نهب الثروات والتمييز العنصري في الأحواز..سياسة فارسية ممنهجة

لندن- موقع كارون الثقافي-حامد الكناني- على عكس ما كان متوقع ان يقوم رضاخان (بهلوي) بقتل أمير الأحواز الشيخ خزعل بن جابر الذي نقلوه مكبلا بمعية ولي عهده عبدالحميد إلى طهران عام 1925، بعد وصوله هناك مباشرة؛ استخدم رضا خان حيلة أخرى وأجل هذا الأمر عشر سنوات تقريبا، بغية تجريد الشيخ خزعل من جميع صلاحياته الوطنية والدولية وسحب الأوسمة والنياشين والفرمانات الفارسية وابطال المعاهدات خاصة تلك التي تعهدت بها بريطانيا عام 1914.

وقع امير الأحواز فريسة سهلة بيد رئيس وزراء إيران الذي جائت به قوى أجنبية لتولي الحكم في إيران، وقام الأخير بخلق الذرائع وحجج متعددة بغية نهب أموال الشعب الأحوازي، خاصة أموال وممتلكات الشيخ خزعل الموجودة في الأحواز والعراق والكويت، وإجبار الشيخ خزعل وأولاده على بيع بعض الممتلكات الخاصة والتنازل عن بعضها الآخر، وكان الهدف هو افلاس الشعب والشيخ خزعل وأولاده؛ خشية توظيف تلك الأموال والممتلكات لتحشيد الشعب ودعمه في مقاومته الوطنية، وهي سياسة أصبحت تستخدم ليومنا هذا حيث تعمل الحكومات الإيرانية وبشكل ممنهج على مصادرة ثروات الشعب وحرمان العرب من ممارسة النشاط التجاري لصالح غير العرب.

بدأت عمليات نهب الأموال والممتلكات مع أول يوم من الاحتلال العسكري صبيحة العشرين من نيسان عام 1925بمصادرة السفن والبواخر الخاصة بالشيخ خزعل وهكذا المباني الحكومية والقصور المشيّدة في منطقة الفيلية بالمحمرة ومحتوياتها،  ولعل أبرز القرارات الحكومية الجائرة التي صدرت ضد الشيخ خزعل وهو كان اسيرا في طهران مطالبته بدفع مبالغ باهضة من المال بعد تحميله مسؤولية الثورة التي قام بها سكان المحمرة ثلاثة شهور بعد تقويض الحكم العربي واستبداله بحكومة عسكرية فارسية، الأحداث المعروفة بثورة “الغلمان” حيث كان الحرس الخزعلي هو من قاد الثورة. ولم تكتفي السلطات بتغريم الشيخ خزعل آنذاك بل اجبروه هلى كتابة رسالة باللغة الفارسية موجهة لنجله الشيخ عبدالله ووكيله في البصرة والعرب يدين فيها الثوار ويطالبهم بالاستسلام والرضوخ للأمر الواقع. لكن الغريب في الموضوع هو لماذا كتبت الرسالة باللغة الفارسية ان كانت موجهة لنجله عبدالله ووكيله في البصرة وأبناء شعبه في عربستان الذين حتى ذلك الوقت كانت لغتهم اللغة العربية ولا احد فيهم يجيد اللغة الفارسية؟!. ام السلطات في طهران آنذاك لام تفهم اللغة العربية وكتبت الرسالة باللغة الفارسية واجبرت الشيخ خزعل على التوقيع تحتها؟!.

ما دفعني لكتابة هذا المقال اليوم هي مجموعة وثائق وجدتها في الأرشيف الوطني البريطاني وموقع مكتبة قطر الرقمية جميعها تشير إلى عمليات نهب ومصادرة واستهداف متعمد لنشاطات تجارية كان يمارسها العرب بغية تجريدهم من هذه النشاطات الشرعية وتهميشهم لصالح المستوطنين والمسؤولين العسكريين الذين استولوا على مقدرات الشعب الأحوازي من غير وجه حق.

أبرز هذه الوثائق هي الفقرة الواردة في تقرير القنصلية البريطانية الشهري في المحمرة ،مايو عام 1931، ” يقال إن الشيخ (خزعل) سيتعرض لمزيد من الخسائر بسبب العداء القديم بينه وبين الحاكم العسكري العام في الأحواز، ظهير الملك“.

وقد جاء في تقرير القنصلية البريطانية لشهر إبريل عام 1931 مايلي: “”تمت مصادرة الحصران والمتعلقات الخاصة بالمحلات (التجارية) المهدومة العائدة للشيخ (خزعل) والتي باعها ابنه عبد المجيد لمقاول (يهودي) بأمر من الحاكم (العسكري) العام، مع محلات أخرى. من المقترح أن تشيّد هناك حديقة عامةوقصر لرضا خان بهلوي على الضفة اليمنى لنهر كارون. ولهذا الغرض قام الحاكم العسكري العام بمساعدة المدير العام للسكك الحديدية في الجنوب، السيد كارول، بمسح ورسم المعالم السياحية وإرسال الخطط إلى طهران. بناءً على توصية من الحاكم العام تم طلب مبلغ 10 الأف (؟) من الحكومة المركزية لتوسيع الحديقة الوطنية الحالية. سيتطلب هذا المشروع تدمير حوالي 60 متجراً في  سوق معين التجار و 50 متجراً في سوق حاج رئيس وعدد قليل من المحلات التجارية المملوكة لتجار آخرين. لم تدفع تعويضات لأصحاب المحلات المهدومة والأغراض المصادرة. الأموال لم يتم توفيرها بعد.”

وتؤكد احدى فقرات تقرير شهر مايو من نفس العام ما حدث في شهر إبريل 1931 “، ودمرت البلدية قرابة 50 متجرا تابعا للشيخ (خزعل) في شهر نيسان الماضي و 50 محلا آخر خلال شهر أيار لتوسيع البازارات.”

وتشير فقرة أخرى من تقرير القنصلية الشهري لشهر إبريل عام 1931 إلى خسارة كبيرة يتعرض لها القطاع التجاري في المحمرة والأسر التي كانت تعتمد على هذا القطاع في تأمين قوتها، ولم تختصر الخسائر على اصحاب المحلات التجارية والتجار بل فرضت الضرائب على المنازل السكنية والاحياء المدنية وازيلت الكثير من المنازل وتم تشريد أهلها دون منحهم تعويضات، كما طلب من اصحاب ما تبقى من المنازل تجميل واجهات منازلهم بالطوب (الآجر) فأصبحت المنازل الطينية جميلة من الخارج لكن البؤس والفقر والظلم والتمييز العنصري بكل اشكاله، كان معششا في داخلها.

وأما ازالة الأسواق الثلاثة التي ورد ذكرها في الوثائق البريطانية دون تعويض أصحابها والعاملين فيها وهي ، سوق الشيخ، وسوق حاج رئيس، وسوق معين التجار، التي كانت تشكل العصب الرئيس للقطاع التجاري في الأحواز باعتبار ان المحمرة كانت تشكل بوابة الاستيراد والتصدير لعموم الأحواز آنذاك، وجعل هذه المنطقة التجارية الحيوية حديقة عامة كانت جريمة أخرى سجلت في سجل السلطات الفارسية عام 1931.

وجاء في فقرة أخرى من تقرير شهر إبريل:

” منذ ان فرضت البلدية ضرائب جديدة ، كان رئيس البلدية أكثر نشاطًا. تم هدم بازار الشيخ (خزعل) الأمر الذي أدى إلى تعريض الشيخ (خزعل) خسارة فادحة، وهكذا المستأجرين الذين بنوا محلاتهم التجارية على أراض مؤجرة من الشيخ (خزعل).  ولم يدفع أي تعويض للمتضررين.  والخطة (الذريعة-م) هي إنشاء شارع واحد مستقيم بموازات نهر كارون على طول المدينة (هذا يعني هدم المبان والمنازل الواقعة على واجهة النهر ومصادرة أراضيها-م) .  كما تقرر أن تكون واجهات المنازل على الطرق الرئيسية الأربعة مغلفة بالطوب (الآجر).  ولذلك تم إبلاغ اصحاب المنازل المبنية من الطين  في هذه الشوارع . كما صدرت أوامر بهدم وازالة عدد كبير من المنازل من أجل تشييد هذه الشوارع الأربعة”.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: