
مركز دراسات عربستان الأحواز- في السادس من ديسمبر عام 1925، وثّقت صورة نادرة لحظة تاريخية مفصلية، جمعت بين رضا خان بهلوي، رئيس وزراء إيران آنذاك، وأمير عربستان الشيخ خزعل بن جابر، في مدينة الأحواز، ضمن ما بدا أنه لقاء تفاوضي رسمي. في هذه الصورة، يظهر رضا خان وهو ينحني قليلاً بجسده أمام الشيخ خزعل، بينما يقف الأخير شامخًا بثوبه العربي التقليدي، في مشهد يبدو للوهلة الأولى وكأنه يعكس الاحترام والتقدير.
لكن هذه الانحناءة، رغم ما تحمله من مظهر دبلوماسي ناعم، كانت في حقيقتها تمثيلية سياسية محكمة، كتب سيناريوها السفير البريطاني “سير برسي لورين”، ونفذها رضا خان ببراعة. فاللقاء الذي بدأ بمصافحات ووعود زائفة، كان في جوهره مقدمة لخطة خيانة محكمة. تعهد رضا خان حينها بالحفاظ على سيادة عربستان واحترام مكانة الشيخ خزعل، مقابل الاعتراف الاسمي بتبعية الإقليم للدولة الفارسية، وسداد الخراج المتأخر. وبموجب هذا الاتفاق، نُشرت وحدات من الجيش الفارسي شمال الإقليم، على أن تنسحب في الربيع.
غير أن ما حدث لاحقًا كان عكس تلك الوعود تمامًا. ففي أواخر أبريل 1925، وبينما كان الجنرال فضل الله زاهدي يتظاهر بانسحاب القوات العسكرية، دعا أمير الأحواز إلى مأدبة عشاء على متن يخت الشيخ الخاص الراسي أمام قصر الفيلية في شط العرب. وهناك، وفي اللحظات الأخيرة من العشاء، أطبقت الخطة المعدة مسبقًا: اختطف الجنود الفرس الشيخ خزعل وولي عهده الشيخ عبد الحميد، ونُقلا إلى القنيطرة (ديزفول)، ومنها إلى طهران، حيث فرضت عليهما الإقامة الجبرية. تم تنفيذ هذه العملية بدقة وبمباركة بريطانية صريحة، رغم أن بريطانيا كانت قد تعهدت عام 1914 بحماية الشيخ خزعل ودعم استقلال عربستان.
تُظهر تلك الانحناءة في الصورة بوضوح عمق الخداع السياسي الذي تعرض له الشيخ خزعل. كانت حركة رضا خان، التي قد تُفسر شكليًا على أنها احترام لمكانة الزعيم العربي، في الحقيقة خطوة محسوبة ضمن خطة استعمارية تهدف لطمأنة الأمير قبل الانقضاض عليه. كان الشيخ خزعل يجهل أن تلك المجاملة الشكلية، وما تبعها من وعود، ما هي إلا قناع ناعم لاحتلال قادم.
بعد عامين من نفي الشيخ خزعل إلى طهران، طلب الإذن بالسفر إلى أوروبا لعلاج فقدانه التدريجي للبصر، لكن رضا خان رفض. وفي 24 مايو/أيار 1936، انتهت حياة الشيخ خزعل بأوامر مباشرة من رضا شاه، طيّت معها صفحة من السيادة العربية التي خُذلت من الداخل والخارج، وسط صمت المجتمع الدولي وتواطؤ القوى الكبرى.

رغم أن العنصرية والطغيان نالت من أرضنا وتعرّض شعبنا العربي الباسل للاحتلال والظلم، يبقى الأمل نابضًا. إذ لا بقاء للاستعمار أمام إرادةٍ موحّدةٍ وعزيمةٍ صلبة. فالصبح قادم بعون الله، وفرص التحرر تلوح في الأفق — فلنكن أهلاً لها بالحكمة والصبر، نردّ للتراب حقّه، وننصف أهلنا بعقلانيةٍ ووحدةٍ لا تفتّها الخلافات.
رغم ما لحق بأرضنا وشعبنا من سياسات عنصرية واستفزازات استعماريّة، يبقى احتمال التحرر وارداً. الواقع التاريخي يعلّمنا أن الانتصار يتأتّى بالتحضير والاتحاد والتخطيط العقلاني. إن توفّرت الظروف، فلتكن قيادتنا واعية ومنضبطة لتستثمر الفرص، وتعيد لأهل الأحواز كرامتهم وحقوقهم بصورة منضبطة ومدروسة.
لا يأس مع الحياة! وإن حاول الاستعمار أن يسلبنا أرضنا ويقهر عزائمنا، فالفرج قريب بإذن الله. الفرص تظهر لمن يتهيأ لها بوحدةٍ وعقل وحكمة. فلنكن جاهزين — نُردّ كرامة أرضنا، وننصف أهلنا، ونثبت أنّ الشعب العربي الباسل لا يُقهر طالما بقيت الإرادة والإيمان والمشروعية على قلب واحد.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.