الشعر الشعبي لعرب  الاحواز ومشکلة المضمون/ بقلم:عقیل تاسائی

الشاعر الفقيد مله فاضل السكراني والشاعر ابو امجد الحيدري
الشاعر الفقيد مله فاضل السكراني والشاعر ابو امجد الحيدري

کثیراً ما نسمع اشعار حین نکون فی مناسبات اجتماعیة مختلفة و بعض من هذه اشعار ذات مضامین تحرض علی الثأر القبلی و الصراع و الاعتداء أو بعبارة إخری انصر أخاک ظالما أو مظلوماً دون ای تفکیر و مراجعة و قبل أن یتبین صاحب الحق! کثیرة مثل هذه الاشعار فی مجتمعنا و یتم تداولها احیاناً دون الانتباه الی مضمونها فی مناسبات مثل الاعراس أو مجالس العزاء و غیره من المناسبات الاجتماعیة و الغایة من هذه الاشعار هو ترسیخ ثقافة القبلیة ألتی عفی علیها الزمن إلا أن اعراضها لازلت باقیة تفتک بجسد المجتمع مثل مرض صعب العلاج و تسبب شتی الالام و المعاناة مثل الصراعات القبلیة التی ربما تنشب لاسباب تافه جدا و یروح ضحیتها ناس ابریاء و جرائم الشرف المؤسفة و غیرها من المشاکل التی نراه أو نسمع عنها هنا و هناک فی الصحف أو احصائیات و تقاریر وزارة العدل.

المؤسف و المؤسف حقا فی هذا المجال أن نری أن الشعر و الادب الذی من المفروض أن یکون وسیلة للنهوض بالمجتمع و خلاصه من المشاکل و الوصول به الی حیاة افضل و اکثر سعادة و عقلانیة، أن یتحول إلی العکس من ذلک فیصبح الشاعر و الذی یعبر عنه بضمیر المجتمع داعیاً إلی ثقافة منحطه و سلوک غیر حضاري و متخلف.

طبعاً لانرید أن ننفی الشعر الشعبی و لا نرفضه و لکن المقصود أن یکون هذا الشعر یحمل رسالة تنیر الطریق لابناء المجتمع و تدعوهم إلی تبنی ثقافة و سلوک عصری و حدیث یتلاءم مع الحیاة المدنیة الحدیثة کما أنه علی الشاعر أن یتصدی لکل ما یسبب للناس من اذی و تقهقر و تخلف، فالشاعرهو الشمعة التی تضئ الظلمات و الشعر هو تلک الطریقة الجمیلة و المفعمة بالاحاسیس المرهفة ألتی یعبر بها الشاعر عما یدور فی داخله و یصوره بالکلمات و موسیقی الشعر لیجعل المستمع یتأثر تأثراً یدفعه إلی ترسیخ أو مراجعة ما عندة من افکار و معتقدات و آراء.

و هنا المشکلة تکمن فی علاقة الشاعر بالشعر فکما هو معلوم عند الجمیع أن مهمة الشاعر کأی مثقف أن یأتی بأسالیب جدیدةل لتعامل مع ای ظاهرة و یبتدع انماط حدیثه تعالج المشاکل او ظاهرة ما باسلوب یختلف عن ما عرف من قبل و هذا ینطبق علی الشعر و الشعراء الشعبیین ایضاً. فالشعر الشعبی لیس کما یدعی البعض علی أنه شعر قدیم و دون قیمه ادبیه و یجب أن لا یهتم به أحد و أنما الشعر الشعبی اسلوب للتعبیر عن الاحساس بطریقة قریبة لمشاعر الناس بمختلف فئاتهم العمریة و مراتبهم العلمیة و المهنیة و لایکاد یفصل ما ینظم فی الشعر الشعبی مهما کان نوعه ابوذیة أو موال او دارمی و غیره من الشعر عن ما یدور فی خلد و اذهان الناس شئ لانه کلماته و تعابیره جمیعها من حدیث الناس الیومی و حواراتهم التی تدور فی الاسواق و الازقة و الشوارع، فمن منا یجد صعوبة فی فهم بیت دارمی أو ابوذیة؟! لاشک لا أحد هناک لا یستمتع فی الشعر الشعبی و حتی الاطفال یحبون و یرددون اشعار شعبیة لذلک ما أن یخلون الی أنفسهم حتی یبداؤن ینشدون اناشیدهم و اشعارهم مثل: “امطری امطری حیل و حیل باجر نکرب علی الخیل…” و “هل اهلال العید..” و” قرقیعان و قرقیعان”.

بعد ما عرفنا أهمیة الشعر الشعبی و مکانته و اهمیته فی المجتمع، صار من الضروری أن نلقی نظرة علی مضامین هذا الشعر و الرسالة ألتی یحملها هذا الفن الجمیل. نظراً لقلة أو انعدام الامکانیات الثقافیة التی تحول الفنون باشکالها المختلفة حتی تصبح ملائمة للزمان و المکان،بقی الشعر الشعبی فی الاحواز، شعرا جمیلا من ناحیة النظم و طریقة التعبیر و لکن من ناحیة المضمون لم یتحول کما یجب و بقی یحمل رواسب من القبلیة و التخلف فی داخله. و لانرید نکر هنا، جهود بعض الشعراء الشعبیین مثل ملافاضل السکرانی الله یرحمه فی تطویر الشعر الشعبی من ناحیه النظم و المضمون لکن بسبب عدم مساهمة جمیع الشعراء، هذه الجهود لم تکن کافیة لتحول الشعر الشعبی بصورة کاملة. و ربما یمکننا القول علی أنه فات الشاعر أن یکون مثقفاً ایضا و یصنع من الشعر جسراً و سلماً لرقي و تطور المجتمع. فالشاعر یجب أن یکون مطلعا علی الثقافة الجدیدة مثل علم الاجتماع و علم النفس و غیره من العلوم اطلاعا کافیاً یمکنه من مکافحة و معالجة امراض المجتمع.

و من هنا ربما یمکننا فهم ما یجب علی الشاعر فعله، لذلک یجب أن نضیف أن الشاعر لا یکتمل شعره إلا اذا رفع رایة التنویر التی تغییر المجتمع و تؤسس فیه لقیم انسانیة صحیحة تتلاءم مع حیاة الانسان العصري الحدیثة. فالشعر هو رسالة الاحساس التی یصوغ کلماتها الشاعر بعنایة لیرسم بریشة الکلمات المفاهیم و التعابیر المفیدة و النافعة و المعبرة لترسخ قناعة فی ذهن السامع أو القارئ لتنعکس فیما بعد علی اخلاقه و تصرفاته فی المجتمع فتتجلی فی التوجه نحو الافعال الحمیدة و الغایات النبیلة و الاتبعاد و تجنب ما هو تافه و مضر من تصرفات!

فأبیات الابوذیة و الموال و الدارمي و القصائد الشعبیة یجب أن تکون حاملة لرسائل تخدم الانسان و تقوی فی داخله الاخلاق و القیم الجمیلة و لذلک یجب علی الشاعر أن یراجع افکاره و قناعاته قبل أن ینشد او ینظم أی شئ، فدعوة الناس إلی الثأر القبلي و حثهم علی قتال بعضهم و الاعتداء علی الاخرین و التعبیر عن ذلک فی قالب الشعر، لایعد تجاوزاً علی الشعر نفسه و حسب و أنما یشکل خطراً علی المجتمع و ابناءه. فالشاعر باعتباره ضمیر المجتمع و شمعته المضیئة یجب أن یدعو إلی ما ینفع الناس و یعززبعقله و حکمته الاخلاق الجمیلة و الخصال الحمیدة ویصوره تصویراً رائعا یعجب القارئ او السامع لیقوی فیه مقاصد الخیر و السلوک الصحیح فی الحیاة الیومیة.

مصدر المقال:موقع بروال

كارون الثقافي: مع تقديم جزيل الشكر والتقدير لكاتب هذا المقال ولموقع بروال تم  وضع تسمية الاحواز بدل غيرها من التسميات الأجنبية في المقال.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: