .
و لدی سموه موسيقی عسکرية کاملة العدد و الأدوات ، و الموسيقيون من حرس سموه الخاص ، و هم من العجم و العرب ، و هذا الجوق في کل مساء يشنف الأسماع بأنغتمه المطربة في الحديقة الخزعلية بجوار القصر الخزعلي العالي .
و اعمال الإمارة و ادارتها ، مع ادارة الأملاک الخزعلية الخاصة ، موزعة علی رجال أکفاء مخصوصين ، تحت مناظرة و اشراف سموه ، فأعمال الإمارة الخارجية ، منوطة بحضرة الوزير الکبير ، سعادتلو افندم الميرزا حمزه خان ، و اعمال الإدارة الداخلية منوطة بحضرة الوزير الکبير، رئيس التجار الحاج محمد علي خان ، و مناظرة مدينة المحمرة ، و الاشراف علی تنظيماتها ، منوطة بحضرة الفاضل الهمام ناصر التجار ، الوزير عبدالمجيد خان ، و هکذا بقية مصالح الإمارة و أشغالها ، هي في أيدي الأکفاء من الموظفين .
أما قيادة الجيش العامة فهي بعهدة سموه خاصة الا أن لديه قواداً أبطالاً ، متوزعين بأطراف الإمارة ، أشهرهم و أعظمهم ، سمو الشيخ حنظل خان ، ابن أخي سموه المرحوم المبرور الشيخ محمد خان ، و هو حاکم النصرية الآن ، و لدی سموه أيضاً قائد باسل شجاع ، هو جناب السردار المکرم ، و جنابه دائماً أبداً ، محافظا علی حدود الإمارة يتنقل بأطرافها .
و الجندية هناک عامة جهادية ، بحيث في وقت الحرب ، يخرج للوغی کل قادر علی حمل السلاح ، و رجال القبائل الخاضعة لسموه ، مسلحون بالسلاح الکامل ، من الطراز الحديث ، و عدا ذلک فالجبخانه الخزعلية العامرة ، ملأی بالذخائر و الأسلحة ، استعداداً للطواري ، و حفظاً لسلامة البلاد و راحتها .عبدالمسيح أنطاکي – مجلة العمران المصرية.»
مصدر النص التاریخي مدونة فلاحیتي
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.