مخاطر النزاعات القبليـة والجهوية على الوحدة الوطنية/ بقلم: حامد الكناني

لندن- موقع كارون الثقافي- حامد الكناني- لا تخلو الشعوب من ظهور صور ومظاهر متعددة للنزاعات، فالنزاعات الطائفية او العرقية غالبا ما تؤدي إلى  انتصار طرف على طرف آخر، لكن النزاعات القبلية والجهوية غالبا ما تؤدي إلى خسارة جميع الأطراف، هناك شعوب تضررت واختفت الكثير من الدول بسبب النزاعات القبلية والجهوية، وقد تكون عربستان الأحواز التي فقدت سيادتها الوطنية مطلع القرن الماضي خير دليل على ذلك.

بعد القبض على شيخ المشايخ من قبل القسم المناهض للحكومة الفارسية من قبيلة كعب، دار قتال حوالي 6 أيام بين الفصائل الموالية للحكومة الفارسية في القبيلة والمعارضة لها ، مما أسفر عن سقوط حوالي 200 جريح وإحراق عدة منازل في البلدة. أطلق سراح شيخ المشايخ في النهاية على يد المواطن المحلي سيد جابر، السيد ذو النفوذ الكبير الذي يسعى مع قلعة بيغي إلى تسوية النزاع بين الفصيلين.”(1)

تصور معي ان الفلاحية وقبائلها التي كانت تثير قلق رضاخان وقواته الاجرامية بعد اختطاف الشيخ خزعل في ابريل 1925 والأحداث الدامية التي شهدتها مدينة المحمرة في شهر جولاي واغسطس من نفس العام، تنزلق في صراعات قبلية حول الزعامة و تشهد انقساما قبليا خطيرا،غذته السلطات الفارسية الغازية بخباثة وحصدت نتائجه في شهر نوفمبر من نفس العام، لصالح تثبيت احتلالها الدموي.

تشير الدراسات إلى ان الأسباب السياسية والاقتصادية  هي من تقف وراء النزاعات القبلية والجهوية، ومنها التنافس السلبي على الصدارة والهيمنة على الموارد. وتزداد حدة وخطورة هذا التنافس السلبي ان كان هناك عدوا متربصا بهذه القبائل او الجهات السياسية، مغذيا هذه النزاعات محاولا الصيد في الماء العكر كما يقال.

ويبدو ان السلطات الفارسية وجدت الحل في ممارسة سياسة مصادرة المياه وتجفيف الأنهر في المواسم الزراعية خير وسيلة لتغذية النزاعات القبلية، ففي عام 1943 نقلت وثيقة بريطانية هذا التقرير الأمني:

“في ليلة 17/18 من شهر يونيو 1942 نشب نزاع بين مشايخ مدينة الفلاحية (شادجان) حول مسألة توزيع مياه نهر الجراحي. يذكر أن زائر مغامس، وحجي مالك، والشيخ محي الدايخ، والشيخ ناصر البچاي، تحالفوا ضد الشيخ زائر احميّد وقاموا بالتعبير عن الفرح بهذا التحالف من خلال اطلاق الأهازيج “اليزلة” واطلاق الرصاص في الهوى، الأمر الذي جعل زائر احميّد يعتقد  انه تعرض لهجوم مباغت من قبل الحلفاء لذا طلب الحماية من قوات العسكرية الفارسية المرابطة في المدينة” (2)

 تعمد حكومات النظم الإيرانية المتعاقبة في ممارسة خطط التفقير والتجهيل ضد الأحوازيين الذين يعيشون على أغنى وأخصب بقاع الأرض من حيث الثروات الاقتصادية والموارد المائية والزراعية، ما هو إلا تخطيط إستراتيجي عنصري هادف إلى تغذية الصراعات والنزاعات الأحوازية – الأحوازية. وشهدت الأحواز خلال القرن الأخير، عمليات قمع وتنكيل متواصلة رافقتها عمليات نهب للثروات الوطنية وتنفيذ خطط عنصرية استهدفت الأنسان العربي وبيئته الطبيعية، بغية طرده من موطنه التاريخي، الأمر الذي أدى إلى تدهورا خطيرا في مناطق النزاعات وهي المناطق المتبقية بيد العرب حتى الآن.

صحيح ان أغلب القبائل والعشائر كانت ولا تزال تتنافس حول موارد شحيحة سواء كانت مصادر المياه أو المراعي أو الزراعة، لكنها باتت تدرك تماما ان المسبب الرئيس لكل هذا التنافس والصراع هو الأجنبي الذي سرق الثروات وصادر المياه ونهب الأراضي وفرض وجوده مستخدما القوة العسكرية والعنف وتجاوز كل الحدود في القمع والتنكيل. كما ان ضعف الوعي شكل عاملا آخر وجعل بعض القبائل ان تكون محافظة على واقعها التقليدي ومع شديد الأسف من هناك انتقلت هذه العدوى إلى الساحة السياسية في الخارج.

ولعل المشاهد السلبية التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية عن نزاع قبلي حول موارد المياه حدث بين قبيلتي “الدحيمي” و”مزرعة” في شمال الأحواز، تبعها التلاسن والتناحر القبلي العلني الذي شاهدناه أخيرا بين ممن يدعون الزعامة القبلية والجهة السياسية خير دليل على ان مخاطر مثل هذه النزاعات أكثر من مخاطر السياسات العدوانية التي تمارس ضد شعبنا، لأن العدوان الأجنبي غالبا ما يدفع الجهات السياسية والقبائل للتلاحم والتآخي لكن النزاعات الداخلية والبينية خاصة اﻟﻘﺒﻠﻴﺔ واﻟجهوية منها تعتبر خدمة مجانية للعدو، وتؤدي إلى تفكك وحدة ولحمة الشعوب وضياع الأوطان. هذه النزاعات ان كانت مدعومة من قبل محاور إقليمية متصارعة تعد عمليات لنقل الصراعات ألإقليمية إلى الداخل الأحوازي وهو عمل خطير لا يمكن تجاهل مخاطره وتداعيات الخطيرة.

لا أود التدخل في شؤون التنظيمات السياسية الاحوازية المستمرة في التحدي و الصمود بوجه النظام الايراني الارهابي والعقلية الشوفينية الفارسية المنتشرة في بلاد المنفى، تلك التنظيمات والجهود التي تناضل بإمكانياتها الذاتية دون ادنى دعم عربي أو أجنبي يذكر، وإنما القصد و المراد هو النظر بموضوعية و مراجعة للوضع المؤلم الحاكم على جميع هذه التنظيمات لكشف أسباب التشرذم و التناحر والتنافس السلبي الذي أصبح يسود الساحة الأحوازية في المهجر، فالتنظيمات شكلت لخدمة الشعب الأحوازي المضطهد ساعية توصيل صوته للمجتمع الدولي، بغية تخفيف حدة الظلم والاضطهاد الممارس ضده، لا أن تكون وصية عليه. ويجب أن يقوم فهمنا على المثل القائل “اليد التي في الثلج غير التي في النار” وعلى التحسس بالنيران التي تحرق أبناء شعبنا في الوطن وليس على التدخل في شؤونهم و المتاجرة بمعاناتهم ودمائهم الزكية. وان لا ننصب أنفسنا أوصياء عليهم ونحن مستمتعون بالرفاهية والأمان والحرية المتوفرة لنا في المنفى، كما أننا وبسبب البعد الجغرافي بعيدين كل البعد عن التحديات المميتة التي تواجه أهلنا على ارض الوطن بشكل يومي. فهناك من وصل بلاد المنفى دون أن يذكر له موقف وطني في الداخل وسرعان ما تسلق حتى أصبح يعد نفسه من القيادات الاحوازية وأخذ يوزع صكوك التخوين على من سبقوه في النضال، الذين قدموا التضحيات وعانوا أشد المعاناة هُم وأسرهم في سبيل القضية الاحوازية محاولا إسقاط وتشويه سمعة كل من يخالفه الرأي.

إن الرصيد المشرف والإيجابي لتطور النضال الوطني الأحوازي في الداخل والخارج ينبغي أن يشدّنا للسقف الوطني والوحدة، فالوطنية هي السقف العالي للنهوض بالأوطان وهي أكبر من المكوّنات القبلية والمناطقية والجهوية السياسية السلبية التي أُعيد إنتاجها في العقود الماضية وساعدت في فرض الهيمنة الفارسية على مقدرات الشعب والوطن الأحوازي.

……………………………………………………..

(1) و (2)           – المكتبة البريطانية: أوراق خاصة وسجلات من مكتب الهند    IOR/L/PS/12/3400 ومكتبة قطرالرقمية -“بلاد فارس”: يوميّات: يوميات خوزستان (الأحواز)

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: