
کثیراً ما نسمع اشعار حین نکون فی مناسبات اجتماعیة مختلفة و بعض من هذه اشعار ذات مضامین تحرض علی الثأر القبلی و الصراع و الاعتداء أو بعبارة إخری انصر أخاک ظالما أو مظلوماً دون ای تفکیر و مراجعة و قبل أن یتبین صاحب الحق! کثیرة مثل هذه الاشعار فی مجتمعنا و یتم تداولها احیاناً دون الانتباه الی مضمونها فی مناسبات مثل الاعراس أو مجالس العزاء و غیره من المناسبات الاجتماعیة و الغایة من هذه الاشعار هو ترسیخ ثقافة القبلیة ألتی عفی علیها الزمن إلا أن اعراضها لازلت باقیة تفتک بجسد المجتمع مثل مرض صعب العلاج و تسبب شتی الالام و المعاناة مثل الصراعات القبلیة التی ربما تنشب لاسباب تافه جدا و یروح ضحیتها ناس ابریاء و جرائم الشرف المؤسفة و غیرها من المشاکل التی نراه أو نسمع عنها هنا و هناک فی الصحف أو احصائیات و تقاریر وزارة العدل.
المؤسف و المؤسف حقا فی هذا المجال أن نری أن الشعر و الادب الذی من المفروض أن یکون وسیلة للنهوض بالمجتمع و خلاصه من المشاکل و الوصول به الی حیاة افضل و اکثر سعادة و عقلانیة، أن یتحول إلی العکس من ذلک فیصبح الشاعر و الذی یعبر عنه بضمیر المجتمع داعیاً إلی ثقافة منحطه و سلوک غیر حضاري و متخلف.
طبعاً لانرید أن ننفی الشعر الشعبی و لا نرفضه و لکن المقصود أن یکون هذا الشعر یحمل رسالة تنیر الطریق لابناء المجتمع و تدعوهم إلی تبنی ثقافة و سلوک عصری و حدیث یتلاءم مع الحیاة المدنیة الحدیثة کما أنه علی الشاعر أن یتصدی لکل ما یسبب للناس من اذی و تقهقر و تخلف، فالشاعرهو الشمعة التی تضئ الظلمات و الشعر هو تلک الطریقة الجمیلة و المفعمة بالاحاسیس المرهفة ألتی یعبر بها الشاعر عما یدور فی داخله و یصوره بالکلمات و موسیقی الشعر لیجعل المستمع یتأثر تأثراً یدفعه إلی ترسیخ أو مراجعة ما عندة من افکار و معتقدات و آراء.
و هنا المشکلة تکمن فی علاقة الشاعر بالشعر فکما هو معلوم عند الجمیع أن مهمة الشاعر کأی مثقف أن یأتی بأسالیب جدیدةل لتعامل مع ای ظاهرة و یبتدع انماط حدیثه تعالج المشاکل او ظاهرة ما باسلوب یختلف عن ما عرف من قبل و هذا ینطبق علی الشعر و الشعراء الشعبیین ایضاً. فالشعر الشعبی لیس کما یدعی البعض علی أنه شعر قدیم و دون قیمه ادبیه و یجب أن لا یهتم به أحد و أنما الشعر الشعبی اسلوب للتعبیر عن الاحساس بطریقة قریبة لمشاعر الناس بمختلف فئاتهم العمریة و مراتبهم العلمیة و المهنیة و لایکاد یفصل ما ینظم فی الشعر الشعبی مهما کان نوعه ابوذیة أو موال او دارمی و غیره من الشعر عن ما یدور فی خلد و اذهان الناس شئ لانه کلماته و تعابیره جمیعها من حدیث الناس الیومی و حواراتهم التی تدور فی الاسواق و الازقة و الشوارع، فمن منا یجد صعوبة فی فهم بیت دارمی أو ابوذیة؟! لاشک لا أحد هناک لا یستمتع فی الشعر الشعبی و حتی الاطفال یحبون و یرددون اشعار شعبیة لذلک ما أن یخلون الی أنفسهم حتی یبداؤن ینشدون اناشیدهم و اشعارهم مثل: “امطری امطری حیل و حیل باجر نکرب علی الخیل…” و “هل اهلال العید..” و” قرقیعان و قرقیعان”.
بعد ما عرفنا أهمیة الشعر الشعبی و مکانته و اهمیته فی المجتمع، صار من الضروری أن نلقی نظرة علی مضامین هذا الشعر و الرسالة ألتی یحملها هذا الفن الجمیل. نظراً لقلة أو انعدام الامکانیات الثقافیة التی تحول الفنون باشکالها المختلفة حتی تصبح ملائمة للزمان و المکان،بقی الشعر الشعبی فی الاحواز، شعرا جمیلا من ناحیة النظم و طریقة التعبیر و لکن من ناحیة المضمون لم یتحول کما یجب و بقی یحمل رواسب من القبلیة و التخلف فی داخله. و لانرید نکر هنا، جهود بعض الشعراء الشعبیین مثل ملافاضل السکرانی الله یرحمه فی تطویر الشعر الشعبی من ناحیه النظم و المضمون لکن بسبب عدم مساهمة جمیع الشعراء، هذه الجهود لم تکن کافیة لتحول الشعر الشعبی بصورة کاملة. و ربما یمکننا القول علی أنه فات الشاعر أن یکون مثقفاً ایضا و یصنع من الشعر جسراً و سلماً لرقي و تطور المجتمع. فالشاعر یجب أن یکون مطلعا علی الثقافة الجدیدة مثل علم الاجتماع و علم النفس و غیره من العلوم اطلاعا کافیاً یمکنه من مکافحة و معالجة امراض المجتمع.
و من هنا ربما یمکننا فهم ما یجب علی الشاعر فعله، لذلک یجب أن نضیف أن الشاعر لا یکتمل شعره إلا اذا رفع رایة التنویر التی تغییر المجتمع و تؤسس فیه لقیم انسانیة صحیحة تتلاءم مع حیاة الانسان العصري الحدیثة. فالشعر هو رسالة الاحساس التی یصوغ کلماتها الشاعر بعنایة لیرسم بریشة الکلمات المفاهیم و التعابیر المفیدة و النافعة و المعبرة لترسخ قناعة فی ذهن السامع أو القارئ لتنعکس فیما بعد علی اخلاقه و تصرفاته فی المجتمع فتتجلی فی التوجه نحو الافعال الحمیدة و الغایات النبیلة و الاتبعاد و تجنب ما هو تافه و مضر من تصرفات!
فأبیات الابوذیة و الموال و الدارمي و القصائد الشعبیة یجب أن تکون حاملة لرسائل تخدم الانسان و تقوی فی داخله الاخلاق و القیم الجمیلة و لذلک یجب علی الشاعر أن یراجع افکاره و قناعاته قبل أن ینشد او ینظم أی شئ، فدعوة الناس إلی الثأر القبلي و حثهم علی قتال بعضهم و الاعتداء علی الاخرین و التعبیر عن ذلک فی قالب الشعر، لایعد تجاوزاً علی الشعر نفسه و حسب و أنما یشکل خطراً علی المجتمع و ابناءه. فالشاعر باعتباره ضمیر المجتمع و شمعته المضیئة یجب أن یدعو إلی ما ینفع الناس و یعززبعقله و حکمته الاخلاق الجمیلة و الخصال الحمیدة ویصوره تصویراً رائعا یعجب القارئ او السامع لیقوی فیه مقاصد الخیر و السلوک الصحیح فی الحیاة الیومیة.
مصدر المقال:موقع بروال
كارون الثقافي: مع تقديم جزيل الشكر والتقدير لكاتب هذا المقال ولموقع بروال تم وضع تسمية الاحواز بدل غيرها من التسميات الأجنبية في المقال.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.