سلسلة مذكرات السجين السياسي السابق غازي مزهر، رقم ٤

مقتطفات من مذكراتي في السجن
قابلت اسيراً احوازياً في السجن وسألته عن سبب اعتقاله، قال انه قتل عميلاً، قلت له: “جعلت نفسك في آنٍ واحدٍ في محل الشاكي والقاضي والمنفذ. ومن اين اتتك هذه الصلاحية والعلم حتى تحكم على مواطن احوازي بالموت وهذا خط أحمر وهل اعطيته فرصة ولو بسيطة كي يدافع عن نفسه؟”، بينما كان السجين انساناً بسيطاً لم يعرف شيء عن قانون القضاء المدني والديني. أجابني هكذا يفعل الفلسطينيون والجزائريون. قلت له حركة التحرير الوطني الجزائري وحركة حماس وفتح تنظيمات كبيرة، ولها عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الأعضاء بقيادة مركزية ومسؤولة وتمتلك اجهزة استخباراتية وقضائية تتحرى حول كل موضوع ولم تحكم على اي مواطن بشكل غير مدروس وعشوائي.
من أصعب الأمور هو القضاء والحكم على الناس. وأما في الحديث حول الأحواز لابد الذكر ان مثل هذه القضية تعتبر مضمن المواضيع الشائكة والقضايا المعقدة وإذا اعتبرنا غاية النضال وهدف النشطاء الأحوازيين خدمة ” الشعب الأحوازي”، اذن توجد هناك طرقا مختلفة لهذا الغرض حسب اختلاف البشر وامكانياتهم. ربما شخص يتخذ مهنته في خدمة شعبه ومن ضمن هذه الفئة ربما يكون المدرس، المهندس، الطبيب، المحامي، التاجر، المزارع، الموظف و… بعيداً عن السياسة وربما شخص آخر يدخل في مجال السياسي في إطار قانون الاحتلال او هناك شخص او تنظيم يسعى وراء المطالبة بحق تقرير المصير حسب الفيدرالية، أو حكم الذاتي أو التحرير وبناء دولة مستقلة وغيرها من الامور.
وأما بعد ما يقارب ثلاثة عقود من اهتمامي بالقضية الأحوازية والخوض فيها، اعتقد ليس من السهل علي ان احكم على خيارات ونشاط الآخرين و هل يا ترى نشاط مسؤول تنظيم تحرري في خارج أكثر نفعاً من ذلك الموظف او المدرس الذي خدم العشرات بل المئات من أبناء جلدته. لذلك ربما علينا التجنب من استخدام أو استعمال بعض الاوصاف كالعميل، المتخاذل، المرتزق، المنبطح، المتوهم وغيرها على اي مواطن احوازي. و لكن هذا الرأي لا يمنع النقد البناء فإنه ضرورة، كما أنني أعتبر النوايا غير الحسنة، الجهل وانهيار ألاخلاق من أهم اشكاليات التي تواجهها حاليا القضية الأحوازية.
وأما في الحديث حول السجن، وبعد تولي لاريجاني رئاسة القضاء عام ٢٠٠٩ ميلادي، شهدت السجون ازدحاماً جراء ازدياد عدد السجناء، حيت لم يعد متسعاً للنوم على الأسرة، بل على أرضية السجن أيضا. ازدحمت الممرات وساحات الأقسام والعنابر والحمامات ولم يتبقى مكاناً أو زاوية الا واتخذها السجناء مناماً لهم، ناهيك عن انعدام النظافة في دورات المياه والمرافق الصحية وقلتها قياساً مع الأعداد الكبيرة للسجناء. حيث كان السجناء طوال اليوم يقفون في طابور طويل ينتظرون دورهم في الذهاب الى المرافق.
سوء التغذية ورداءة الوجبات اليومية وقلة الغذاء وعدم الاهتمام بالنظافة في السجن وتردى الأوضاع الصحية باتت تحصد ارواح خمسة او ستة افراد خلال كل أسبوع من المساجين الذين انهكهم الفقر. في ظل هذه الظروف المأساوية كان أولى اهتمام رؤساء السجن ” رستمي” ومن تولى الأمر بعده ” كياني ” سرقة اموال السجن والمعاملات المالية مع السجناء المتولين ماليا. كان أولى اهتمام هؤلاء السجناء العمل على تحسين ظروفهم من خلال دفع أموال لرؤساء السجن بغية الحصول على تخفيض في مدة عقوباتهم.
كنت قد لمست بكل جوارحي ووجودي أن السجون شيدت للفقراء فحسب؛ ويرجع ذلك لأن تحت رحمة نظام القضاء الفاسد في ظل حكم هذا النظام (نظام الملالي) في إيران يستطيع المرء ان يشتري كل شيء وبما فيها شراء الذمم، وحتى عصيان وإبطال احكام القضاة. نعم السجن والتعذيب وحتى الإعدام ليس الا للفقراء ومن نصيب الفقراء ولا يستثنى منها السجين السياسي وغير السياسي. ورغم ان هناك رقابة تلاحظ على السجناء السياسيين من قبل رجال الاستخبارات، الا ان رجال المخابرات ايضا هم أنفسهم فسدة ومرتشون. وبين هذا وذاك، ما هو واضح للعيان، التمييز بين السجناء العرب وهم يشكلون أكثر من ٩٠٪ من نزلاء السجن وما تبقى هم من اقرانهم من الفرس ويعتبر ذلك أمرا مفضوحاً في جمهورية الملالي.
بعد تسريب عدة تقارير عن الوضع المساوي في سجن كارون باعتباره السجن المركزي في الأحواز العاصمة ومن ثم اعتقال “رستمي” رئيس السجن بتهم الإختلاس وتجارت المخدرات داخل السجن، تم تعيين السيد عبدالأمير منشداوي رئيساً للسجن وكان الأخير له خبرة سابقة في سجن إيفين، وهو رجل يتمتع بخلق رفيع وينحدر من عائلة أحوازية محترمة. كان قد شعر منشداوي بالألم لما رأى الأوضاع المأساوية للسجناء من أبناء جلدته.
أصدر السيد منشداوي منذ اليوم الأول في العمل باعتباره رئيس للسجن قراراً تم بموجبه منع السجانين من ضرب السجناء والتعدي عليهم ومنع حمل الهراوات والعصي وتوعد بتطبيق القانون على السجانين ومقاضاة كل من يضرب او يهين أحد السجناء.
كان الأمر يبدو لي جديداً وكنت لأول مرة أرى السجين يعامل معاملة إنسانية في السجن ووفقاً للقانون المدون في كتب النظام. كان الرئيس الجديد من طبيعته أنه يتفقد الأقسام والعنابر المليئة بالسجناء بين حين وآخر. أما هذه العنابر والاقسام كانت مليئة بالسجناء وعلى الرغم من أن السجن كان مصمم لاستيعاب ٨٠٠ شخصاً، لكنه يضم أكثر من ٥٠٠٠ سجين في تلك الفترة الزمنية. ومن الامور الاخرى التي قام بها هذا المدير الجيد، فهو سهل على السجناء زيارة الأهل والأقارب في محيط السجن وسمح بدخول الكتب والملابس وخاصة الزي العربي. رغم أن هذه الامور كانت منصوصة في قانون السجون، لكنها لم تطبق في سجون الأحواز.
لم يطل الأمر كثيرا حيث تقاعد السيد منشداوي من العمل وإدارة السجن المركزي في الأحواز وترك وراءه السجناء ضحايا بلا مدافع ومحام حيث استلم الرئاسة من بعده وحوش لا تعرف الرحمة والإنسانية والقانون. وقد حدثت مشاهد بشكل يومي نرى فيها سجناء مكبلة الأيدي تحت سياط السجانين يتجرعون التعذيب دون رادع أو مانع.
علمني السيد منشداوي وبينما كان مديرا ورئيسا لأكبر سجن للاحتلال الفارسي في الأحواز، أن الإنسان ربما تجبره ظروف الحياة ان يعمل موظفاً في دوائر الاحتلال إلا انه يستطيع ان يخدم شعبه بشتى الطرق.
المصدر: مركز دراسات دورانتاش
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.