مجلة المداد- العدد التاسع-نوفمبر 2016م
اعادة طباعة ونشر:حامد الكناني
الترجمة عملية “مِن”و”إلى”، النقل من لغة إلى أخرى.وقد تكون هذه اللعة الأخرى/المقصد مِن جنس نفس اللغة المبدأ- وذلك حينما يتمّ انتقال نصّ قديم إلى نصّ معاصر- كي يعيه قرّاء اليوم،أو – مثلا – مِن نص عربي إلى إحدى اللهجات العربية الموجودة حاليا- وإن اعتبرنا اللهجة المنقول إليها لغة.
بالطبع، كل ترجمة تحتاج إلى فهم اللغتين المنقول منها والمنقول إليها، وهناك شروط عامة لترجمة كل نص لابد من مراعاتها؛كي لا تكون الترجمة حرفية ولا حرة لا تمت بصلة للأصل.
لـ”ويليام شكسبير” مسرحية شهيرة اسمها “تاجر البندقية” (بالانكليزية:The Merchant of Venice) وهي تحدث في مدينة” فينيسيا” (بالفارسية:ونيز) والمعروفة لدى العرب بـ”البندقية” – نظرا لوجود جسرا هناك يشبه البندقية أو بسبب تواجد شجر البندق أو أسباب وتسميات أخرى.
وللبندقية كمفردة عند العرب معنى آخر هو “السلاح”. وهناك من ترجم هذه المسرحية وأسماها: “تاجر اسلحة” أي تاجر السلاح” والطريف أنه ادعى ترجمتها من الانكليزية إلى الفارسية! نعم إنها ترجمت إلى الفارسية،ونحن نقبل نصف مدّعاه! أما ما لا یُقبل هو الشق الثاني؛أي أنّه ترجمها من الانكليزية.
ولا يزال متصفح النت يجد مقالات تطرقت للترجمة وأثرها على المجتمع الإيراني ترجمت أخيرا من العربية إلى الفارسية – وهي بحوث بعض العرب حول الحداثة في إيران- ويعثر على عناوين كـ “تاجر اسلحه” – لم يراجع المترجم/المترجمة المعنى الاصطلاحي للأسماء والمفردات،ولذا جيء بعنوان كتاب جديد للمرحوم ويليام شكسبير: “تاجر السلاح”!.
لا شك أنّ النصًّ المترجم،لا يبقى على ماهو عليه في لغة المصدر من حيث الدستور والنحو والصور، بل يأخذ طابع نصّ لغة الهدف،اذ يعتريه الحذف وتنتابه الإضافة وهذا هو موجود في طبيعة الشعر والخيال عند تحوّلها من لغة لأخرى،فعلى المترجم أن ينقل نصا نقل إلى لغة ثانية من ذي قبل؛ أي عليه أن يترجم دون تخلل لغة وسيطة،وهو قانون يعرف بـ”عدم الترجمة عن ترجمة”.
وفي تكاثر الاخطاء عند ترجمة نصوص مترجمة مسبقا إلى لغة أخرى، عدّة نماذج نذكر نموذجين: لقد قام “سيروس طاهباز” بترجمة قصائد عربية – حسب ما ذكره في مقدمة كتابه- فترجمها من اللغة الانكليزية إلى الفارسية واسمى المجموعة “تپه آویشَن” (= تلّ الزّعتر).
« لكن طاهباز لم يكن يعرف اللغة العربية، بل كان يجيد الإنكليزية،مضافا إلى لغته الفارسية» (من حواري مع زوجته وابنه بعد وفاته، 2003م). لكننا نجد في مجموعة “تپه آویشَن” عنوانا ملفتا للانتباه وهو «لبنانِ من،لبنانِ تو» (طاهباز،2001م:115) أي “لبناني ولبنانك”،جاء تحت هذا العنوان،اسم “جبران خليل جبران” باعتبار أنّ “جبران” شاعر تلك السطور،وعندما نفتّش عن هذا العنوان في كتب جبران نجده نثر جبراني،وثانيا نرى العنوان باللغة العربية «لكم لبنانكم ولي لبناني» (جبران،1994م:58)، ولاشكّ أن جبران أخذ هذا العنوان من آخر آية لسورة “الكافرون” لكم دينكم ولي دين). وليس العجيب هو انقلاب النثر إلى الشعر وتغيّر لون العنوان،بل الملفت للنظر هو أنّ قضية فلسطين لم تكن “قضية” على زمن جبران حتّى يدخل هذا الشعر- على زعم طاهباز – في نطاق شعر المقاومة؛ وانقلب النص على يد المترجم الفارسي – أي طاهباز – إلى شعر حماسي يطالب فيه “جبران” بالمقاومة قبل اندلاعها بعقود! وكلّ هذه الاحداث،إنمّا جاءت عبر الترجمة من لغة وسيطة،وعدم الانتباه إلى الأحداث التاريخية. لقد قرء طاهباز،هذا النثر الجبراني باللغة الانكليزية وأعجبه،فظنّه شعرا،فعنوَنه من دون مراعاة لغة المصدر/ المبدأ وأسباب الصدور والسياق التاريخي وما إلى ذلك.
وهناك نماذج أعجب من هذا بكثير،حلّ بشعر أدونيس(علي أحمد سعيد إسير) عندما قام بالنقلِ مترجمٌ إيراني من اللغة الفرنسية إلى الفارسية،ففعل ما فعل بالأشعار والأسماء المتوزعة في قصائد أدونيس – وما أکثرها – نأتي بمثال واحد – لا أكثر. كتب المترجم للغة الفارسية في هامش إحدى الصفحات:
«Dad: حرف مخصوصى در زبان عربى، كه غالبا “زبان داد” ناميده مى شود» (أدونيس،2006م :176).
كان على المترجم أن يعلم – على الأقل – عدد الحروف وأسماءها واصواتها في اللغة الفارسية،وانها نفس الحروف في اللغة العربية،بل تزيدها الفارسية أربعة أحرف هي(حرفُ پ ینطق P، چ ینطق مثل CH، ژ ینطق مثل J،گ ینطق مثل الجیم في اللهجة المصریة أو جرف G فی کلمة Go الانكليزية). فليس هناك حرف يعرف بـ(Dad) لا في الفارسية ولا في اللغة العربية. فلنقُم بترجمة ما قاله في الهامش” Dad حرف خاص في اللغة العربية،تسميّ العربية في الأغلب “لغة الداد”! نعم. إنمّا كان مراد الشاعر – أدونيس – “الضاد” والتسمية المعروفة “لغة الضاد” كما في قول نبيّ الإسلام: “أنا أفصحُ مَن نطق بالضاد”!
المصادر:
– أدونيس (احمد سعيد [إسيرا]،علي).(2006م).لمس كردن روشنايي[لمسُ الضوء].ترجمة:كريم خاني،حميد،نشر آهنگ دیگر.
– جبران،خلیل جبران.(1994م).المجموعة الکاملة لمؤلفات جبران خلیل جبران(العربیة).دار الجیل.
– رحیمي خویگاني،محمد(2010م) اشکالیة تعریب الشعر الفارسي المعاصر(اعمال محمد عبد المنعم ومحمد منصور نموذجا). رسالة ماجستیر.جامعة اصفهان.
– طاهباز،سیروس.(2001م). تپه ی آویشن (مجموعه شعر:شعر مقاومت در فلسطین اشغال شده). نشر فرهنگ گستر.
– عباسي،حسین( 2003م) حوار هاتفي مع زوجة طاهباز وابنه سیاوش.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.