
مركز دراسات عربستان الأحواز-حامد الكناني- الأحواز (خوزستان) أو ما يُعرف تاريخيًا بعربستان، تمثل قلب إيران الاقتصادي، حيث تضم أغلب حقول النفط والغاز الطبيعي في البلاد، وتتحكم بمنافذ رئيسية لتجارة إيران عبر الخليج العربي. تاريخيًا، كانت عربستان إمارة عربية شبه مستقلة تمتد على طول ضفاف شط العرب، وظلت تحت حكم العائلات العربية المحلية لعدة قرون، حتى غزتها الدولة الإيرانية عام 1925. في ضوء هذه الخلفية، رصدت وكالة الاستخبارات الأمريكية الوضع في الأحواز عام 1980 بعد الثورة الإيرانية مباشرة، في تقرير سري يُبرز الأهمية الاقتصادية للأحواز، والاختلافات الاجتماعية والسياسية بين العرب والفرس، ومخاطر الاضطرابات الداخلية على استقرار المنطقة الحيوية بالنسبة لإيران.
تشير وثيقة سرية أعدّها مركز التقييمات الخارجية التابع لوكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في فبراير 1980 إلى الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى للأحواز (محافظة خوزستان) الواقعة في جنوب غرب إيران. تم إنجاز هذا البحث في يناير 1980، أي بعد أشهر قليلة من نجاح الثورة الإيرانية وسقوط حكم الشاه، وفي وقت كانت المنطقة تعيش حالة من الاضطراب الداخلي والإقليمي.
الأهمية الاستراتيجية
تُعتبر الأحواز المفتاح الاقتصادي لإيران:
تنتج ما يقارب 70٪ من النفط الخام الإيراني، بالإضافة إلى معظم إنتاج الغاز الطبيعي الذي بدأت أهميته تزداد عالميًا.
تحتوي على موانئ رئيسية تقع في رأس الخليج العربي، وهي المنافذ الأساسية لواردات وصادرات إيران.
تضم أراضٍ زراعية خصبة واسعة غير مستغلة بالكامل، يمكن أن تجعل إيران أقل اعتمادًا على استيراد الغذاء إذا تم تطويرها بأنظمة ري حديثة.
موقع الأحواز يجعلها نقطة تماس بين الخليج العربي والعراق، كما أنها تمثل الامتداد الشرقي الطبيعي لسهل بلاد الرافدين.
البنية السكانية والاجتماعية
يبلغ عدد سكان الأحواز (خوزستان) نحو 2.2 مليون نسمة (6.5٪ من سكان إيران).
العرب: يشكلون قرابة الثلثين، ولهم روابط قبلية وثقافية قوية بالعراق ودول الخليج. نصفهم تقريبًا من الشيعة، والبقية من السنة.
الفرس واللُر: يمثلون أقلية، لكنهم يسيطرون على الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية.
العرب يحتلون أدنى السلم الاجتماعي: وظائف متواضعة، تمثيل ضعيف في المناصب الفنية والإدارية، وتعرض دائم للنظرة الاستعلائية من الفرس. هذا التهميش ولد استياءً متزايدًا، خصوصًا بعد أن شعر العرب أن الثورة الإسلامية لم تحسّن أوضاعهم، ما دفعهم تدريجيًا للانتقال من معاداة الشاه إلى معارضة النظام الجديد بقيادة الخميني.
التاريخ
المنطقة مأهولة منذ أكثر من 4000 عام.
كانت مركزًا لمملكة عيلام (1200–640 ق.م) وعاصمتها سوسة.
ضمها كورش للإمبراطورية الفارسية، وجعل سوسة عاصمة.
بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع، استقر العرب في الأحواز (المعروفة حينها بـ”عربستان”) وحافظوا على نفوذهم حتى العهد الصفوي.
في القرن العشرين استقر وضع الأحواز كجزء من إيران، لكن بقيت غالبية سكانها من العرب.
النزاع مع العراق حول شط العرب ظل نقطة توتر دائمة رغم “اتفاق الجزائر” سنة 1975.
الاقتصاد
النفط والغاز
أول بئر نفط حُفرت سنة 1902 قرب مسجد سليمان.
بحلول منتصف القرن العشرين أصبحت الأحواز القلب النفطي لإيران.
تحتوي على أكبر احتياطيات غاز طبيعي مثبتة في العالم خارج الاتحاد السوفيتي، ومن المتوقع أن تتجاوز صادرات النفط في المستقبل.
الزراعة
استثمرت الدولة عوائد النفط في مشاريع زراعية ضخمة في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين.
سهل دزفول كان محور خطة لتحويل المنطقة إلى “سلة غذاء إيران”.
شملت المشاريع بناء سدود كبيرة مثل سد دز (1963) و سد كارون (1977) لري آلاف الهكتارات من الأراضي.
أدت المشاريع إلى تهجير قبائل عربية من أراضيها التقليدية، ما عزز الشعور بالحرمان بينهم.
الأمن والاضطرابات
شهدت الأحواز عمليات تخريب ضد منشآت النفط والغاز في 1979، نُسبت إلى مجموعات عربية معارضة.
رغم ذلك لم تتأثر الصادرات بشكل كبير بعد تشديد الإجراءات الأمنية.
البنية التحتية والنقل
الموانئ: أربعة موانئ نهرية رئيسية (عبادان، المحمرة، بندر رأس المينا– شاهبور سابقًا، بندر معشور).
السكك الحديدية: خط واحد يربط الموانئ بمدينة الأحواز ثم يتجه شمالًا نحو طهران، لكنه محدود القدرة.
الطرق: بعضها جيد (مثل طريق الأحواز–عبادان)، لكن الشبكة عمومًا غير كافية.
المجاري المائية: شط العرب صالح للملاحة حتى المحمرة، وهناك قناة تربطه بنهر كارون حتى الأحواز.
المطارات: 18 مطارًا داخل الأحواز، بينها مطاران مدنيان رئيسيان (الأحواز وعبادان) وعدة قواعد عسكرية.
الوضع السياسي والاجتماعي
رغم التحسن النسبي في التعليم والصحة بعد الخمسينيات، فإن العرب في الأحواز ظلوا مهمشين. ومع جيل جديد من الشباب العرب المتعلمين، ارتفعت المطالبات بـ:
مشاركة أوسع في الحكم المحلي.
تدريس اللغة العربية واستخدامها في الإعلام.
تمثيل أكبر في الشرطة والجيش والصناعة.
لكن النظام الجديد في طهران لم يُبدِ استعدادًا جادًا لتلبية هذه المطالب، ما جعل العرب في الأحواز يتحولون إلى عنصر توتر داخلي يهدد استقرار المنطقة الأهم اقتصاديًا في إيران.
الوثيقة تخلص إلى أن الأحواز هي الشريان الحيوي لإيران، لكنها في الوقت ذاته منطقة هشة داخليًا بسبب الانقسام العربي–الفارسي، والتهميش السياسي والاقتصادي للعرب. ومع تصاعد الاضطرابات بعد الثورة، فإن استقرار الأحواز بات موضع شك، الأمر الذي قد يهدد ليس فقط الاقتصاد الإيراني بل توازن المنطقة بأكملها.
المصدر: https://www.cia.gov/readingroom/docs/CIA-RDP81B00401R000500070001-2.pdf
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.