من “خور العجم” إلى “خليج فارس”:التحول في الخطاب الفارسي حول هوية الخليج العربي

مركز دراسات عربستان الأحواز- حامد الكناني- تشير وثائق الأرشيف البريطاني إلى أن مصطلح “خور العجم” كان مستخدمًا في النصوص الفارسية خلال القرن التاسع عشر، بدلًا من الصيغة الحالية “خليج فارس”. ويكشف ذلك أن الإيرانيين لم يروا آنذاك ضرورة لإضفاء حصرية على تسمية الخليج، ولم تكن الهوية القومية مرتبطة بقوة بالمصطلحات الجغرافية كما هو الحال اليوم.
مع قيام الدولةالفارسية القومية في عهد رضا خان البهلوي، حدث تحوّل جذري في الخطاب السياسي والثقافي. فقد ارتبط مشروعه ببناء هوية قومية فارسية مركزية، وضمن هذا المشروع جرى التشديد على حصر التسمية في “خليج إيران” أولاً ثم “خليج فارس” لاحقا. في هذا السياق ظهرت محاولات لتجاوز الاستخدامات المحلية مثل “خور العجم”، واستبدالها بمفردات قومية أكثر دلالة على الانتماء الفارسي.


توضح وثائق محفوظة في الأرشيف البريطاني أن حتى عام 1931 لم تكن التسمية “خليج فارس” حصرية. فقد ظهرت في الصحافة الفارسية الصادرة في ابوشهر تسمية بديلة هي “الخليج الإيراني” (Khalij-i-Iran). بل إن بعض التقارير البريطانية أشارت إلى استخدام متبادل بين “خليج إيران” و”خور العجم”، قبل ان تتخذ السلطات البريطانية قرارا بعدم تدول تسمية “خليج إيران” ما يدل على أن الهوية الجغرافية للمكان كانت ما تزال مرنة، وأن فكرة الحصرية جاءت لاحقًا مع تصاعد النزعة القومية الفارسية المتطرفة.

خلال أواخر عهد رضا خان، ومع تأثر الخطاب القومي الإيراني بصعود النزعات القومية الأوروبية – وخاصة الفاشية والنازية – أصبحت التسمية “الخليج الفارسي” أداة لإبراز التفوق العرقي الفارسي في مواجهة سكان الخليج العرب، الذين وُصفوا في بعض الكتابات القومية الفارسية بـ”الطارئين” أو “القاطنين على هامش الخليج”!😂.في حين الفرس هم القادمين من وراء جبال زاجروس”. هذا التوجه أضفى على الاسم بعدًا سياسيًا يتجاوز الجغرافيا، إذ صار وسيلة لإعادة صياغة الهوية والسيادة والتوسع في الخليج.
لم يقتصر التأثير على التطرف القومي الإيراني، بل لعب الاستعمار البريطاني دورًا حاسمًا في تعزيز هذه التسمية. سعى البريطانيون إلى إبعاد الخليج عن هويته العربية الأصيلة، وتقليل النفوذ العثماني والعربي، لما يمثله من أهمية استراتيجية كطريق حيوي إلى الهند البريطانية. ولتحقيق هذا الهدف، لم يعتمدوا فقط على التدخل العسكري، بل سيطروا على الخطاب الجغرافي والسياسي، بما في ذلك الخرائط والصحف، لتشكيل وعي دولي يطابق مصالحهم. وفق المؤرخين الغربيين، “من يمتلك السيطرة على الخليج بإمكانه السيطرة على الهند”.

تسمية الخليج الفارسي ليست مجرد اختيار لغوي، بل تعكس تداخل التطرف القومي الإيراني والمصالح الاستعمارية البريطانية. في المقابل، الخليج العربي هو الاسم التاريخي والواقعي، الذي يعكس الهوية والثقافة العربية لسكان المنطقة منذ القدم. وفهم هذا السياق ضروري لكشف أبعاد السياسة والجغرافيا وراء الأسماء، والتمييز بين الحقيقة التاريخية والمصالح السياسية.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑