تصحيح المفاهيم والتسميات المضللة في الوثائق البريطانية.. صفحات من كتاب ” الأحواز بين الاستقلال والواقع المفروض”

لندن- حامد الكناني- تتناول العديد من التقارير والوثائق البريطانية والفارسية المتعلقة بالأحواز التغييرات التي أجرتها السلطات الفارسية لتحويل التسميات العربية إلى أخرى فارسية. كانت هذه التعديلات جزءًا من سياسة تهدف إلى “تفريس” الأحواز ومحو معالمها الثقافية والتاريخية.

ولم تقتصر السياسات المضللة على تغيير الأسماء، بل قلصت دور أمير الأحواز كأمير وحاكم شرعي للشعب العربي الأحوازي، ورث السلطة عن أجداده وليس حاكماً معيناً من قبل الفرس، وكان صراعه مع الحكومة الفارسية من أجل السيادة العربية في الأحواز وليس كما وصفته المصادر الفارسية والغربية بأنه صراع شخصي لأسباب مالية بين شيخ المحمرة ورضا خان. (راجع التقرير التاريخي للدكتور ميليسپا الذي يفند فيه الحجج الفارسية الكاذبة لاحتلال الأحواز، مؤكدا شرعية سيادة العرب على الأراضي الأحوازية وتوارث الحكم العربي في الأحواز).

وصفت الوثائق البريطانية الشعب العربي الأحوازي بـ”القبائل العربية”، بينما ركز الإعلام الناطق باللغة الفارسية في إيران على الترويج لمصطلح “العشائر العربية”. ومع ذلك، فإن ما يُعرف في الأحواز باسم “القبائل” يمثل في الواقع شعباً عربياً متكاملاً يتميز بنظام اجتماعي تقليدي يتألف من تحالفات عربية تُعرف باسم “الأسر”. هذه الأسر تتولى قيادة التحالفات، أو ترتبط أسماؤها بالأنهار التي تنتشر على ضفافها المجتمعات العربية.

على سبيل المثال، يتألف حلف المحيسن من عائلات تعود أصولها إلى قبائل عربية متنوعة، لكنها تتوحد تحت مظلة هذا التحالف بقيادة آل مرداو. وتُعرف أيضاً باسم “قبائل الشط”، في إشارة إلى شط العرب. وبالمثل، يُطلق على قبائل بني كعب “شط الدورق”، وتُعرف قبائل بني طرف بـ”سهل ميسان” أو “شط الكرخة”، كما تُعرف قبائل الباوية باسم “شط الباوية”، إلى جانب قبائل أخرى.

وقد تكون بعض هذه العائلات هاجرت من مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية، وهو أمر طبيعي حيث تنتقل العائلات لأسباب مختلفة في محيطها العربي، إلا أن الغالبية العظمى من هذه المجتمعات هي من السكان الأصليين الذين استوطنوا جغرافية الأحواز منذ القدم. وبالتالي فإن الشعب العربي الأحوازي هو الوريث الشرعي للحضارات التي نشأت في هذه الجغرافية. والجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لا تقتصر على الأحواز وحدها، بل تمتد إلى الشعوب العربية الأخرى، فقد شهد الشرق الأوسط عبر التاريخ نشوء دول وإمبراطوريات حملت أسماء العائلات التي حكمتها، مما يعكس الجذور العميقة لهذا النظام الاجتماعي في الحضارة العربية وتقاليدها الراسخة.

أما فيما يخص المقاومين والثوار العرب وحتى الشيوخ المناهضين للسياسات الفارسية، فقد ذكرتهم الوثائق الفارسية بمسميات مضللة مثل “اللصوص”، “قطاع الطرق”، “الخارجين عن القانون”، و”المتآمرين”. هذه المصطلحات استُخدمت لتشويه صورة المقاومة الوطنية وإسقاط رموزها من الذاكرة الشعبية، من خلال تقديمها كأعمال شغب غير شرعية. ومثل هذه الأوصاف كانت ولا تزال تُستخدم من قبل القوى الاستعمارية لوصم حركات المقاومة بالعنف والفوضى ونزع الشرعية عنها.

في ضوء ذلك، يصبح من الضروري تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة وتوضيح أن حركات المقاومة في الأحواز كانت نضالًا مشروعًا للدفاع عن حقوق الشعب العربي الأحوازي في أراضيه ضد محاولات السيطرة الاستعمارية. إن تغييرات التسميات والمفاهيم ليست سوى جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى محو الهوية العربية وتقويض حق الشعوب في تقرير مصيرها.

فهم هذه الحقائق وتصحيح المفاهيم التاريخية المغلوطة، على غرار ما قام به الفرس في إعادة تصحيح المفاهيم المرتبطة بتسميات مثل “الأعاجم” و”العجمي” و”بلاد فارس”، يعد خطوة أساسية لفهم أعمق للتاريخ، ولتقدير نضال الشعب العربي الأحوازي في الحفاظ على سيادته وهويته  الوطنية.

كما يجب التنويه بأهمية التفرقة بين السياسات الاستعمارية التي انتهجتها الحكومة البريطانية في القرون الماضية، خاصة في المنطقة العربية وفي الأحواز على وجه التحديد، وبين سياساتها الحالية التي تشكل جزءاً من واقع دولي مختلف تماماً. فمن غير المنصف تحميل أي طرف، سواء كان شعباً أو حكومة حالية، مسؤولية أخطاء سياسات استعمارية تاريخية.

اليوم، يعتبر الشعب البريطاني من أكثر الشعوب تحضراً وتقدماً، وهو يتمتع بتقاليد ديمقراطية راسخة وقيم إنسانية تجمعه مع الشعوب الأخرى، بما في ذلك الشعب العربي الأحوازي. هذا الشعب، كما كان دائماً، ينظر إلى الشعب البريطاني بكل احترام وتقدير، ويعتبره من الشعوب الصديقة التي يمكن البناء على علاقاتها التاريخية لإقامة جسور من التعاون المثمر والتفاهم المشترك.

إن هذه الرؤية الإيجابية تُعد مدخلاً مهماً لتعزيز الحوار الحضاري بين الشعوب، وتأكيد أن العلاقات الدولية المعاصرة يجب أن تبنى على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيداً عن أعباء الماضي التي قد تعيق فرص التقدم والتعايش السلمي.

الأحواز وعربستان

استخدمت في هذا البحث مصطلحي “الأحواز” و”عربستان”، والأول هو المصطلح الصحيح في نظري، والثاني هو مصطلح ذو ثقل وثائقي ودلالة سياسية، ويدل بوضوح على عروبة الأحواز.

الأحواز: التسمية العربية الأصيلة

تمثل تسمية “الأحواز” الخيار الصحيح والأصيل عند الكتابة باللغة العربية، إذ تعكس الهوية العربية العريقة للمنطقة. وتستمد هذه التسمية جذورها من تاريخ ولغة ضاربة في القدم، تعود إلى ما قبل الاحتلال الفارسي.

في المقابل، يمكن استخدام التسمية “أهواز” عند الكتابة باللغة الفارسية، بما يتماشى مع قواعد تلك اللغة. ولعل أفضل مثال يوضح هذا التباين هو تسمية دولة إيطاليا، وكذلك العاصمة الإيرانية؛ فهي تُكتب “طهران” بالعربية، بينما تُكتب “تهران” بالفارسية.

“عربستان” كتسمية توثيقية ذات مغزى سياسي

 استخدام تسمية “عربستان” يضيف بعداً توثيقياً مهماً للبحوث، خاصة أنها كانت التسمية الرسمية للمنطقة قبل احتلالها من قبل رضا شاه عام 1925. هذه التسمية تؤكد الطابع العربي للمنطقة في المصادر الرسمية والدولية السابقة للاحتلال، مما يعطي مصداقية تاريخية وسياسية. بالإضافة إلى ذلك، “عربستان” تحمل مغزى سياسياً واضحاً يُبرز عروبة الأحواز ويعزز الموقف ضد محاولات التغيير الديمغرافي أو الثقافي التي تعرضت لها المنطقة.

أهمية الجمع بين التسميتين، “الأحواز” و”عربستان” يمنح البحوث شمولية ومصداقية، حيث يجمع بين الأصالة والبعد التوثيقي التاريخي. هذا يعكس فهماً دقيقاً للعوامل الثقافية والسياسية التي تتداخل في القضية الأحوازية، ويمنح القارئ رؤية متكاملة للوضع.

لا يجوز نقل النص او اقتباسه دون ذكر المصدر

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑