
مركز دراسات عربستان الأحواز- في مارس من عام 1868 بعث الشيخ جابر بن مرداو، أمير المحمرة وحاكم عربستان، برسالتين خطيتين إلى القنصل البريطاني الذي كان يمثل السلطة العليا في الخليج العربي ويتولى مهام التحكيم في القضايا التجارية وضمان سلامة الملاحة البحرية. وقد صيغت الرسالتان باللغة العربية الرسمية بأسلوب المخاطبات الدبلوماسية السائد آنذاك، حيث امتلأتا بالألقاب التشريفية وعبارات الدعاء بالصحة والسلامة، وختمهما الشيخ بلقبه الرسمي “نصرة الملك – أمير التومان”، بما يعكس الطابع الرسمي والسيادي للمراسلات.
الرسالة الأولى، المؤرخة في الأول من مارس، تناولت نزاعاً مالياً بين شيخ محمد وأطراف أخرى، وذكرت أسماء مثل حاجي هاشم خان والشاهزادة ونقيب أفندي. وقد عرض شيخ محمد أن يذهب إلى البصرة لمقابلة القراصنة بحضور القنصل البريطاني، متعهداً بأن يسلم كل ما يثبت أنه بحوزته بموجب الإثبات. هذا التفصيل يكشف أن النزاعات المالية والتجارية في المنطقة كانت تحال عملياً إلى القنصل البريطاني للفصل فيها، وأن الأخير كان يتمتع بسلطة قضائية فعلية في الخليج العربي.
أما الرسالة الثانية، المؤرخة في الثالث عشر من مارس، فقد أفادت بوصول ابن الشيخ، عيسى، إلى المحمرة برفقة شخصين آخرين وُضعا رهن الحجز، حيث طلب الشيخ من القنصل إبداء رأيه بشأن التصرف فيهما. كما أرفق رسائل من مسؤولين محليين، في إشارة إلى أن إمارته كانت على تواصل مباشر مع قوى وشخصيات متعددة، وأنها تنسق مع البريطانيين في القضايا الأمنية والسياسية.
تكشف الرسالتان بوضوح أن إمارة عربستان في عهد الشيخ جابر كانت تتمتع باستقلال داخلي تام وسلطة فعلية على شؤونها المالية والأمنية، وأنها كانت تمارس علاقاتها الخارجية بشكل مباشر دون وصاية من الدولة القاجارية في إيران أو النفوذ العثماني في البصرة. كما توضحان حجم النفوذ البريطاني في الخليج آنذاك، حيث كان القنصل يمثل المرجعية العليا في النزاعات ويُعتبر الضامن لأمن الملاحة والتجارة.
وعليه، تمثل هاتان الوثيقتان دليلاً تاريخياً على أن الأحواز لم تكن مجرد ولاية تابعة، بل كياناً سياسياً ذا سيادة عملية، له ختمه الرسمي واتصالاته الدبلوماسية، ويحرص على التعامل مع القوى العظمى باعتباره شريكاً مستقلاً.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.