موقع كارون الثقافي– على رغم مرور أسابيع على انتفاضة 15 تشرين الثاني الإيرانية، إلا أن أعمال القمع والاعتقال العشوائية ما زالت سارية المفعول في المناطق العربية، خصوصاً في معشور (ماهشهر) وجوارها
في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أي بعد يومين من انطلاق موجة الاعتراضات الأخيرة في إيران، التي أتت على خلفية غلاء البنزين، انتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، توثق وقوع مجزرة بحق مجموعة من المتظاهرين، في منطقة الأهوار التابعة لمدينة معشور (ماهشهر)، في جنوب محافظة خوزستان ذات الغالبية العربية، راح ضحيتها بحسب مواقع المعارضة الإيرانية وتقارير منظمات دولية 100 شخص على الأقل.
في البداية، لم يعلق أي من المسؤولين الإيرانيين على هذه الحادثة، لا سلباً ولا إيجاباً، لكن بعد إخماد الانتفاضة بالشكل الوحشي، الذي حدث، تفرغ النظام الإيراني، لسرد روايات قمعه للانتفاضة أو تبريرها، ومنها مجزرة معشور (ماهشهر).
اضطرابات معشور (ماهشهر)
ففي تقرير صحافي بثته هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية (صدا وسيما)، قال معدو التقرير إن قوات الحرس اضطرت إلى استعمال القوة (الرصاص الحي) ضد متظاهرين اعتصموا في منطقة أهوار ماهشهر، بعد اكتشاف وجود انفصاليين (ذوي أصول عربية) مندسين بينهم، في حوزتهم أسلحة حربية متوسطة، وبادروا إلى إطلاق النار على قوات الأمن، وكانوا حاولوا قطع الطرق المؤدية إلى ميناء معشور (ماهشهر) وعزل المدينة عن محيطها، تمهيداً لاقتحام مصنع البتروكيماويات الموجود فيها وتفجيره، ما قد يتسبب بكارثة إنسانية وبيئية.
أما الناجون من المجزرة فكانت لهم رواية أخرى، مناقضة بالطبع للرواية الرسمية، وتنفي نفياً قاطعاً وجود مسلحين بين المتظاهرين، وأكدوا أنهم لجأوا إلى منطقة الأهوار، للاحتماء من نيران عناصر الحرس، الذين سرعان ما حاصروهم وأمطروهم بالرصاص، وأردوا 100 متظاهر في أقل من أربع ساعات.
في الانتفاضة الإيرانية الأخيرة، برزت مدينة ماهشهر أو معشور العربية، كإحدى أهم النقاط، التي شهدت تظاهرات مركزية حاشدة ضد النظام في الأحواز، لكن دوافع المتظاهرين فيها كانت مختلفة عن دوافع مواطنيهم في المدن الإيرانية الأخرى، أي غلاء البنزين.
النقطة الأكثر تراجيدية في الرواية، فهي إجبار أهالي المتظاهرين الأحياء منهم والأموات، على دفع ثمن الرصاصات التي استخدمها الحرس في المجزرة
فالمدينة إضافة إلى مدن عربية أخرى محيطة بها مثل الكورة والجراحي، تشتهر بمصانع البتروكيماويات، أما حقول الأحواز النفطية، القريبة منها، فتعتبر من أغنى حقول النفط في العالم، بينما تحتوي المنطقة ككل، على 87 في المئة من ثروة إيران من النفط والغاز. وعلى رغم هذا، يعاني سكان هذه المدن من سوء الأحوال المعيشية والفقر والبطالة وانعدام الإنماء وعنصرية النظام ومحاولات تفريس الهوية، لذلك سجلت الانتفاضة فيها بعداً سياسياً وثقافياً واجتماعياً، علاوة على البعد الاقتصادي، ولذلك شهدت قمعاً وحشياً بلغ حدود القتل الجماعي.
ووفق رواية أحد الناجين من المجزرة، شكلت الجادة الرئيسية في مدينة معشور (ماهشهر)، ميداناً لتجمع المتظاهرين، الذين أتوا إليها من المدن المحيطة، مع اليوم الأول للانتفاضة، وتمكنوا من قطع الطريق المؤدية إلى مصانع البتروكيماويات، وشل العمل فيها.
في اليوم الثاني، حضرت قوات الحرس الثوري بعدتها كاملةً، وحاولت فتح الطريق، لكن المتظاهرين أصروا على إغلاقها، وانضمت إليهم أعداد أخرى من المتظاهرين، الذين حافظوا على سلميتهم بمواجهة أعمال العنف التي تعرضوا لها، وصولاً إلى ثالث أيام الانتفاضة، حيث وجد المتظاهرون أنفسهم محاصرين بالدبابات والآليات العسكرية وجنود الحرس المدججين بالأسلحة، فحاولوا إيجاد سبل للاحتماء أو طريق للفرار، بعدما شعروا بأن الأجواء تنذر بوقوع خطر ما. ومع تقدم ساعات الصباح، أعطيت الأوامر بفتح الطريق وإنهاء الاحتجاج، فبدأ إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، الذين احتموا بداية بالأبنية المجاورة، ومنهم من تمكن من التراجع والفرار، بينما آثر آخرون الانسحاب نحو منطقة الأهوار المجاورة.
وعلى رغم أن جنود الحرس، تمكنوا في وقت قياسي من تشتيت المتظاهرين، وإعادة فتح الطريق، لكنهم أرادوا تلقين سكان المنطقة درساً قاسياً، فبينما لاحقت فرقة منهم المتظاهرين من مبنى إلى مبنى ومن شارع إلى شارع، توجهت فرقة أخرى، نحو الأهوار، وحاصرت المتظاهرين الذين احتموا فيها، ونفذت المجزرة، فقتلت 100 متظاهر وأوقعت عدداً كبيراً من الجرحى، غالبيتهم من الشباب ذوي القومية العربية.
منذ أيام، اعترف عضو هيئة الرئاسة في مجلس الشورى الإسلامي أمير حسين قاضي زاده، بأن “قمع الاحتجاجات في مدينة معشور (ماهشهر) الأحوازية أدى إلى مقتل عدد من المتظاهرين”. وبحسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، قال قاضي زاده: “قتل عدد من الأشخاص في معشور (ماهشهر) ، ونحن لم نعرف هويتهم حتى الآن، ومن أين حصلوا على السلاح”، مشيراً إلى أنهم “كانوا يعتزمون الهجوم على خطوط نقل الطاقة في البلاد”.
في المقابل، أكد الناشط العربي الأحوازي كريم دحيمي، أن “قوات الحرس الثوري تعقبت المتظاهرين العزل، الذين فروا إلى هور حميدي، هرباً من الرصاص، ونفذت بحقهم قتلاً جماعياً على مرحلتين”.
على رغم مرور أسابيع على انتفاضة 15 تشرين الثاني الإيرانية، إلا أن أعمال القمع والاعتقال العشوائية ما زالت سارية المفعول في المناطق العربية، خصوصاً في معشور (ماهشهر) وجوارها، وما زال النظام مصراً على تبرير فعلته، عبر تسويق جملة من الأكاذيب، فساعة يدعي أن جنود الحرس كانوا في موقع الدفاع عن النفس، بعدما بادر مندسون إلى إطلاق النار عليهم، وساعة يدعي أن الاعتقالات التي نفذها، كشفت وجود متظاهرين ينتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، عمدوا إلى استدراج جنود الحرس إلى حرب شوارع، وساعة يدعي أنه أحبط مخططاً صهيونياً تخريبياً ضد منشآته البتروكيماوية.
أما النقطة الأكثر تراجيدية في الرواية، فهي إجبار أهالي المتظاهرين الأحياء منهم والأموات، على دفع ثمن الرصاصات التي استخدمها الحرس في المجزرة.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.