
صدرت عن دار «أروقة» في القاهرة رواية «طيور الأحواز تحلّق جنوبًا» للشاعر والروائي الأحوازي محمد عامر، الذي تندرج غالبية كتاباته الشعرية والنثرية ضمن أدب المقاومة الأحوازية. ورغم إقرار الكاتب بأنّ روايته «حقيقية الأحداث» إلاّ أنها لم تنجُ من الخيال الذي يتسرّب إلى الجملة الروائية ويمنحها نكهة خاصة تُخفّف من ثقلها الواقعي الذي تنوء به منذ مُستهل الرواية حتى خاتمتها المدروسة بعناية فائقة.
تعتمد ثيمة الرواية على المذكّرات الشخصية التي تتعالق مع بعض الوقائع والأحداث التي ارتبطت بالثورة الإيرانية، التي فجّرها الخميني من منفاه الباريسي عام 1979، وأزاح الشاه محمد رضا بهلوي، وتعهّد منذ تسنّمهِ سدة الحُكم بتحقيق العدالة، وإعادة الحقوق المسلوبة للشعوب غير الفارسية، كالعرب والبلوش والكُرد والأذريين، لكن ما إن ترأس الشيخ محمد طاهر الخاقاني الوفد الثلاثيني، وطرح مطالب الشعب الأحوازي حتى تجهّم الخميني ورفض المشروع، ووصف انتفاضة المحمّرة بالفتنة التي يجب إخمادها فورًا، وسرعان ما التقطت الأجهزة الأمنية هذه الإشارة، فأغلقت المراكز الثقافية في المحمرة، وزجّت بالمحتجين والمعارضين إلى السجون والمحاكمات التعسفية التي يشرف عليها صادق خلخالي الملقب بجلاد العصر الذي أمر بإطلاق النار على عبدالرضا شفيع الكناني وحسن دغلاوي من دون أن يسألهما عن الجرم الذي ارتكباه، فلا غرابة أن تتعمّق فكرة المقاومة وتأخذ أشكالاً متعددة أبرزها، المشاركة في العمليات الفدائية في عمق الأراضي الإيرانية خاصة بعد قرار تشكيل جيش تحرير الأحواز.
تتكئ الرواية على شخصيتين أساسيتين وهما محمد شفيع الكناني وصديق طفولته بدر معتوق الكعبي، اللذين استقيا أفكارهما الوطنية من عبدالرضا شفيع الكناني، لكن النسق السردي الذي يسير بخط مستقيم سيعتمد على بدر، الشخصية المحورية التي طوّرها الروائي بدقة وأناة، فهو وفيّ مع أصدقائه، وله علاقات اجتماعية متشعبة، والأهمّ من ذلك هو ارتباطه بقصة حُب مع زهرة، الفتاة التي تعلّق بها، لكنه لم يستطع الاقتران بها لأن الموت كان يتربّص به من كل حدبٍ وصوب.
يُكلَّف بدر على مدار النص الروائي بثلاث عمليات خطيرة ينجح فيها كلها بعد التدريب المكثّف عليها، الأولى هي التسلّل خلف خطوط العدو في قاطع ميسان، الهدف منها رصد آلياته الثابتة والمتحركة، ومراقبة مواضعه الدفاعية، وتحديد مواقع المدفعية الثقيلة، وحينما أمضى خمس ليالٍ عاد وفي جعبته معلومات كثيرة. أما العملية الثانية فكانت ثُكنة عسكرية إسرائيلية في حيفا تضمّ آليات وخزّانًا كبيرًا للوقود نجح في تفجيرها وعاد إلى قاعدة انطلاقه سالمًا. وقبل تنفيذ العملية الثالثة يتم احتلال الكويت من قِبل الجيش العراقي، فتتوعّد أمريكا بإعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعة، وهذا ما حصل فعلاً بعد أربعين يومًا من القصف الجهنّمي المتواصل، قبل أن تشرع دول التحالف بهجومها البريّ في نهاية فبراير/شباط 1991 لتندلع في إثره الانتفاضة الشعبانية في محافظات الجنوب كلها، وينهار جيش تحرير الأحواز بسبب الحصار الاقتصادي، ويسبّب في عودة عناصره برفقة عوائلهم إلى الأحواز باستثناء من كانت عقوبته السجن المؤبد أو الإعدام.