
مقدمة
تدخل الاحتجاجات في الأحواز أسبوعها الثالث، بعد تصاعد الغضب الشعبي، مع قيام النشطاء بإغلاق الطرق الرئيسية في المحافظة، واقتحام مكتب البلدية، جراء موجة جديدة من الجفاف بعد عمليات تحويل لمسار أنهار المنطقة إلى المدن الفارسية، لتشهد مدن الأحواز عطشاً تركها بدون ماء للشرب والاستخدامات الأساسية الأخرى.
كما عانى سكان الأحواز انقطاعاً مستمراً في التيار الكهربائي تحت حرارة حارقة تزيد على 50 درجة مئوية، أضف إلى ذلك ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الأسعار وانتشار الفساد في جميع المؤسسات الحكومية.
وستحاول هذه الورقة البحثية إلقاء الضوء على تطورات الأوضاع في الأحواز وأبعادها السياسية، وتتبع ما يمكن أن تفضي إليه احتجاجات العطش وسياسات التهجير الإيرانية، التي تم اعتمادها على مدار العقود الثلاثة الماضية، وما سيؤول اليه مستقبل هذا الحراك.
الأحواز.. نبذة مختصرة
تشكل الأحواز القسم الشمالي الشرقي من الوطن العربي، وتطل على رأس الخليج العربي وشط العرب وشرقه، من خلال حدودها الجنوبية، وهو إقليم عربي، وشعبه الذي يربو على خمسة الملايين نسمة لايزال يحتفظ بكل الأواصر القومية والاجتماعية والثقافية التي تربطه مع البلدان والشعوب العربية الأخرى.
وتمتعت الأحواز قبل سيطرة الدولة الفارسية عليها، باستقلال ذاتي، وكان لها أمير يعد واحداً من أقوى وأبرز أمراء عصره، وهو الشيخ خزعل بن جابر الكعبي، وقد لعبت إمارته دوراً كبيراً في الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية عامة والعراقية والخليجية خاصة، إلا أن المتغيرات السياسية التي شهدها العالم، آنذاك، ومنها اكتشاف النفط في الأحواز عام 1908، وقيام الثورة البلشفية، وما أفرزته الحرب العالمية الأولى من صفقات سياسية وتقسيمات جغرافية جديدة للمنطقة العربية أدت إلى سقوط إمارة الأحواز (عربستان) وضمها إلى المملكة الفارسية، التي جرى إعادة تشكيل جغرافيتها السياسية تحت مسمى جديد “المملكة الشاهنشاهية الإيرانية” لتكون متلائمة مع المخططات الجديدة التي اقتضتها مصلحة الدول الاستعمارية، ومنها بريطانيا العظمى؛ وعليه تمكن رضا شاه من إتمام سيطرته على المنطقة وغير اسمها إلى خوزستان، لتندلع ما بين الأعوام 1928 إلى 1946، تسع انتفاضات أحوازية فاشلة تطالب بالحرية والمساواة[1].
وتتمتع الأحواز بأهمية كبيرة كونها حلقة الوصل بين إيران ودول جوارها العربية، إذ لا يوجد بينها وبين الدول العربية فواصل جغرافية، وعرب الأحواز من أقل الأقليات العرقية في إيران اندماجاً. وبحسب الاستطلاعات، فإن 82% من الأحوازيين يتحدثون العربية في منازلهم[2].
وأغلب العرب الأحوازيين من الشيعة، لكن تقارير عدة تشير إلى تحول بعضهم إلى الإسلام السني؛ مما زاد من مخاوف النظام الأمنية. وبحسب ما ورد، كانت هذه التحولات بمنزلة تحدٍّ لدولة تعتبر نفسها ممثلة للإسلام الشيعي، إذ انتشرت خلال العقدين الأخيرين ظاهرة “التسنُّن” في المجتمع الأحوازي، والمقصود بها تحول الفرد المسلم من المذهب الشيعي الإمامي إلى المذهب السني، وهي ظاهرة بدأت منذ أوائل التسعينات من القرن المنصرم بين فئات الشباب بشكل خاص[3].
وبهذا الصدد يقول المتحدث الرسمي باسم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز يعقوب حر التستري “ما لبثت أن تحولت إلى ظاهرة، وحتى اليوم ليست هناك إحصائيات رسمية عن الذين تحولوا إلى السُّنة، ولكن حسب معلوماتنا فإن أهل السنة في شمال الأحواز أصبحوا أكثرية وخصوصاً بين الشباب”، مؤكداً على “فشل النظام الديني في إيران، ففي كل منطقة في إيران زرعوا حقداً وسيحصدون الحقد؛ فقد اتبعت السلطة الإيرانية سياسات تمييزية ضد عرب الأحواز في التوظيف وفي الثقافة، فمنعتهم من تعلم اللغة العربية، ومن استعمالها في المناسبات، ومن تسمية أطفالهم بأسماء عربية، ويعانون صعوبة في الحصول على فرص دخول الجامعات الإيرانية”[4].
احتجاجات الأحواز:
منذ وقوعها تحت سيطرة الدولة الفارسية في عام 1925، والأحواز تشهد الاحتجاجات والثورات والمظاهر السياسية المعارضة، فكانت على الدوام ساحة صراع مستمر بين العرب والدولة الإيرانية؛ الأمر الذي أدى إلى نشوء حالة عداء شديدة بين الطرفين، لتنبثق معارضات سياسية داعية إلى تحرير الأحواز إلى ما كانت عليه قبل غزوها من قبل الجيش الإيراني في 20 إبريل 1925.
ومع انتشار شرارة الاحتجاجات الأخيرة، نشرت السلطات الإيرانية أعداداً كبيرة من الحرس الثوري وميليشيا الباسيج لسحق الاحتجاجات، وقد تأكد – حتى كتابة هذه الورقة- مقتل ثمانية متظاهرين أحوازيين، وجرح ما لا يقل عن 120 متظاهراً، بعضهم حالته حرجة، بسبب إطلاق النار العشوائي لقوات النظام واستخدام القناصة لمواجهة المتظاهرين، مع اعتقال أكثر من 350 شخصاً[5].
ولطالما صور المسؤولون الإيرانيون المتظاهرين الأحوازيين على أنهم مثيرون للشغب ومحرضون على العنف، إذ أعلن القائم بأعمال محافظ إيزاج حسن نبواتي، في بيان له “على الناس أن يبتعدوا عن المشاغبين”، محذراً “لن نسمح بزعزعة الأمن”، ومضيفاً أن “… بعض المشاغبين حولوا الاحتجاجات السلمية إلى أعمال شغب”[6].
وجاء تصاعد الاحتجاجات تزامناً مع حملة تشويه بدأتها السلطات الإيرانية وإعلان وسائل إعلام محلية بأن الحرس الثوري الإيراني قد ضبط شحنة أسلحة وذخائر في شمال غربي إيران، وأنها كانت موجهة لتنفيذ ما سمتها “عمليات تخريبية”[7].
ووفقاً لنشطاء إيرانيين، فقد عمت الاحتجاجات التي وصفت بأنها غاضبة وضخمة، كافة مدن وبلدات إقليم الأحواز، لتمتد في 22 يوليو 2021 إلى مدن ومناطق جديدة كالعاصمة طهران، ومدينة علي غودرز في محافظة لرستان، وأصفهان، ولردغان وبختياري في محافظة جهارمحال[8].
ولاشك في أن سياسات العطش التي تتبعها إيران وتحويل مسار الأنهار أُريد بها تهجير العرب من مناطقهم وترك أراضيهم، وهي سياسات متبعة وممنهجة، حتى لا تكون هناك أغلبية عربية في الأحواز، واليوم تعاني أكثر من 700 قرية و25 مدينة في الأحواز من العطش، فهو ليس الجفاف الأول من نوعه في هذا الصيف، لكن حجم المشكلة والآثار الكارثية الناجمة عنها تتزايد عاماً بعد عام، تاركة آثارها البليغة على البيئة والإنسان.
وبحسب ما تم تداوله، فإن الجفاف الذي دمر الزراعة وأسلوب الحياة في المنطقة كان سبباً وراء الحراك الشعبي، بينما يرى الناشطون أن قضايا المياه ليست إلا شرارة، وأن القضية الأساسية هي سياسات النظام التي تستهدف تهجير الناس من الأحواز. وبالمعنى نفسه، فإن أزمة المياه قد تكون حافزاً للتظاهرات، ولكن لا يمكن إنكار الهوية الإثنية-القومية لها، حيث ردد الأحوازيون هتافات تقول؛ “بالروح بالدم نفديك يا أحواز″[9].
تهجير العرب الأحوازيين سياسة ممنهجة
على مدى عقود، سعت طهران عمداً إلى إضعاف الأغلبية العربية في الأحواز؛ بسبب الأهمية الاستراتيجية لهذا الإقليم، إذ يدير النظام برامج لتشجيع الفرس وغيرهم من غير العرب على الانتقال إلى الإقليم، بالإضافة إلى تردي الظروف المعيشية وارتفاع معدلات الفقر المدقع والبطالة، واستمرار سياسات التمييز ضد العرب.
وقد أشار جافيد رحمن، المقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن إيران، في تقرير ربيع 2021 إلى “عمليات إخلاء قسري في مناطق الأقليات العرقية” من بينها الأحواز، حيث يواجه عربها تمييزاً وظيفياً على مستوى صناعة النفط والغاز. وبينما يشغل السكان الفرس الوظائف ذات الأجور المرتفعة، فإن الأحوازيين هم في الغالب من العمال ذوي الياقات الزرقاء، وهو ما أكده محسن حيدري، ممثل المرشد الأعلى في الأحواز، من أن العرب يشغلون 5% فقط من وظائف المحافظة في مجال صناعة النفط [10].
ولهذا، شهدت الأحواز هجرات مقصودة شجعها النظام البهلوي (1925 -1979) لتغيير التركيبة السكانية العربية، خصوصاً بعد إنشاء مصفاة النفط في مدينة عبادان، كأكبر مصفاة في الشرق الأوسط، آنذاك، فضلاً عن تغيير اسم الإمارة وأسماء المدن؛ فعلى سبيل المثال قام النظام في عام 1935 بتغيير أسماء المدن الكبرى كالمحمرة وعبادان والفلاحية والخفاجية ومناطق أخرى إلى الفارسية، كما قامت أجهزته الأمنية بمكافحة الزي القومي العربي[11].
وبعد سقوط نظام الشاه عام 1979 عارضت الأقليات غير العربية، التي أوجدها الشاه في المحمرة، وهي إحدى مدن الأحواز، منح أي حقوق للشعب العربي الأحوازي، بل حملوا السلاح وتحالفوا مع الحاكم العسكري الجنرال أحمد مدني محافظ شمال الأحواز، في قمع الحراك السياسي السلمي لأبناء الأحواز[12].
واتسمت سياسة النظام تجاه العرب الأحوازيين بعد الثورة الإيرانية عام 1979، بنقض العهود التي قطعها لهم الخميني مقابل اشتراكهم في دعم الثورة، وإنصافهم ورفع الظلم الذي لحق بهم ومساواتهم بالفرس في الحقوق، غير أن النظام الجمهوري- الإسلامي- لم يكتفِ بعدم الوفاء بوعود زعيمه، بل زاد على ما كان يمارسه نظام الشاه من سياسة التفريس والتمييز العرقي والمذهبي ضد الأحوازيين[13].
كما أن الحكومات الإيرانية المتعاقبة خلال العقود الثلاثة الماضية، بالإضافة إلى سياسات الإقصاء والتهميش السياسي والاقتصادي المتعمَّد لسكان الأحواز، عملت على إنشاء مجموعة من السدود على المصبات التي تنبع من أعالي جبال “زاغروس” باتجاه السهول “الأحوازية”، والتي كانت تشكل تاريخياً الروافد الرئيسية لأنهار المنطقة؛ مثل “كارون”، و”الكرخة”، و”الدز″، و”الجراحي”، و”زهرة” وغيرها من الروافد الأخرى، بقصد نقل مياه هذه الأنهار الصغيرة إلى الأقاليم الفارسية الأخرى في “أصفهان” و”يزد” و”كرمان” و”قم” وغيرها من المدن الإيرانية ذات الأغلبية الفارسية، حيث تعد إيران من أعلى الدول عالمياً في معدلات الاستهلاك المائي، ولاسيما المياه الجوفية؛ كما تصنّف ضمن أكثر ثلاث دول استهلكت نسبة 40% من مياهها الجوفية، فضلاً عن ارتفاع معدل المواليد والتوزيع الديمغرافي غير المتساوي داخل المدن، كما تشير الأرقام الصادرة عن وكالة الطاقة الإيرانية إلى استنفاد موارد المياه الجوفية بالكامل في محافظات؛ مثل فارس وخراسان الجنوبي وأصفهان[14].
وبالإضافة إلى ما تقدم، عمل النظام الإيراني على مفاقمة الأزمة التي نتجت عن الفيضانات التي اجتاحت الإقليم مطلع مارس 2019 وأدت إلى إغراق 9 مدن و200 قرية وتهجير نصف مليون مواطن عربي، وتهديد حياة ما يقارب المليون، حيث امتنع الحرس الثوري عن تحويل المياه الزائدة نحو الأهوار الوسطى خشية أن تغرق منشآت النفط ومزارع قصب السكر التابعة لشركاته، فضلاً عن قيام الحرس الثوري والوحدات الخاصة التابعة للأمن الداخلي الإيراني، بتفجير السواتر الترابية التي بناها الأهالي لمنع تقدم المياه إلى مناطقهم وأراضيهم الزراعية[15].
بناء السدود في الأحواز ظهيراً لسياسات التهجير الفارسية
مع تولي علي خامنئي منصب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أضحى 90% من الاقتصاد الإيراني يخضع لسيطرة الحرس الثوري، وأفضت هذه السيطرة إلى تدمير البنية التحتية الاقتصادية لإيران، بالإضافة إلى نهب المال العام وتعاظم معدلات الفساد، ويمتلك الحرس الثوري الآن شركات في قطاعي النفط والغاز، وكذلك النقل البري والبحري والجوي، وشركة خاتم الأنبياء، التي تأسست كذراع له في قطاع البناء، وتسيطر حاليًا على 812 شركة إيرانية مسجلة رسميًا لديها ما مجموعه نحو 1700 عقد حكومي[16].
وعلى مدار الثلاثين عاماً الماضية بنى الحرس الثوري الإيراني مئات السدود في أجزاء مختلفة من إيران، ومن بينها منطقة الأحواز، بواسطة قاعدته الإنشائية في شركة خاتم الأنبياء. ونظراً لأن إنشاء هذه السدود قد تمَّ بدون أي دراسة أو بحث حول التأثيرات المناخية والجغرافية، وإنما تنفيذاً للمصالح المالية للحرس الثوري الإيراني في معظم الحالات؛ فقد تسبب ذلك في أضرار لا يمكن إصلاحها بالبيئة والمدن المحيطة.
وبهذا الصدد قال الباحث الإيراني الأحوازي طاهر مالكاني لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن عرب الأحواز يتعرضون للظلم والاضطهاد بشكل منتظم، بما يصل لدرجة التعطيش، وأوضح: “تجرب السلطات الإيرانية سياسة الضغط في الحد الأعلى في سبيل دفع سكان الأحواز نحو الهجرة، من الإقصاء السياسي إلى الحرمان من التنمية والتوظيف والاستثمار في الثروات الباطنية الهائلة التي في مناطقهم، وطبعاً إلى جانب التمييز العنصري الواضح في وسائل الإعلام الرسمية”[17].
الأحواز جوهرة المصالح الإيرانية
بحسب الباحث آرون إيتان ماير؛ حددت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الأحواز منذ خمسينات القرن الماضي، بوصفها نقطة الضعف المحتملة لإيران؛ لكونها تحتوي على موارد لا يمكن لأي نظام أن يحافظ على سيطرته من دونها[18].
ولهذا، فإنها منطقة حيوية للنظام الإيراني من حيث مزاياها الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية، فضلاً عن ثرواتها النفطية والغازية؛ إذ تمتلك الأحواز نحو 12% من احتياطي النفط العالمي و16.2% من الغاز[19]، وفيها أكبر عدد من المدن الساحلية على الخليج العربي، كما تقع في منطقة جيوسياسية على أحد أهم الطرق البحرية، ليس فقط لآسيا، بل على مستوى العالم.
وقد أدى هذا الموقع المهم إلى اعتبار الأحواز من قبل الحكام في إيران “مركزاً مهماً لتطوير وتأسيس الهوية الفارسية”؛ الأمر الذي تطلب تدمير الهوية العربية الأصلية في الأحواز من أجل إنشاء كيان فارسي جديد يعكس شخصية وثقافة معادية للعرب وللشعوب الأخرى في المنطقة.
وتطرح هذه المنطقة سؤالاً صعباً عما إن كانت ستشهد مزيداً من التعثر والشد والجذب أم لا؛ فالتعدد العرقي والديني واللغوي الموجود داخل الخريطة الإيرانية سرعان ما يعبر عن نفسه في صورة مواجهات دموية ؟
وإذا أخذنا في الاعتبار انخراط الصين ميدانياً في مشاريع الاستثمار النفطي في الأحواز، وتحديداً في حقول هور الحويزة، بالتعاون مع شركات إيرانية تابعة لشركة النفط الإيرانية، وأخرى تتبع بشكل مباشر وغير مباشر قوات الحرس الثوري، نجد أنفسنا أمام دولة لن تتورع عن استخدام أقسى العقوبات ضد أقليات سكانية تطالب بحقوقها.
وبحسب يوسف عزيزي فقد عقدت الحكومة الإيرانية اتفاقية مع الصين تستخرج بموجبها الشركات الصينية النفط من حقول هور الحويزة لمدة عشر سنوات، وتحصل عليه مجاناً لمدة خمس سنوات عرفاناً لمواقف الصين السياسية والاقتصادية الداعمة لإيران.
وبموجب هذا الاتفاق ومقابل النفط المستخرج لصالح الشركات الصينية؛ ستترك هذه الشركات منشآتها النفطية للحرس الثوري بعد السنوات الخمس الأولى، وتحديداً في عام 2020 وسيستحوذ الحرس الثوري على تلك المنشآت. وستسدد الصين بعد ذلك ثمن النفط المستخرج من هذه الآبار على هيئة سلع تصدرها إلى إيران، وذلك هرباً من العقوبات المفروضة على إيران[20].
الميليشيات الولائية العراقية.. مرة أخرى في مشهد الصراع الإيراني
استدعى النظام الإيراني أكثر من 1500 عنصر من الميليشيات الموالية له في العراق ولبنان، لدعمه في مواجهة احتجاجات الأحواز، وبحسب مصادر، فإن الميليشيات الموالية، التي عبرت الحدود الإيرانية العراقية بكامل معداتها العسكرية إلى الأحواز للمساعدة في مواجهة التظاهرات هناك، سبق لها أن تصدت لاحتجاجات إبريل 2019 في الأحواز[21]. كما تحدثت تقارير صحفية معارضة في يناير 2018 عن استخدام إيران لعناصر من الحشد الشعبي لقمع التظاهرات المستمرة ضد النظام، والتي انتشرت في شوارع عبادان والمحمرة وحي الثورة في الأحواز[22].
ومن الواضح أن طهران تريد القول إن أذرعها العسكرية المنتشرة في المنطقة، تتحرك بمساحة واسعة أينما تكون المصالح الإيرانية؛ ولأن الحشد الشعبي مؤسسة اعتبرها البرلمان العراقي في نوفمبر 2016 جزءاً من الجيش العراقي، فإن استجابته لأوامر إيران تعني عدم امتثاله لمبدأ دستوري عراقي؛ وهو عدم التدخل في شؤون دول الجوار.
لقد استثمرت إيران رأس مالها الاستراتيجي في محفظة واسعة من الجماعات السياسية والعسكرية المتشددة، حتى بات التداخل بينها كبيراً، لتكون هذه الميليشيات يد إيران الضاربة في تسهيل النفوذ الإيراني الطويل المدى في المنطقة.
الاحتجاجات… أيُّ مآل؟
يثار التساؤل حول مآل احتجاجات الأحواز في هذه المرحلة، خاصة في ظل عدم وجود مواقف دولية واضحة من هذه الاحتجاجات، فالموقف الأمريكي لن يأخذ بعداً أكثر قوة مما قاله المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بأن “الإيرانيين، كغيرهم من الناس، يجب أن يتمتعوا بهذه الحقوق بدون خوف من العنف والاعتقال التعسفي من قبل قوات الأمن”[23].
وتأتي هذه الاحتجاجات في الوقت الذي يتطلع فيه الطرفان الأمريكي والإيراني إلى استئناف المفاوضات حول الاتفاق النووي لعام 2015، وفي هذا الإطار من المرجح أن يتعامل النظام مع الاحتجاجات بهدوء ويلجأ للتهدئة في هذه المرحلة تحديداً.
ويدلل على ما تقدم ما قاله خامنئي عن الاحتجاجات، ونقلته محطات تلفزيونية رسمية “الآن بفضل الله، تعمل كل الهيئات الحكومية وغير الحكومية (لحل أزمة المياه) وستواصل العمل بكل جد”[24].
وبنفس الاتجاه قال الرئيس روحاني؛ “إن الاحتجاج حق أهالي خوزستان”، ودعا إلى الفصل بين أهالي المحافظة وبين من “يرددون هتافات غير صحيحة”. وقال؛ “لا حرج في الاحتجاج في الإطار القانوني، ويجب التعبير عنه، هذا حق الناس الذين يعيشون في درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية”[25].
ولهذا، قد يتمكن النظام من السيطرة على الغضب الأحوازي برغم امتداده إلى مناطق إيرانية مختلفة أخرى، خصوصاً وأن هناك ثلاثة تيارات أحوازية معارضة، تختلف في توجهاتها الحركية؛ ما بين تيار يؤمن باستخدام المقاومة المسلحة ويطالب بالاستقلال التام، وتيار آخر يعتمد الاعتدال داعياً إلى التأكيد على حق تقرير المصير أو الحكم الذاتي للإقليم، وجماعات أحوازية أخرى تمثل تياراً ثالثاً، وتتخذ من النضال السلمي وسيلة للحصول على الحقوق دون المطالبة بالاستقلال[26].
وبالرغم مما تقدم، فإن احتجاجات الأحواز يمكن أن تتحول إلى ثورة تشترك فيها الشعوب غير الفارسية المتضامنة مع “انتفاضة العطش” في الأحواز، وما نتج عنها من قتلى وجرحى ومعتقلين أحوازيين نتيجة استهداف ميليشيات الحرس الثوري للمحتجين السلميين فيها.
المراجع
[1] . لمزيد من المعلومات عن الموقف البريطاني من الأحواز، انظر: صباح الموسوي، مئوية النفط الذي تسبب في احتلال الأحواز، إيلاف، 27 مايو 2008 https://bit.ly/36Z9DI9
[2] . Brenda Shaffer, The Impact of the Ahwaz protests in Iran, FDD, July 18, 2021, https://bit.ly/2V9erYH
[3]. روشن قاسم، المتحولون يروون أسباب تغييرهم مذهبهم أو ديانتهم، المجلة، 15 مارس 2016، على الرابط: https://bit.ly/3rylvu2
[4] . المصدر السابق.
[5] . Death toll in Ahwaz rises to 8 with dozens more injured in Iranian regime forces’ brutal attacks on protesters, dusc, 23\7\2021, https://bit.ly/3rzLBwP
[6] . Ibid
[7] . محمد شهابي، انتفاضة الأحواز تمتد إلى العمق الإيراني، النهار، 23 يوليو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3xb1onf
[8] . المصدر نفسه.
[9]. انظر تغريدات السياسي الأحوازي طه الياسين، في: مدن الأحواز متحدة ضد سياسات إيران، المشهد العربي، 21 يوليو 2021، على الرابط: https://bit.ly/2V79r7d
[10] . Brenda Shaffer, op.cit
[11] . يوسف عزيزي، تاريخ وتداعيات الهجرة الاستيطانية إلى عربستان، إندبندنت عربية، 1 يونيو 2020، على الرابط: https://bit.ly/2WdKN5b
[12] . حامد الكناني، مجزرة الأربعاء السوداء بمدينة المحمرة، المنظمة الأحوازية لحقوق الإنسان، 30 مايو 2019، على الرابط: https://bit.ly/3iLk1J5
[13] . جمال عبيدي، الحكم الذاتي في الأحواز ما بين الخميني ورجوي.. أيهما أصدق؟ العرب، 23 يوليو 2017، على الرابط: https://bit.ly/3rA8mRp
[14] . مسلم هنيدى، مأزومية النظام الإيراني في ظل إغراق الفيضانات لإقليم الأحواز، المرجع، 28 مايو 2019، على الرابط: https://bit.ly/3i0zYvR
[15] . المصدر نفسه.
[16] . Ahmad Majidyar, “IRGC’s role in Iran’s economy growing with its engineering arm set to execute 40 mega-projects,” Middle East Institute, May 7, 2018, https://bit.ly/3kV0hFA
[17] . إيران.. عرب الأحواز ينتفضون ضد “التعطيش الممنهج”، سكاي نيوز عربية، 17 يوليو 2021، على الرابط: https://bit.ly/370lzcE
[18] . Rahim Hamid, The Iranian Regime’s Targeted Assault on Protesting Ahwazi People, Washington Institute, Dec 11, 2019, https://bit.ly/3wV1uyV
[19] . Geopolitics, natural wealth give Ahwaz strategic importance in international equations, March 28th, 2021, dusc, https://bit.ly/3zxYA5b
[20] . يوسف عزيزي، لعنة النفط والسيول في عربستان، إندبندنت عربية، 15 إبريل 2019، على الرابط: https://bit.ly/3iEZiqb
[21] . “الحشد الشعبي”.. سلاح إيران لقمع “ثورة الأهواز″، سكاي نيوز عربية، 23 يوليو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3iOjFRS
[22] . المصدر نفسه.
[23] . أحمد جعفر، مظاهرات الأهواز.. أزمة المياه تسلط الضوء على وضع الأقلية العربية في إيران، الحرة، 22 يوليو 2021، على الرابط: https://arbne.ws/3x32NMy
[24] . صالح قشطة، صورة مؤلمة في الأحواز.. واندلاع احتجاجات ضد النظام الإيراني، الحرة، 16 يوليو2021، على الرابط: https://arbne.ws/3BFRpd1
[25] . أجواء أمنية مشددة في الأحواز… وروحاني يعترف بـ«أحقية» الاحتجاجات، الشرق الأوسط، 23 يوليو 2021، على الرابط: https://bit.ly/3x24FF9
[26] . مصلح خضر الجبوري، الدور السياسي للأقليات في الشرق الأوسط (عمان: الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2014)، ص 148.
المصدر:
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.