
لندن – موقع كارون الثقافي- خاص حامد الكناني.
العمارة
بدأنا الرحلة الساعة الخامسة والنصف صباحًا. في يوم 20 أبريل، بواسطة قارب خشبي مجهز بمحرك صغير، يسحب خلفه مشحوف محمل بالامتعة. كنت أنوي عبور الأهوار (المستنقعات المائية) من قلعة صالح إلى البسيتين عبر قناة المجرية (شط المچریة). بعد أن تركنا هذه القناة خلفنا ، وصلنا إلى المياه المفتوحة ، وسرنا عبرها لأكثر من ساعة، ثم وصلنا إلى كتل من القصب المنخفض، ومع تقدمنا بدأت هذه الكتل تتكاثف تدريجياً.
تركنا الآن المياه العذبة المتدفقة من نهر دجلة ورائنا، ووجدنا أنفسنا نسير عبر مياه مالحة تتدفق من نهر الدويريج. حتى الآن كانت المياه ضحلة في مكان واحد فقط، ولكن بدأت الآن أعاقت تقدمنا بواسطة الأعشاب التي أصبحت متشابكة بنحو خمسة أميال، وكادت أن تصلنا إلى طريق مسدود. بعد مغادرة هذه العقبة خلفنا، وصلنا إلى حزام من القصب العالي جدًا ، بعد أن مررنا من خلاله وصلنا إلى بحر داخلي آخر يتشكل من مياه نهر الكرخة. لقد أحدثت الرياح العاتية التي كانت تهب، أمواج عالية ، تظهر وتتلاشى بين الحين والآخر وهي تشبه خيول بيضاء “مما يعزز انطباعنا الأول وهو انطباع البحر.
كانت الأمواج كبيرة جدًا لدرجة أن العرب لم يرغبوا في القيام برحلة عبرها. لقد قمنا بتجاوزها من دون أي خطورة سوا تعرضنا للرذاذ. توجهنا إلى الجانب الآخر من هذا الامتداد المفتوح للمياه، ووصلنا إلى أحد مصبات نهر الكرخة وفي هذه المرحلة فقدنا مرشدنا. فقدنا المرشد الساعة الخامسة مساءا وعثرنا عليه الساعة الواحدة صباحًا في اليوم التالي ، تجولنا داخل وخارج ممرات المياه الضيقة داخل القصب المرتفع حول رؤوسنا، و دفعنا قاربنا وسحبه فوق الحقول التي غمرتها المياه، حتى وصلنا أخيرًا إلى البسيتين. لو حافظنا على المسار الصحيح لكانت الرحلة ممتعة وجيدًة جدًا.

البسيتين.
المشهد الاول في البسيتين كانت بيوت القصب (الصرايف) وكنا موضع ترحيب كبير، وقد أجهدنا أعيننا لإلقاء نظرة على خيامنا التي تم إرسالها قبل ثلاثة أيام. مررنا مرارًا وتكرارًا عبر هذا الصف المزدوج من بيوت القصب الصامتة – بدأت القرية وكأنها لا نهاية لها وعندما اكتشفنا خيامنا أخيرًا ، لعننا االعمال لأنهم وضعوها في نهاية القرية. لكن في صباح اليوم التالي كشف لنا أننا لم نكن في نهاية القرية بأي حال من الأحوال – فبقدر ما تراه العين يمتد هذا الخط من الصرايف على عمق واحد فقط على جانبي النهر. لمدة خمسة أميال على الأقل ، يجب أن يمتد هذا الخط غير المنقطع من بيوت القصب ، وهذا ليس النطاق الكامل للقرية حيث يتفرع النهر هنا وينقسم إلى فروع أخرى تصطف هذه البيوت على ضفافها.
اعتقدت أنه ربما بسبب الفيضانات ، تجمع كل هؤلاء الناس في هذه المنطقة النائية معًا ولكن قيل لي هكذا هي البسيتين كانت دائمًا هذه القرية الضخمة تتشكل من بيوت القصب. كنت بالكاد أود أن أسميها بلدة حيث لا يوجد فيها ولو منزل واحد مصنوع من الآجر أو بيوت من الطين. كل ما تتباهى به هذه القرية فقط حوالي منطقة متواضعة يتكون منها البازار (السوق).
في صباح اليوم التالي ، كانت ضيافة العرب واضحة، وجدت عند خروجي من خيمتي ثلاثة أغنام مربوطة أمامها ، كما تم إحضار طيور وأوعية مليئة من الحليب.
فوجئ خادمي بشراسة فتى من بني طرف وكرمه، حيث اعطاه روبية وطلب منه شراء بعض البيض لكن الفتى جاء بسلة من البيض واعاد الروبية. في الصباح دعوني شيوخ البسيتين الثلاثة لمقابلتهم. بالمعنى الدقيق للكلمة فهم ليسوا شيوخًا، لكنهم من أقارب شيوخ بني طروف الذين يعيشون في الخفاجية.
قبلت دعوة هؤلاء الشيوخ وهُم: كاظم شقيق الشيخ علي (المنيشد؟؟). عزيز نجل شقيق الشيخ مطلب(حجي سبهان) ونجل الشيخ جعفر (بن مهاوي). كانت مضايفهم جيدة الرتتيب وفخمة ونظيفة تماما. تجولت في أنحاء القرية ووجدت أن جميع بيوت القصب كانت كبيرة ومبنية جيدًا ، والناس مزدهرون والمكان نظيف بشكل عام باستثناء البازار الذي كان صغيرًا ومزدحماً تعمه الفوضى.
البسيتين هي أكبر مكان في هذه الأجزاء. قدّر حسين الغضبان أن عدد السكان يصل إلى 8000 رجل. المادة الأساسية للطعام هنا هي الأرز (التمن)، على الرغم من تناول اللحوم والأسماك، إن خبزهم مصنوع من الأرز، في الواقع أنهم معتادون على تناول الأرز لدرجة أنهم يقولون إن أكل خبز القمح يسبب لهم آلامًا في المعدة.
تنويه: لا يجوز اعادة نشر او اقتباس هذه الترجمة دون ذكر موقع كارون الثقافي- منشورات حامد الكناني.
مصدر الرحلة باللغة الانجليزية: أرشيف وزارة الخارجية البريطانية – مكتبة قطر الرقمية.
بارك الله بجهودكم أيها الأخ العزيز
إعجابإعجاب
وبكم اخي العزيز ابو خلدون..شكرا لك.
إعجابإعجاب