قضيتنا وطنية لا مذهبية، لا للانجرار خلف الخطابات المتطرفة/ بقلم: حامد الكناني

يقول مثلٌ أحوازي قديم: “بخيرهم ما خيروني، بشرهم عمّوا عليّ”. وهذا المثل ينطبق تمامًا على واقع الأحواز اليوم.

الجميع يعلم أن النظام الإيراني، ومنذ استيلائه على الحكم عام 1979، يتبنى خطابًا طائفيًا متطرفًا، يقوم على تعصّب مذهبي ضيّق، ويعادي العرب بالدرجة الأولى، ثم يمتد عداؤه إلى الشعوب المحيطة وحتى إلى الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ولا يتوقف عن رفع شعارات “إزالة إسرائيل”، ليس حبًا بفلسطين أو دفاعًا عن حقوق العرب، بل من أجل توظيف هذه القضية لمصالحه السياسية، ولتحقيق مكاسب داخلية وخارجية، في الوقت الذي يمارس فيه أبشع أشكال القمع والتهميش ضد العرب داخل إيران نفسها، وخاصة في الأحواز.

الحقيقة أن التشيّع في الأحواز ظاهرة متأخرة نسبيًا، فقد كان معظم أهل الأحواز، وحتى الإيرانيين، يتبعون المذهب السني الشافعي لقرون طويلة. وإذا عدنا إلى أسماء الأمراء والشخصيات الأحوازية عبر التاريخ، لوجدنا أن معظمها كانت أسماء عربية صافية مثل عبد العزيز، سلمان، غضبان، شعلان وسلطان. لكن مع تغيّر الواقع السياسي، بدأت تظهر أسماء ذات صبغة مذهبية شيعية مثل حسن، عبد الحسن، عبد الزهرة، عبد العلي، وغيرها، خاصة خلال القرن الأخير.

ومع تصاعد موجة التطرف الطائفي في إيران، وازدياد الإساءة لعرض الرسول صلى الله عليه وسلم وللعرب عامة، ظهرت بين الشباب الأحوازي رغبة في العودة إلى الجذور السنية، كردة فعل طبيعية ضد ذلك الخطاب المسموم. غير أن تفكك المؤسسات الدينية السنية في المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر، وظهور جماعات متطرفة مثل داعش، تسبب أيضًا في تشويه صورة الخطاب السني، لتصبح الساحة كلها ضحية لخطابات متطرفة متقابلة.

اليوم، ومع اشتعال النزاعات بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، علينا نحن الأحوازيين أن ندرك أنه ليس من المنطق ولا من المصلحة أن ننجرف وراء هذا الخطاب الطائفي المتطرف، سواء من هذا الطرف أو ذاك. إسرائيل اليوم حقيقة قائمة، عضو في الأمم المتحدة، معترف بها دوليًا، مهما اختلفنا مع سياساتها تجاه الفلسطينيين. ومن الخطأ أن نحوّل صراعنا السياسي معها إلى صراع ديني أو عرقي مع اليهود كطائفة، فاليهود شعب كبقية الشعوب، والخصومة يجب أن تكون مع سياسات إسرائيل، لا مع ديانة أتباعها.

كذلك من الخطأ الوقوع في فخ الخطاب المذهبي المحرض ضد الرموز الإسلامية. لا يجوز الطعن في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم ولا شتم الصحابة، فهذا خط أحمر، ولا يمكن لأي شخص عاقل أن يبرر مثل هذا الفعل. ليس هناك مشكلة أن يكون الإنسان شيعيًا محبًا لأهل البيت، ولا أن يكون سنيًا يتبع مذهب أهل السنة، لكن التطرف الطائفي لا يخدم الأحواز ولا قضيتها.

للأسف، كما انجرف بعض الأحوازيين إلى التطرف الشيعي، نرى اليوم من ينتقل إلى المذهب السني لكنه يتبنى أفكار جماعات متشددة مثل الإخوان المسلمين أو “الجامية”، وهؤلاء لا يقلّون خطرًا عن المتطرفين الشيعة، بل هم أيضًا منبوذون عربيًا ودوليًا، وبعضهم مصنف ضمن الجماعات الإرهابية.

علينا أن نتمسك بديننا الصحيح، بعيدًا عن هذه الجماعات المتطرفة، فلا مصلحة لنا في أن نكون وقودًا لصراعات طائفية. يجب أن نُبقي تركيزنا على قضيتنا الوطنية الأحوازية، بعيدًا عن المزايدات المذهبية، فكل أبناء الأحواز إخوة، سواء كانوا شيعة أو سنة أو صابئة أو يهودًا أو مسيحيين.

لقد دفع العراق ثمنًا باهظًا بسبب الفتنة الطائفية، حتى أن بعض القبائل انقسمت بين صفوف داعش والحشد الشعبي، وحصل بينهم اقتتال واعتداءات على الأعراض، رغم أنهم من أبناء العمومة. هذا هو خطر الخطاب الطائفي الذي يحوّل الأخ إلى عدو.

نحن نعيش هذه الأيام العشرة الأوائل من شهر محرّم، حيث نستذكر فاجعة كربلاء الخالدة، التي جسّد فيها الإمام الحسين، عليه السلام، أسمى معاني الصمود والتضحية من أجل الحق والحرية والكرامة. فالإمام الحسين هو رمز لكل مظلوم ومناضل يطالب بحقوقه، ولكل حرّ يسعى إلى رفع الظلم والاضطهاد.

وكذلك العباس بن علي، عليه السلام، الذي خلد اسمه في التاريخ بشجاعته وإيثاره، يمثل نموذجًا يُحتذى به في التضحية والوفاء. ومن هذا المنطلق، ينبغي علينا أن نستثمر هذه القيم العظيمة في تعزيز قضيتنا الوطنية، وأن نوظف دروس كربلاء في طريق دفاعنا عن حقوقنا وهويتنا وكرامتنا، بعيدًا عن الشعارات والخطابات التي لا تخدمنا، بل تفرقنا وتُحرف قضيتنا عن مسارها الحقيقي.

لذا، علينا أن نستلهم من كربلاء معاني الثبات على الحق، وأن نرفض أي خطاب يحاول جرّنا إلى صراعات لا تخدم نضالنا الوطني.

رسالتي لإخواني الأحوازيين: لا تسمحوا بتحويل قضيتكم الوطنية إلى صراع مذهبي. قضيتنا قضية شعب محتل، محروم من حقوقه، يعاني من القهر والاضطهاد منذ قرن كامل تحت الاستعمار الفارسي. نحن شعب واحد، وهذا الوطن يتسع لجميع أبنائه، بكل مذاهبهم وأديانهم، كما كان قبل احتلال رضا خان، وكما ينبغي أن يكون اليوم.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑