
في خريف عام 1958، وبعد أن اجتاحت ثورات العراق وسوريا ومصر أرجاء الوطن العربي، ارتفعت موجة القومية العربية لتصل إلى قلب الأحواز. كانت هذه التغيرات السياسية تُثير القلق في أروقة القنصليات البريطانية، التي كانت تراقب عن كثب كل تحرك يمكن أن يهدد مصالحها وحلفاءها في المنطقة. رسالة سرية من القنصلية البريطانية في البصرة تعكس هذه المخاوف بوضوح.
فقد ناقشت الوثيقة إمكانية إقراض المحمرة “عربة سينما” وملحقاتها، بهدف نشر أفلام عربية، لكن مع الحرص على وضع شروط صارمة تحمي مصالح بريطانيا، وتضمن ألا يتحول هذا النشاط الثقافي إلى أداة للقومية العربية المستعرة.
كانت الرسالة صريحة في تأكيد أن الهدف من المبادرة ليس تعزيز الثقافة فحسب، بل الحفاظ على ولاء العرب لحكومتهم الفارسية المؤيدة للغرب، وتحويل أي مد قومي عربي محتمل إلى قوة داعمة للسلطة الحليفة (إيران) لبريطانيا وأمريكا.
الرسالة كشفت أيضًا عن إدراك بريطانيا لحساسية المنطقة: فالعلاقات العراقية-الإيرانية كانت تبدو مثل عش دبابير، أي منطقة قابلة للانفجار في أي لحظة، تستدعي الحذر الشديد من أي تدخل مباشر.
كل الإجراءات كانت بحاجة إلى موافقات رسمية، مثل الحصول على تراخيص تصدير للعربة السينمائية، لضمان أن تكون الخطوات محسوبة وتحت مظلة قانونية ودبلوماسية.
كانت الثقافة وسيلة سياسية، والسياسة أداة للحفاظ على النفوذ والهيمنة الأجنبية.
كما كان هناك وعي بوجود حساسية تجاه القوميين العرب الذين قد يفسرون هذه الإجراءات على أنها محاولة لتقويض هويتهم العربية.
نص البرقية:
سري.
القنصلية العامة البريطانية،
البصرة.
24 نوفمبر 1958
عزيزي سام،
يرجى الإشارة إلى رسالتك (10211/33/58) بتاريخ 19 نوفمبر.
سأكون سعيدًا بإقراض المحمرة عربة سينما وملحقاتها إذا اعتُبر ذلك مرغوبًا، لكن يجب بالطبع ربط الأمر بشروط، حيث أننا لا نعلم متى قد تتيح تلك التغيرات المفاجئة في الأجواء السياسية، التي تعرف عن العالم العربي تقلبه بها، استئناف أنشطتنا هنا. ستكون المشاكل الإدارية كبيرة، وللأسف، سيتعين حلها بشكل رئيسي في بغداد، على سبيل المثال، سيكون من الضروري الحصول على ترخيص تصدير، لكن لا داعي للقلق بشأن التفاصيل بعد.
من المؤكد أنكم في بغداد ستفكرون فيما إذا كان من المرغوب فيه، في سياق العلاقات البريطانية-العراقية، أن نقوم بأي شيء قد يُفسر من قبل القوميين المتشددين على أنه تقويض لعروبة الأحوازيين. وبالرغم من أن الأفلام ستتضمن تعليقات عربية أو ستكون مترجمة بالعربية وليس بالفارسية، إلا أنه سيكون واضحًا إلى حد ما أن الهدف من هذه المبادرة، والذي من المفترض أن يُعرف لاحقًا، هو الحفاظ على ولاء القبائل العربية لحكومتهم (الفارسية) الشرعية المؤيدة للغرب.
من منظورنا هنا، تبدو العلاقات العراقية-الإيرانية وكأنها عش دبابير محتمل، ولن ينبغي لنا التدخل فيه إلا إذا اضطررنا لذلك بسبب تدخل عراقي صارخ في حقوق إيران في شط العرب، حينها قد نضطر على الأرجح لمساندة الحكومة الإيرانية مع الأمريكيين.
انظر رسالة موريس رقم 10633/2/4/58 بتاريخ 24 أكتوبر إلى ويست، المنسوخة لي بموجب رسالة السفارة رقم 1534/17/58 بتاريخ 10 نوفمبر.
أرسل نسخًا من هذه الرسالة إلى المستلمين المذكورين في رسالتك.
مع أطيب التحيات،
ج.ب.ت. جادد
إلى: س. فالي، د.س.س، السفارة البريطانية، بغداد
سري.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.