العرب وإيران.. إلى أين؟ (الجزء الأول والثاني)/ بقلم: عبدعلي الغسرة

عبدعلي الغسرةصحيفة البلاد البحرينية– في عام 1979 أرسل أصحاب الجلالة والسمو ملوك وأمراء ورؤساء أقطار الخليج العربي برقيات التهنئة إلى حُكام إيران الجُدد بعد انتهاء العهد الشاهنشاهي، آملين أن يكون مجيء النظام الإيراني الجديد بوابة خير وسعادة للشعب الإيراني، ومُتخليًا عن دور الشرطي في مياه الخليج العربي، وابتعاده عن الرهانات غير المحسوبة. وقد جاءت الحكومة الإيرانية في أيامها الأولى متمسكة بالأعراف والمبادئ الدولية في علاقاتها الخارجية، مؤيدة للحق الفلسطيني ومُعلنة عن تخليها عن الدور الشرطي في المنطقة وانسحبت من الحلف المركزي “الناتو”، كما ألغت العديد من الصفقات الأمريكية الخاصة بالأسلحة. ولم تسر الرياح بما تشتهي السُفن، فبعد فترة وجيزة تصدرت الصحف الإيرانية والإعلام الإيراني تصريحات من بعض رموز النظام الإيراني والمقربين جدًا جدًا من بيت الحُكم الإيراني. وهذه التصريحات تمس سيادة وهوية أقطار الخليج العربي ولا تختلف عن أهداف ومعاني تصريحات الشاه الإيراني الراحل، بل هي أكثر توجهًا منه. وكالعادة يَصدِر مع كل تصريح إيراني نافذ تصريح رسمي مُلحق يَدعي “بعدم مسئولية البيت الإيراني الحاكم عن هذه التصريحات”، وأن إيران لا تعتزم في التدخل في الشؤون الداخلية لأي قطر عربي في الخليج العربي، وليس لديها أطماع ولا تسعى للتوسع ولا ترغب في القيام بدور رجل الشرطة في الخليج العربي ولا في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن الله أراد أن يظهر حقيقة هذا النظام ونياته، فكانت البداية حربها على العراق في عام 1981؛ لأن العراق (سابقًا) هو النظام الأقوى في المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، إضافة للثأر الإيراني التاريخي من العراق الذي تسبب في هزيمتها في القادسية الأولى. هذه الحرب دَشنت مُتغيرًا جديدًا في أمن النظام الإقليمي في منطقة الخليج العربي؛ كونها البوابة الأولى التي بدأ فيها الحُكم الإيراني العمل؛ من أجل تحقيق أهدافه التوسعية، فالعراق يعتبر البوابة الشرقية للوطن العربي، وهو الجدار الذي (كان) يحمي أقطار الخليج العربي من التوسع والابتلاع الإيراني لها. فبموجب الأخوة العربية والمصير المشترك وحماية للأمن العربي في الخليج العربي وقفت أقطار الخليج العربي مع العراق ومَدَته بما يحتاج من المساعدات بالرغم من التهديدات النارية الإيرانية التي قالت إنها “ستجعل جبهة القتال تمتد إلى تلك المناطق”. في هذا الوقت بدأت هذه الأقطار خطواتها الأولى في إنشاء منظمة “مجلس التعاون لأقطار الخليج العربي”. بين تصريح مُفتز وآخر ترسل الحكومة الإيرانية أحد مبعوثيها للأقطار العربية؛ لتقديم الاعتذارات والادعاء بالالتزام بحُسن الجوار والأخوة “الإسلامية”، ولكن آثار هذه الزيارات تنتهي بعد مغادرة هذا المبعوث وغيره. وبخاصة تصريحاته بتبعية البحرين للإمبراطورية الإيرانية.
وما يجعل من النظام الإيراني لا يكل ولا يمل من تهديد جيرانه العرب هو الفراغ الذي تركه العرب في هذه المنطقة، فقد وظفت الحكومات الإيرانية المُتعاقبة هذا الفراغ؛ لفتح علاقات إيرانية – عربية، وإيرانية – دولية، والعمل على تطوير شبكة علاقاتها الإقليمية ودعم علاقاتها الدولية في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، مُستفيدة من التفتت العربي والعلاقات العربية المتقطعة البينية، ومن أخطاء ونزوات الولايات المتحدة الأمريكية. واستطاعت أن تعقد صفقات واتفاقات وشراكة سياسية وأمنية مع واشنطن وعواصم الغرب على حساب القضايا العربية المصيرية في فلسطين ولبنان والعراق والسودان وفي الجزيرة العربية، وقد أفلحت في ذلك، بينما لا تنال العواصم العربية إلا التأييد المعنوي والمؤازرة الغربية وبما يُسمى اجتماعيًا “الضحك على الذقون”.
لذا، استطاع النظام الإيراني أن يَرهن سكوته وتهديداته بإنشاء منظمات وأحزاب عربية تكون له قاعدة وملفًا في تلك الأقطار، حزب الله في لبنان، حماس وجهاد في فلسطين، حزب الدعوة في العراق الذي انتشر في أقطار الخليج العربي، ووقوفه عسكريًا مع الجيش السوري وأخرًا وليس أخيرًا .. الحوثيين في اليمن، مع محاولاته البائسة في نشر مبادئ التشيع في المغرب العربي والسودان ومصر وفي عدد من الدول الإفريقية والأمريكية الجنوبية. ويأتي البرنامج النووي الإيراني كأداة رئيسة في هذا المجال؛ من أجل اكتساب قاعدة عِلمية متطورة واستخدامها في تهديداته وتحقيق أطماعه وتوسعاته في المنطقة، في الوقت الذي تشهد فيه الكثير من المناطق والمحافظات الإيرانية انتكاسة تنموية ويَعيش أفرادها في الفقر المقذع. هذا في الوقت الذي لا يملك فيه أي قطر عربي أية خطوة نووية تذكر.

الجزء الثاني

لقد عمل النظام الإيراني منذ استلامه السلطة بقوة وبفعالية على توظيف كل ما يَمتلك من الأوراق الإقليمية التي منحته نفوذًا وتأثيرًا حقيقيًا في مختلف الملفات الإقليمية وفي سائر القضايا في منطقة الشرق الأوسط، في الوقت الذي فقدت فيه الأنظمة العربية الكثير من المشاريع السياسية وتفككت العديد من التحالفات البينية، وبخاصة منظمة “جامعة الدول العربية” التي انتكس دورها وثبت عجزها في تحقيق أهدافها، وتسير من سيئ إلى أسوأ، إضافة إلى المنظمات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية التي تصدأت وفقدت أسباب وجودها.
فاليوم النظام الإيراني يستخدم نظرية النظام الأمريكي نفسها في البحث عن حكومات داعمة لأهدافه في المنطقة العربية، فالنظام الأمريكي يبحث عن الديمقراطيين والنظام الإيراني يعطي الولاية والقيادة في الأقطار العربية للطائفيين، كما فعل ويفعل في عدد من الأقطار العربية، فمبادئه وآرائه تسير في لبنان عن طريق حزب الله اللبناني، وفي العراق لابد وأن تكون الحكومة العراقية بقيادة حزب الدعوة وكذلك نائب الرئيس وقيادات الأمن العسكري (الداخلية والدفاع) أحدهم من هذا الحزب والآخر من الحزب الطائفي الآخر، وفي اليمن يحتل الحوثيون جزءًا كبيرًا من العاصمة اليمنية ويأتمرون بأمر طهران، وقواته تحارب بجانب الجيش السوري، في الوقت الذي مازالت إيران تحتل إقليم الأحواز العربي منذ عام 1925م والجزر العربية الثلاث منذ عام 1971م، ومازالت بين فنية وأخرى تطالب بالأراضي البحرينية. ويأتي هدف هذا كله من تحقيق الحُلم الإمبراطوري الفارسي المُمتد من “الفرات حتى مياه الخليج العربي”، وهو يتفق مع شعار العدو الصهيوني من “نهر الفرات حتى نهر النيل”، فالأول هدفه تفريس المنطقة العربية، والثانية صهينتها.
إن العدو الصهيوني في الوسط العربي وإيران في شرقه يُحققان الأهداف الأمريكية، وتتلاقي واشنطن وطهران وتل أبيب في العمل ضد المصالح العربية وقهرها، فإيران تحتل جزءًا من الأراضي العربية كالعدو الصهيوني، وتمارس إيران القتل المُمَنهج ضد الشعب العربي الأحوازي والعراقي كما يفعل العدو الصهيوني في فلسطين، وأمريكا تمد العرب بالأسلحة لا لكي يُدافعوا عن أنفسهم، بل ليتقاتلوا وعلى سبيل المثال. السودان والإخوان المسلمون والسوريون والحوثيون، وإيران تمد بعض العرب الأسلحة لكي يتقاتلوا وعلى سبيل المثال. حماس والإخوان المسلمون والحوثيون والسوريون. فأين تكمن العداوة بين واشنطن وطهران؟ كيف يكونون أعداءً وهم متفقون على العرب وقتلهم؟
ورقة أخرى يلعب بها النظام الإيراني ألا وهي القضية الفلسطينية، وإيران تستخدم هذه الورقة لأسباب سياسية وليست دينية ولا عقائدية، بل بناء على حسابات الأمن القومي الإيراني وأهدافه، فبعد محاولات إيرانية يائسة لاحتواء منظمة التحرير الفلسطينية قامت بتأسيس منظمة “حماس” ومدتها بما تحتاجه من المال والعتاد، هل هذا من أجل تحرير فلسطين؟ أم من أجل تفتيت القضايا العربية؟ فهل حماس قامت بمحاربة العدو الصهيوني وتحرير أراضي فلسطين؟ أم إنها قامت وبأوامر من طهران وبالاتفاق مع العدو الصهيوني باحتلال قطاع غزة المُحتلة؟ هذا الفعل الحماسي الإيراني الصهيوني أدى إلى زرع فتيل النزاعات الفلسطينية، في الوقت الذي ناهضت فيه إيران الأقطار العربية التي وقعت اتفاقات السلام مع العدو الصهيوني!
أين العرب من الممارسات السياسية والعسكرية الإيرانية في أقطارنا العربية السابقة منها واللاحقة؟ فهل الدور الإيراني في منطقتنا العربية يُمثل إضافة أو انتقاص من الدور العربي وقضاياه القومية؟ إن أي مُمارسة إيرانية كانت سياسية أو اقتصادية أو عسكرية تمثل انتقاص من الدور العربي وقضاياه القومية، ويُمثل تدخلا سافرا في شؤون العرب القومية، ويُضعف كثيرًا من الأمن القومي العربي. ولا يجدر بأقطارنا العربية وحكوماته وقياداته السياسية أن تذعن أو تخاف من أي ممارسة إيرانية، فأطماع إيران كثيرة ولن تنتهي إلا بابتلاع الجزيرة العربية، فمطامعها ليست بإسلامية ولا بشيعية، بل إنها مطامع فارسية تستهدف القضاء على الهوية العربية في منطقة الخليج العربي، وما حدث ويحدث لإقليم الأحواز العربي نموذج للاحتلال الإيراني. وما يحدث بين واشنطن وطهران هو صراع وتنافس حول المصالح في منطقة الخليج العربي وفي المنطقة العربية.
والآن ماذا يمكن للعرب أن يفعلوا أمام تزايد المصالح الإيرانية ونفوذها في منطقتنا؟ فلدى إيران العديد من الأوراق التي استخدمتها وتستخدمها لخلق بيئة إقليمية مؤتية أكثر لمصالحها السياسية والمذهبية، فكيف يستطيع العرب أن يصونوا أقطارهم من السياسة الإيرانية؟ وكيف يمكنهم أن يُحافظوا على هويتهم العربية؟ العرب لا يملكون القوة ولا يسمح لهم الغرب بامتلاكها، لديهم النفط، لكن لا يملكون مفاتيح استخدامه، لديهم الأموال وأكثرها في مصارف الغرب ومؤسساته المالية، ماذا نملك لنحافظ على أنفسنا وعلى عروبتنا وعلى ما تبقى من ثرواتنا؟ كيف سنحمي شعبنا أمام كل هذه التهديدات التي لا ولن تنتهي؟ وهل سننتظر حتى نرى عِراقًا آخر يُحتل باسم التحرير والديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان؟

رأيان حول “العرب وإيران.. إلى أين؟ (الجزء الأول والثاني)/ بقلم: عبدعلي الغسرة

اضافة لك

  1. العرب مسيرون وإلا لما اوصلونا الى هذه الحاله .عندما حارب العراق ايران واذاقها الويلات وكانت في حالة ضعف لماذا لم يحركوا جبهة الاحواز ويدعموها وهم قادرين على ذلك وقتها واهلها سيحررونها بل لماذا لم يهجموا على جزر الامارات المحتله ويستردوها وايران لاتستطيع فتح جبهه ثانيه غير جبهة العراق وهذا ليس اعتداء بل استرداد لارض محتله لايحتاج لاذن من احد ولو وجدت ايران جديه في الموقف لانسحبت من الجزر دون مقاومه

    إعجاب

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: