لماذا الخوذة العيلامية على غلاف هذا الكتاب؟/ صفحات من كتاب “الأحواز بين الإستقلال والواقع المفروض”

في قلب الحضارة العيلامية، التي ازدهرت في منطقة الأحواز، تم العثور على خوذة ملكية تعود إلى الفترة العيلامية الوسطى، وتحديدًا ما بين عام 1500 و1100 قبل الميلاد. هذه الخوذة ليست مجرد غطاء رأس عسكري عادي، بل هي تحفة فنية غنية بالرمزية، تعكس مزيجًا من الثقافات المؤثرة في المنطقة، وتروي قصة الإيمان والأساطير التي كانت تسود تلك الحقبة.

تم صنع الخوذة من البرونز، وقد تم تزيينها برقائق ذهبية موضوعة على مادة القير المعروفة أيضًا باسم العسب، وهي مادة طبيعية تخرج من باطن الأرض وكانت تستخدم في تلك الفترة لتغطية الجزء السفلي من الزوارق الخشبية المعروفة بالمشاحيف التي وجدت رسومها في النقوش العيلامية والسومرية. وإلى يومنا هذا يختص الصابئة المندائيون في صناعة هذه الزوارق في الأحواز وجنوب العراق، كما استُخدمت في تدشين السد المعروف باسم “بند قير” شمال مدينة ملا ثاني. هذه المادة، التي كانت متوفرة بكثرة في المنطقة، أضفت على الخوذة لمسة محلية فريدة من نوعها.

تتميز الخوذة بزخارف متقنة تبرز ثلاث شخصيات بارزة على مقدمتها. في المنتصف، يظهر إله ماء ذكر يحمل إناءً متدفقًا عند صدره، وهو رمز للحياة والخصوبة في ثقافة تلك الحقبة. غطاء رأس هذا الإله يشبه الكوفية والعقال العربي التقليدي، كما يرتدي ثوبًا يشبه الدشداشة، مما يعكس استمرارية بعض العناصر الثقافية العربية عبر الزمن. وعلى جانبي الإله، تقف إلهتان أنثويتان، ترتدي كل منهما عصابة أو عمامة على رأسها، وترفعان أيديهما في وضعية التوسل والابتهال. أزياؤهما تذكّر بالدراعة العربية التقليدية، كما ترتديان قلادات وأساور تضفي عليهما مظهرًا احتفاليًا مقدسًا.

ما يضفي على الخوذة بُعدًا رمزيًا أعمق هو وجود طائر الصقر الذي يحوم فوق التماثيل. تم نحت هذا الصقر بعناية فائقة، حيث يظهر ريشه محددًا بدقة، مما يبرز قيمته الرمزية كحامٍ ومصدر قوة. الصقر كان دائمًا شعارًا عربيًا يعكس القوة والحرية، وهو ما يجعل هذا العنصر في الخوذة علامة بارزة على التداخل الثقافي بين العيلاميين والعرب.

في الجزء الخلفي من الخوذة، يظهر أنبوب مزخرف يُعتقد أنه كان يُستخدم لتثبيت ريشة حقيقية، وهو تقليد قد يُشير إلى تأثر العيلاميين ببعض الطقوس المصرية القديمة التي كانت تعتمد على وضع الريش في أغطية الرأس الملكية. وللأحوازيين مثل يقول: “على رأسه ريشة”، أي من يعامل أفضل من الآخرين.

من حيث التأثيرات الثقافية، تشير تقنيات صنع الخوذة، إلى جانب أسلوب التماثيل، إلى وجود روابط حضارية بين العيلاميين وبلاد ما بين النهرين ومصر. يُرجّح أن الإله الذي يظهر في منتصف الخوذة هو إما إينشوشيناك، وهو أحد أهم الآلهة العيلامية المرتبطة بالماء والحماية، أو نبيريشا، إله المياه العذبة الذي يرتبط بإيا، إله المياه العذبة في بلاد ما بين النهرين.

تعتبر هذه الخوذة مثالًا حيًا على التفاعل الثقافي والديني في منطقة الأحواز، حيث تجتمع عناصر من الحضارات المجاورة في قطعة فنية واحدة. من خلال رموزها وزخارفها، تعكس الخوذة هوية عيلامية محلية تمتزج مع التأثيرات الخارجية، مما يجعلها شاهدًا على تاريخ طويل من التبادل الثقافي والتطور الحضاري في المنطقة. كما تسلط الضوء على مكانة الماء والطبيعة المقدسة للأنهار في الفكر الديني العيلامي، وهي رؤية استمرت في الثقافات العربية اللاحقة التي نشأت في نفس المنطقة.

يبدو ان مثل هذه الخوذة كانت مباركة ومخصصة لمحارب من رتبة عالية، وربما في المناسبات الخاصة وليس في المعركة الفعلية.

الكناني, ح. (2025). الأحواز بين الإستقلال والواقع المفروض. لندن: كارون للدراسات والنشر-المملكة المتحدة.

 

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑