/تتكون التركيبة السكانية الإيرانية من أقوام مختلفة كالفرس والأذريين والعرب والأكراد والبلوش والتركمان وبعض القوميات الأخرى، لكن الحكومات المركزية لم تحترم هذا التنوع القومي والمذهبي منذ تأسيس دولة إيران الجديدة في مطلع العقد الثالث من القرن المنصرم، ولا توجد أي رؤية واضحة أو استراتيجية مشخصة لإعطاء الحقوق الاجتماعية والثقافية والدينية للشعوب والأقوام التي تسكن إيران. وتتعامل الحكومات المركزية على أساس قواعد الثقافة واللغة الفارسية والمذهبي الشيعي مع جميع سكان إيران ولا تعترف بأي شكل أو مستوى من الحقوق لهذه الشعوب والقوميات.
تسكن غالبية أكراد إيران في مناطق غرب وشمال غرب هذا البلد والمحاذية لتركيا والعراق وشمال شرق إيران في محافظة خراسان. وتُقدر مساحة هذه المناطق في غرب إيران بين 70 إلى 100 ألف كيلو متر مربع وفي شمال شرق إيران ما يقارب 80 ألف كيلو متر مربع. ويتراوح عدد أكراد إيران بين 7 إلى 8 مليون حسب التقديرات غير الرسمية المختلفة. أكثر أكراد إيران هم من أهل السنة ويتبع جزء من أكراد منطقة كرمانشاه في الغرب وشمال شرق إيران المذهب الشيعي. يتكلم أكراد غرب إيران باللغة الكردية السورانية وأكراد خراسان باللغة الكرمانجية وأكراد كرمانشاه باللغة الفارسية.
شهد الحراك التحرُّري الكردي خلال السنوات المئة الأخيرة الكثير من الصعود والهبوط، لكن لم يتغير غياب التجاوب والتفاهم من قِبَل النخب السياسية والثقافية الحاكمة في البلاد. كان للأكراد كيانهم المستقل قبل تأسيس دولة إيران في الجغرافيا الحالية، وهاجم رضا خان البهلوي، ملك إيران الأسبق، الأكراد في عام 1925 وضم أراض كردية لجغرافية إيران الجديدة. وتمكن الحزب «الديموقراطي لكردستان إيران» بدعم من جيش الاتحاد السوفييتي السابق أن يؤسس حكومة مستقلة كردية باسم «جمهورية كردستان» على جزء من أراضي كردستان إيران في عام 1946. وبعد حصول توافق بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة آنذاك، تمكن الجيش الإيراني وبدعم من الولايات المتحدة أن يسقط جمهورية كردستان بعد 11 شهر من تأسيسها، وتم إعدام قاضي محمد والكثير من كوادر وقادة أكراد إيران واستمرت هذه الإعدامات وقمع النشطاء الأكراد لفترات زمنية طويلة.
ومنذ أواسط القرن العشرين بدأت ظاهرة التحزب بالنمو بين الأكراد بشكل عام ومنهم أكراد إيران وسببت هذه الظاهرة في تغيير مستوى المطالبات السياسية للأكراد وتخلت الكثير من الأحزاب والحركات الكردية في إيران عن فكرة الاستقلال وبناء كيان ودولة مستقلة خلال العقود الأخيرة. وانخرطت شرائح من النخب في العملية السياسية الرسمية الحاكمة وحاولت هذه المجموعات من خلال الطرق السياسية والقانونية الحصول على الحقوق الثقافية والاجتماعية عبر تخليها العملي من مطالباتها السياسية. واتخذت الأحزاب والحركات الكردية موقفا معتدلا في أساليب الكفاح، بعد دخولها لمرحلة التحزب، لكن كل هذه الأساليب لن تؤثر على كيفية تعامل النظم الحاكمة، وبالعكس ازداد العنف والمضايقات بشكل كبير خلال فترة العقد الأخير وبعد غزو العراق وتطورات الساحة الكردية في تركيا.
تمكنت الأحزاب والمجموعات الكردية أن تحقق بعض النجاحات الداخلية وتنظم بعض النشاط والتحرك الشعبي، لكن لم تتمكن من تغيير الظروف الثقافية والسياسية والاجتماعية المأساوية المسيطرة على الشعب، بسبب عدم إعتراف الحكومة المركزية بالأحزاب الكردية منذ تأسيسها إلى الآن، ومنع أي تحرك أو نشاط بشكل قانوني ومعلن. ونظراً لهذا الواقع، تحولت الأحزاب والحركات الكردية إلى مجموعات محضورة والعضوية فيها أو التعامل معها يستوجب عقوبة الإعدام أو السجن لفترات زمنية طويلة.
إحد أساليب الحكومة الإيرانية لمواجهة أكراد إيران هي الترويج للنظرية القائلة بضرورة إنفصال مصير أكراد إيران عن مصير الأكراد في العراق وتركيا بشكل جذري ومبدئي. ولكن من المنطقي ان يتأثر اكراد إيران بمجريات الساحة الكردية سواء في العراق أو تركيا.
النتيجة، نظراً لتاريخ القضية الكردية وكفاح الشعوب غير الفارسية في إيران واستراتيجيات الحكومة المركزية الإيرانية تجاه هذه الشعوب، لا يوجد أي أمل لبعض الحلول البسيطة أو اعطاء بعض الحقوق القليلة التي تم الاعتراف بها في الدستور الإيراني كحق التعليم والتدريس باللغة الأم. وعلى العكس تعتمد الحكومة الإيرانية في مواجهة المطالبات الشعوب غير الفارسية على سياسة منع تدفق المياه من المصب! ولو كان ثمنها عدم تطبيق بعض بنود دستور البلد.
المصدر:القدس العربي
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحب المقال
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.