لمسة نقدیة علی قصة “الجرس ” ، للكاتب الأحوازي، حمزة ابو خالد الصیاحي/ بقلم: د. عباس الطائي

الكاتب الاحوازي حمزة ابو خالد الصياحي، عضو في الرابطة العالمية للدفاع عن اللغة العربية.

الشاعر و الكاتب حمزة ابو خالد الصیّاحي، قرأنا له نصوصا فصحی شعریة في القصة القصیرة والخواطر، والنقد علی بعض الأعمال للكتّاب الأحوازیین.
وأخیر أطل علینا بلوحة جداریة قصصیة خماسیة الأجزاء، نتناول منها القصة الأولی وهي قصة ” الجرس”.
في قصة الجرس ، نحن أمام نص مثقل بالتعب والمعاناة، مثخن بالجراح ، إذ یبدأ الكاتب قصته بقوله : (أنَّ الخشبُ أنينَ العجوز المتعبِ… أشتدَّ هطولُ المطرِ وسبقهُ صوت رعدٍ مهيبٍ برقهُ يخطف الأبصار ، كأنه ثورة براكين اختنقت منذ عهود حبست ألانفاس، او إنفجار ….)


كل شيء في المقدمة ینم عن صراع وعنف وتحدٍّ …ٍ ، ونری الكاتب یرید أن یصف كل ذلك من خلال ما كدسه في النص من المشاهد والأحداث والتحديات والصراعات المكثفة.
بطل القصة الوحید، قد أعده الكاتب لهذا الصراع إعدادا متقنا، فهو شاب قوي طافح الطموح مغامر، لأن الطریق وعرة ملوثة ،فیقول : (تَقَدَّمَ بخطواتٍ يُسابِقُ بها الزمنَ بخطى تحملها قدمان قويتان وقامة رشیقة لشابٍ جرئ مغامرٍ يجتازُ طريقاً طينياً لزجاً وصعباً تعوَدعليه ، طريقٌ تعترضه بركٌ صغيرةٌ وكثيرةٌ و عفنةٌ اعتادَ عليها أهل الحي).
الاسلوب سردي متواصل یحبس الأنفاس،والبطل في هذه القصة واحد، والضمیر المتكلم وحده ،ولا مخاطب في النص ،و یعتمد علی الحدیث مع النفس .ومحتوی القصة لیس إلا تجربة الكاتب نفسه: (وسط هذا التلوثِ القاتلِ تهرولُ أفكارهُ معهُ متناغمةً مع سرعةِ خطواتهِ)
البطل موهوب و یحمل افكارا یرید منها أن تغیر أشیاء كثیرة ،فهویحمل علی عاتقه رسالة اصلاح ما أفسدته أیاد ٍ لم یستطع البوح بأسمائها ، فیلجأ الی استخدام الرموز، لكنه أسهب في تحشیدها في هذ النص الذي لا یحتمل كل هذا الزخم الرمزي الذي سنراه في النص. وكأنَّ الكاتب قد مُنح دقائق محدودة لا غیرها،لیقول كل ما لدیه ، مما یشعرنا بالتوتر الذي یعانیه البطل جراء الظروف القاسیة التي یمر بها:
(یحمل احلاماً.. يصبح فيها دكتوراً صيدلانياً وكأنه اكملَ فيها اعظم روبوت بدأه في صغرهِ وبرمجهُ على جزءٍ من جسم الإنسان يعمل على تشخيصِ الأمراضِ بسرعة البرق ويساعد في مراقبة تأثير الدواء إلى جانب الطبيب الأخصائي و لحظةٍ بلحظةٍ حتى العلاج القاطع ليوقف وتنتهي بذلك مجازر الموتِ في المستشفياتِ الحكوميةِ)
ومن هنا نجد الحبكة مثقلة بالرموز،والتنصیصات التاریخیة وغیرها، إذ نری الكاتب تارة یعرج الی التاریخ القدیم فیستشرف تاریخ عیلام وسومر والزقورات ( المعابد) العیلامیة منذ اكثر من ثلاثة آلاف عام قبل المیلاد من خلال كلامه عن المرأة الأهوازیة : (وقد زيّن الوشم الأخضر محاسن وجهها وكأنها تريد أن تقول على أنها احدى ملكات عيلام أو سومر جائت لتعرض زيّها وحليّها وأوشامها لتنافس اشهر أسواق العالم ، وراح مغموراً ملتصقاً بجدارٍ بيتٍ من الآجر المربع القديم على غرار آجر زقورة السوس).
وتارة یتحدث عن المعاناة التي یقاسیها شعبه جراء ممارسات جهات لا یرید أن یبوح بها ، فیلجأ الی استخدام الرموز،وإذن هذا الترمیز،أقرب الی مناورة سیاسیة منه الی عملیة قصصیة فنیة.
ثم یعود الی الحاضر لیشیر الی ما یجري في غزة و كأنه لا یرید أن یفوت هذه الفرصة لیساهم بالدفاع عن الإنسان الفلسطیني المحاصر فیها : (…او إنفجار قذائفٌ الدبابات وطائرات وصواريخ صهيونية أمريكية انقضت على خيم واطفال بقطاع غزه ودفنت آخر الأعداء لها تحت ركام الأحياء السكنية)
البطل مشوش الأفكار في صراع مع عدة جبهات ، مع الطبیعة وامطارها التی تجعل الأحياء مستنقعات عفنة ،وتارة یتحدث عن المعلم الظالم وهو یرمز به الی النظام العنصري البهلوي الذي جعل العصر الساساني والأكاسرة رموزا للقومیة العنصریة و… 😦 .. كيف نتحاشى تنمرهِ وضربهِ المبرحِ الموجعِ بعصاه التي يقول أنه ورثها من (يزدجر) ولم تفارقه أبداً..؟..)
ولم ینس الكاتب المشاكل التي تعانیها الفتاة الأحوازیة من التقالید المحلیة التي تحرمها حق الإختیار: ( الصبايا بنات المدارس اللواتي حُرمن من الإختيار)
وفوق كل هذا فهو یرید أن یثأر لامه التي راحت ضحیة الغازات السامة التی سببتها الأمطار التي 😦 …أنزلت تلوثاً عائماً وملتصقاً بسطح السحب السوداء فوق المدينةِ، تلوثٌ عائمٌ ودائمٌ ناتجٌ عن عملياتِ استخراجِ نفطٍ زادت غلظته عن الحدِ المجازُ، ضمن المقاساتِ الرسمية ِ العالمية ِ بحيث أصبحت غيوم العالمي المميز لتخزين السم القاتل، اوالمدينة ُ التي تتصدرُ القائمةُ ألأولى في مقياس التلوثِ البيئي العالميٍ ولا شك انها قد دفعت بالآلاف الأشخاص الذين اختنقوا اول المساء و باتوا يشكون من ضيق التنفس إلى المستشفيات ، انه لحادث مرعب الذي يفاجئنا في بدايات كل الأمطار ويأخذ منّا ضحايا)
و یعبر عن السطو الثقافي البهلوي بالطوفان، فیقول: (….ثم راح الطوفانُ يعرقلُ السيرَ)
وهو لا یرید أن يغفل ما
تعانیه المرأة الأحوازیة : (… فاسرعَ واحتمى بنفسه كاستراحةِ محارب الى جانب بائعة السمك وهي جالسة تلتف بعبائتها السوداء الفضفاضة وتحمي رأسها بعصابتها …..في وسط نصف دائرة الدوار الكبير الخالي من اي خضرة القسم المحدد للسوق من البلدية، أشتد الشجار وراح شرطيٌّ بالضرب على رأس احد الباعة بهراوته القاسية)
وعندما ضاق بالبطل الخناق، نراه یقول متذمرا: ( ضاق به الوقت والمسافةَ وخيم على ذهنه دخانٌ من الافكارِ والتحدياتِ)
أنا أری الكاتب موجوعا ومحبطا وقد تركت ممارسات التعسف فیه عقدا نفسیة ،فأراد أن یخف عن نفسه باستحضار أحد الشباب الأحوازیین الذین ظهروا في الستینیات من القرن العشرین وعرفوا بتحدي عوامل النظام في محلات مكتظة بالسكان . ومن هؤلاء الشباب، ” جلیل بن حویزي”، الذي عرف بمشاكسة عناصرالأمن، حتی وُجِد مقتولا بإضرام النار به وبدراجته الناریة خارج مدینة الأحواز، فیقول الکاتب عن ذلك الشرطي الذي ضرب أحد الباعة علی رأسه بالهراوة: (ولم يدم طغيانه واعتدائه حتى ظهر جليَّل وباغته متصدياً له بضربات سريعة قاضية القته على الأرض. شرطي أصبح مهاناً ومدعى للسخرية، فسارع ماجد الذي شاهد المنظر على مقربة منه ،ثم امسك بيده وأشار اليه بالفرار وهويسمع كناية احد الاهالي بصوت عالٍ خلفه طغى عليه البهت والتعجب: (ولكم شنهي های..جليِّل بن حويزي طلع من قبره..)
القصة كتلة من الحركة المتسارعة من بدایتها الی نهایتها، منذ أن بدأ بقوله عن البطل : ( تَقَدَّمَ بخطواتٍ يُسابِقُ بها الزمنَ …)، الی نهایة القصة كقوله: (ركضِ الإثنان متموجان كسطحِ البحرِ الراقصِ… )
مرور القطار أیضا یحكي عن هذه الحركة 😦 مر القطار وسط مطر شديد فاجتازا( ماجد وجلیل) السكة الحديدية …. )
والقطار الذي یمرمن حي لشكر آباد ( حي النهضة) – او لنقل المستنقع المتعفن بمیاه الصرف الصحي – ، لدی أبناء هذا الحي یمثل الطبقة المرفهة ، فیقول الكاتب في نهایة القصة الأولی ” الجرس”،: ( سنسبقهُ ونغني مع زملائنا جهاراً وبصوت عال مرثيتَه ألأبديةَ…)
الی أن یقول: (خَفتْ شدةُ المطرِ مَعَ اقترابهما من المدرسة.. رحلةٌ أصعبُ ما فيها كان انتظار ُ مرورَ القطار… وجاء صوت جرسُ المدرسة يرن…)./
* حمزة عضو في الرابطة العالمية للدفاع عن اللغة العربية.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑