ماذا لو نجح الشيخ خزعل بن جابر في توحيد الساحل الشرقي والساحل الشمالي للخليج العربي في مملكة واحدة؟

مركز دراسات عربستان الأحواز- حامد الكناني- خلال فترة الحرب العالمية الأولى، شهدت منطقة الخليج العربي تحركات سياسية وعسكرية دقيقة تعكس النفوذ المتبادل بين القوى المحلية والبريطانية. ففي إطار متابعة الأوضاع في جنوب إيران، أرسل القنصل البريطاني في أبو شَهر، تريفور، برقية بتاريخ 1 أكتوبر 1915 إلى السير بيرسي كوكس المقيم في البصرة، مرفقًا فيها معلومات حول عدة رسائل استلمها من حيدر خان تتعلق بالأوضاع في كوهجيلوية وأرجان (بهبهان).

أبرز ما ورد في هذه المراسلات كان طلب حيدر خان من أمير الأحواز، الشيخ خزعل بن جابر، تحريك قواته في الموانئ والبلدات الواقعة على الجانب الشرقي من الخليج العربي. فقد أراد حيدر خان أن يأمر وكلاء الشيخ خزعل في زيدون، هنديان، جاسك، وراهي بإرسال قواتهم وقطع الطريق في وادي زيدون وقلعة كلابي، وذلك لمواجهة أي حشد مؤيد لألمانيا قد يتحرك نحو الموانئ الساحلية.

وتوضح الفقرة الأخيرة من البرقية مدى استقلالية الشيخ خزعل خلال هذه الفترة التي أعلنت فيها بلاد فارس الحياد. إذ تشير إلى أنه قد أسس قواعده الخاصة في الموانئ وشارك بفعالية في التحركات العسكرية، ما يعكس استراتيجيته في تأمين السيطرة على المناطق الساحلية وحماية مصالحه السياسية والعسكرية، في وقت كانت فيه المنطقة تحت ضغط النفوذ البريطاني والتحريضات الألمانية والعثمانية، والتي يقودها رجال الدين أحيانًا.

وجاء في نص البرقية:
“يطلب حيدر خان أن يأمر شيخ المحمرة (الشيخ خزعل) ممثليه في زيدون، هنديان، جاسك، وراهي بإرسال قواتهم وقطع الطريق في وادي زيدون وفي قلعة كلابي، إذا تحركت كوهجيلوية كما ذُكر تجاه المناطق الساحلية.”

وتكشف وثائق بريطانية أخرى عن طموحات الشيخ خزعل في توسيع نفوذه على كامل الموانئ الواقعة على الجانب الشرقي من الخليج العربي. ففي وثيقة بعنوان: “ملخص محادثة بين وزير صاحبة الجلالة، السير بيرسي لورين، وشيخ المحمرة، على متن السفينة إتش إم إس كروكس، في 5 ديسمبر 1921″، طالب الشيخ خزعل بالاعتراف البريطاني بلقبه الجديد “حاكم موانئ الخليج العربي”، إضافة إلى الحصول على هدية من بريطانيا تضم 10 آلاف بندقية حديثة وزيادة نسبته في موارد الجمارك التي تدار من قبل البلجيكيين في المحمرة.
وجاء في نص الوثيقة:
*”في محادثة مع الحاج مشير، علم السيد بيل أن الشيخ يأمل في الحصول على ما يلي:

  1. هدية من الحكومة البريطانية قوامها 10000 بندقية.
  2. لقب حاكم موانئ الخليج.
  3. نسبة مئوية من إيرادات جمارك المحمرة، وهي الزيادة الكبيرة التي لم يتوقعها عندما وافق في البداية على إنشاء مركز جمركي في المحمرة.”*

تُظهر هذه الوثائق جميعها استراتيجية الشيخ خزعل في تعزيز سلطته واستقلاله السياسي والعسكري في منطقة الخليج العربي، مستفيدًا من الوضع الدولي المضطرب خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، ومثبتًا دوره كفاعل محوري بين النفوذ المحلي والبريطاني.

لو نجح الشيخ خزعل بن جابر في توحيد الساحل الشرقي للخليج وشماله تحت مملكة واحدة، لكان قد أصبح قوة إقليمية مركزية قادرة على مواجهة النفوذ البريطاني والألماني والعثماني معًا، ما كان سيجبر القوى الاستعمارية على التفاوض بدل السيطرة المباشرة. هذه الوحدة كانت ستخلق توازنًا إقليميًا أقوى أمام التوسع الفارسي والقوميين الإيرانيين، وتضع حاجزًا أمام محاولات فرض السيطرة على الأحواز.

اقتصاديًا، فإن السيطرة على كامل الموانئ الشرقية والخليج الشمالي كانت ستجعل المملكة الجديدة مركزًا تجاريًا مهمًا، قادرًا على تطوير سياسات جمركية موحدة وتحقيق إيرادات ضخمة تدعم الجيش والبنية التحتية. ثقافيًا، كانت المملكة ستصبح حامية للهوية العربية في الأحواز والسواحل الخليجية، وتمنع أي محاولات لمحو هذه الهوية كما حدث لاحقًا تحت النفوذ الفارسي.

من الناحية السياسية، كان صعود قوة محلية موحدة يمنح العرب في المنطقة موقفًا تفاوضيًا أقوى أمام القوى الاستعمارية، وربما كان سيغير ملامح الخليج كما نعرفها اليوم، مؤثرًا على تطور دول مثل الإمارات والكويت وقطر، ويعيد رسم الحدود والنفوذ السياسي في جنوب إيران والخليج العربي بشكل جذري.

رغم طموحات الشيخ خزعل في توسيع نفوذه والسيطرة على الموانئ الشرقية للخليج العربي، فإن المصالح الاستعمارية البريطانية اختارت لبلاد فارس أن تكون تحت حكم مركزي ذو طابع عسكري. وقد كُلّف السير بيرسي لورين، الذي تظاهر بالتودد للشيخ خزعل وإظهار الصداقة معه، بتنفيذ هذا المشروع الاستعماري.

أدى هذا المخطط إلى خذلان أمير الأحواز وضياع حكمه العربي المتوارث في الأحواز، كما سُلم مصير شعبه إلى ألد أعدائه، من القوميين الفرس الذين كانت مشاعر الحقد تجاه كل ما هو عربي تغذي سياساتهم. وهكذا، انتهت مرحلة من الاستقلالية والتحركات الاستراتيجية للشيخ خزعل بفعل سياسات القوى الأجنبية، في حين واجه الأحوازيون تهديدًا مباشرًا لهويتهم وسيادتهم التاريخية.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑