مملكة بني كعب – شيخ الفلاحية – استقبال المؤلف في بلاط بني كعب – مخطط البلاد ومواردها وأهلها … إلخ – السفر إلى بهبهان.
الفلاحية ، وكما وصفها السير جون ماكدونالد كينر ، مدينة كبيرة جدًا ، لأن المنازل فيها متوزعة على مساحة كبيرة من الأرض ومظللة بأشجار النخيل ومليئة ببساتين الرمان الجميلة. حيث يؤكد هذا الضابط الذكي ، في مذكراته الجغرافية أثناء حديثه عن بلاد فارس ، يؤكد أن هذا المكان الذي يُدعى الفلاحية، اسمه الدورق وهكذا يجب ان يذكر في الخرائط وما إلى ذلك.
يختلف المظهر الخارجي لمنازل الفلاحية كثيرًا عن المنازل التي رأيتها في القرى الواقعة على طول نهر الفرات أو على شواطئ الخليج. هنا المنازل تشبه المنازل الإنجليزية ذات السقف المنحدر من القش ، ولكن من نواحٍ أخرى ، تستخدم الدور غير المعتاد للمنزل العربي ، حيث تصنع جدرانها فقط من طبقات سميكة من الطين، وسقفها مغطى بالقصب الطويل المخلوط بالقش. تمتد المدينة على ضفتي نهر الجراحي لعدة أميال، وهي مدينة نظيفة وصحية بشكل عام.
توجد داخل المدينة قلعة (حدود المدينة القديمة) محمية بجدار مرتفع وسميك ومحاطة بحوالي ميل ونصف. داخل القلعة ، على الضفة اليسرى للنهر ، يوجد الكوت أو قصر الشيخ ، والذي ربما كان مبنى جميلًا ومحصنًا ، لكنه الآن في حالة خراب طفيف.
وتوجد في وسط القصر ساحة كبيرة أو ساحة عامة، تشغل احدى جوانب حديقة الأمير ،المدفعية التي تتكون من نحو ثمانية مدافع برونزية ومدفعان برتغاليان من الحديد ذات أذرع معدنية جميلة. يبدو أن هذه الأسلحة استقرت في هذا الميدان لأكثر من قرن. ومع ذلك ، كانت في حالة جيدة جدًا.
بعد ما ارسلت مرشدي ، ومعه الرسالة التي زودني بها شيخ المحمرة إلى أمير الفلاحية ، تمت الموافقة بسرعة ، وتم إرسال حارس خاص إلى ساحل النهر لإرشادي وتوصيلي إلى مجلس الأمير. رأيت الأمير مبادر في الصالة العامة جالسًا بهدوء ، وعلى يساره رجل عجوز وسيم ، وعدد من الأتباع ذوي الثياب الأنيقة يتكئون على رماحهم وبنادقهم ينتظرون الأوامر.
المشهد يوحي لصورة نمطية عن زعيم شرقي وأتباعه:
“وكأنما ألف محارب كانوا في حالة استعداد لتنفيذ أوامره. إن قال، ايها الفارس ، انطلق، فيذهب – وان قال، تعال، يتقدم للأمام”.
رغم زحمة المجلس ، استقبلني الأمير مبادر بحفاوة عند مدخل الديوان. وبحسب قوله ، فقد أبلغه شقيقه بالخدمات الجليلة التي قدمها صديقه “الحكيم” ،وكان سعيدًا بخدمتي له معبرا عن امتنانه.
قال الأمير مبادر: لكن لماذا ترتدي هذه العمامة والعباءة وتضع اللحية؟!.
أنت لا تشبه الافرنج. أجبته ، نعم وبالضبط هذا هو سبب ارتدائي للملابس العربية. قال: إذا كان هذا السبب، تجاهل قلقك واترك الخوف فورا. سأريك أنه من الممكن السفر بأي زي تشاء عبر حدود بلادي. واضاف ، غيّر زيك ، وانعش نفسك بالطعام والنوم ، وعود لي مرة أخرى، بعد صلاة العصر. ثم أمر بتزويدي بلحم الضان وكمية من الأرز ، والفاكهة ، والطيور ، والقهوة والحليب ، وكان الخدم ينتظروني ، حيث خصص منزلًا خاصا لاقامتي.
في الساعة المحددة قمت بتجديد زيارتي بالزي الأسود. كان الشيخ يمسك بنوع من السد في شرفة فسيحة أمام الجناح العائلي ترتفع عن الأرض حوالي ثلاثة أقدام ، وينظر إلى ساحة القصر. ثلاثة أو أربعة صقور جميلة كانت جالسة بالقرب من الشيخ ، وكان يربت على ظهر اثنين من الكلاب السلوقية المدربة.
يقف في مدخل الديوان حارس قوي ، وكان عدد من القيادات قد حضرت لتقديم تقارير عن الإجراءات التي اتخذوها لتعزيز القوات في المحمرة ، أو ينتظرون التعليمات من الأمير. تم استقبال هؤلاء القادة وفق رتبهم، ويظهر مدى احترامهم وحبهم للأمير من خلال حماسهم لمعانقته. اصحاب الرتب العليا انحنوا وأخذوا أماكنهم ، وآخرون تقدموا وقبّلوا يد الأمير ، بينما ركع الضباط الأكثر تواضعًا على ركبة واحدة، لأداء للتعبير عن الاحترام.
مع ذلك، لاحظت أن كبار السن يحظون دائمًا بالاحترام الكبير في هذا المجلس الصغير، لأنه عندما أتي رجل طاعن في السن ، قام الأمير من مكانه وعانقه ، على الرغم من أن هذا الرجل المسن لم يبدو شخصية مهمة.
حين شاهدني الأمير بالملابس الأوروبية رحب بي وقال، “جيد، جيد، هذه هي هويتك. لقد مر وقت طويل لمأرى رجل إنجليزي ، لكنني لا أنسى أنهم أمة عظيمة “. ثم تحدث معي حول خططي المستقبلية لتكميل رحلتي ، وزودني ببعض التعليمات للمرور عبر إقليم بني كعب. وتحدث معي عن الصيد ، وبشكل خاص عن الصيد بالصقور ، أخبرني أن الصحارى مليئة بالصيد، وأنه إذا بقيت معه ، فسوف أرى كيف قطعان الظباء تسقط في مخالب صقوره الأصيله.
كان يستفسر عن رياضاتنا الميدانية ، لكنه أظهر القليل جدًا من الاهتمام بالأمور الأكثر أهمية ؛ لأنه قال: “أنا بالفعل على دراية جيدة بكل ما يتعلق بالأوروبيين وإمبراطورياتهم”.
مع اقتراب اليوم من نهايته ، أعربت للأمير عن رغبتي في المغادرة ، وفي نفس الوقت قدمت عرضًا لخدماتي بالطريقة الطبية له ولحضار مجلسه. أمر على الفور بتجهيز قارب لي ، ليأخذني إلى أقرب قرية ، مزودًا جيدًا بالخيول ، وعين زميلًا شابًا جيدًا لمرافقتي.
لم احصل على الحماية من المخاطر خلال رحلتي المرتقبة فحسب، بل وفر لي الأمير مبادر كل ما احتاجه لمتابعة رحلتي والوصول إلى بهبهان مجانًا. ثم طلب مني أن أفحص عيني وزيره الضعيفة والمريضة. لقد قمت بفحصهم ، ولأنهم تأثروا بشكل واضح ، (على الرغم من أنني بالطبع لم أكن أعرف بأي طريقة أو كيفية تطبيق علاج ناجح) ، فقد قدمت له زوجًا من النظارات الخضراء. وفي وقت متأخر من المساء ، عبرت عن احترامي وتقديري لمضيفي الليبرالي ، وغادرت.
مبادر ، أمير بني كعب ، هو أقوى زعيم عربي في منطقة تقع جنوب غرب بلاد فارس. قد تصل عائداته ، عن تصدير التمر ، وصناعة البشوت، والجمارك المفروضة على الواردات الهندية ، إلى ما يعادل ستين ألف تومان سنويًا.
يحظى بتقدير كبير من قبل جميع القبائل ، الذين يسافرون إلى الفلاحية بناءً على استدعائه ، حاملين معهم سلاحهم الحربي. وبهذه الطريقة يمكنه قيادة ستة أو سبعة آلاف من الفرسان ونحو خمسة عشر ألفًا من المشاة ، اضف إلى ذلك العناصر المتجولة في صحراء بني كعب.
الأمير مبادر وسط القامة ، ذو وجه بشاش ، وسلوك رفیع. ومن المعروف أنه يمتلك الكثير من طيبة القلب ، وفي نفس الوقت يمتلك شجاعة الأسد. إنه ليبرالي ومتسامح وحريص على التقدم والعمران في بلاده، وبهذه النظرة کان يشجع الحرفيين والأجانب ومنهم الأوروبيين على اللجوء إلى أراضيه. أثناء زيارتي للفلاحية شاهدت هناك أثنان من الروس، لكن هؤلاء المساكين كانوا قد تحولوا إلى الإسلام ، ويبدو انهم كانوا يعيشون حياة بائسة ، فمن جانب كانوا يتمتعون بحماية الشيخ ودعمه لهم ومن جانب آخر كره أتباعه. لغة بني كعب هي العربية. لكن المسافركل ما يتجه شرقًا ،يجد ان هذه اللغة تتزاوج تدريجيًا مع الفارسية.
يتبع
كارون الثقافي، موقع أحوازي حُر ومستقل- حامد الكناني 
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.