
مركز دراسات عربستان الأحواز- حامد الكناني_ انتشر مؤخرًا مقطع فيديو لثلاثة من العرب الأحوازيين يتحدثون مع شاب فارسي، وكان موضوع حديثهم الوضع السياسي لإمارة المحمرة التي ورثها الشيخ خزعل بن جابر عن أسلافه.
المتحدث الأول أكد تبعية الشيخ خزعل للدولة الفارسية، مستشهدًا بقضية أحمد شاه القاجار. أما الثاني فتحدث عن رفض الشيخ خزعل لمشروع بريطاني كان يهدف إلى جعله أميرًا مستقلاً، في حين أشار الثالث إلى حادثة رفع العلم البريطاني وإنزاله من قبل الشيخ خزعل، إضافةً إلى واقعة ضرب الضابط البريطاني.
وفيما يخص تبعية الأحواز للتاج القاجاري، فإن هذا الأمر موثق تاريخيًا. فقد جاءت التبعية بعد توقيع معاهدة أرضروم الثانية عام 1847، التي نصت على عدة شروط، أهمها: عدم تدخل الدولة الفارسية في شؤون إمارة المحمرة الداخلية، والتزامها بالدفاع عن سلامة أراضي الأحواز وحكامها في حال تعرضها لعدوان خارجي، مقابل خراجٍ سنويٍّ يدفعه أمراء المحمرة للتاج القاجاري.
وقد أقرّ الشاه مظفر الدين القاجاري هذه الشروط من خلال فرمانات رسمية أكدت السيادة العربية على أرض الأحواز، ووراثة الحكم في أسرة الشيخ خزعل بن جابر وذريته من بعده. كان هذا النوع من التعاقد السياسي يُعرف آنذاك بنظام “الكومنولث”، وهو النظام ذاته الذي اتبعه البريطانيون مع دول كندا ونيوزيلندا وأستراليا وغيرها.
ولهذا حصل الشيخ خزعل على وسام “سردار أقدس”، وهو وسام يمنحه الشاه للملوك والأمراء، ويضع حامله في مرتبة تلي الشاه مباشرة، أعلى من مرتبة ولي العهد ورئيس وزراء بلاد فارس. وبناءً على ذلك، فإن اختطاف رضا خان للشيخ خزعل يُعدّ عملاً غير شرعي، إذ لا يحق لرئيس وزراء بلاد فارس اعتقال أمير يحمل وسام “أقدس” ويتمتع بفرمانات ملكية تضمن حقوقه الموروثة.
ومع ظهور التيار القومي الفارسي الذي صادَر الثورة الدستورية ووضع رضا خان في الصدارة، بدأت الخطط لتقويض السيادة العربية في الأحواز ونقض العهود التي نصت عليها معاهدة أرضروم. ورغم أن أمراء آل مرداو أقرّوا بهذه التبعية الاسمية في البداية، فإنهم رفضوا لاحقًا التوجه الفارسي الجديد بعد انكشاف نوايا رضا خان المدعوم من الاستعمار البريطاني.
قام رضا خان بتزوير رسالة زعم فيها أن مظفر الدين شاه ألغى الفرمانات الممنوحة للشيخ خزعل قبل وفاته، ما أدى إلى اندلاع مواجهة سياسية ودبلوماسية تحولت لاحقًا إلى صدامات عسكرية، قبل أن تعود الأطراف إلى التفاوض لرسم خريطة حلٍّ للأزمة بين أمير الأحواز ورضا خان، الذي كان حينها رئيسًا لوزراء إيران برعاية بريطانية. غير أن بلاد فارس نكثت الاتفاق، وأقدمت على اختطاف أمير الأحواز الشرعي، ونشرت قواتها العسكرية في المنطقة، لتكرّس احتلالها وتبدأ سياسة التنكيل ونهب الثروات وتنفيذ خططٍ عنصرية لتغيير التركيبة السكانية على حساب العرب، في مسعى لاقتلاعهم من موطنهم التاريخي.
أما عن أحمد شاه القاجاري، فقد كان الشيخ خزعل يعتزم دعمه، إلا أن أحمد شاه رفض مساندته لإفشال المخطط الإنجليزي–الفارسي، مما أوقع أمير الأحواز في ورطة سياسية أدت إلى ضياع حكمه.
وفيما يتعلق بحادثة رفع العلم البريطاني، فهي صحيحة في أصلها، لكن ليست بالصورة المتداولة؛ إذ إن الشيخ خزعل كان يرى أن رفع العلم من قبل ولي عهده الشيخ جاسب بن خزعل تم في غير وقته، ولذلك قرر عزله من ولاية العهد ونفيه إلى بريطانيا.
وبوجهٍ عام، فإن حديث الرجال الثلاثة في المقطع يحتوي على قدر من الحقيقة، لكنه يفتقر إلى السياق التاريخي الدقيق ويغفل كثيرًا من التفاصيل الموضوعية.
ختامًا؛ يمكن القول إن أمراء الأحواز في العهد القاجاري كانوا يعدّون أنفسهم جزءًا من إمبراطورية بلاد فارس لا من حكومتها المركزية، إذ كانت علاقات إمارة المحمرة بطهران تُدار عبر مكتب «كارگذاری دولت علیه ایران در ایالت عربستان»، وهو مكتب تابع لوزارة الخارجية في الإمبراطورية القاجارية، مهمته الأساسية تنظيم التواصل بين حكام الأحواز والشاه وإدارة الشؤون الرسمية بين الجانبين.
وعند النظر إلى الخرائط التي رسمها البريطانيون لجغرافية إيران في تلك الحقبة، نلاحظ أن عربستان كانت تتمتع بحدود داخلية واضحة تفصلها عن باقي أراضي الإمبراطورية الفارسية، مما يعزز الطابع الكياني للإمارة داخل المنظومة القاجارية.
ومع انكشاف نوايا التيار القومي الفارسي الساعي لطمس الهوية العربية في الأحواز، حاول الشيخ خزعل في البداية احتواء الموقف سياسيًا عبر القنوات الدبلوماسية، لكنه اضطر لاحقًا إلى المواجهة العسكرية في منطقة زيدون شرق الأحواز في أكتوبر عام 1924، دفاعًا عن وطنه وسيادته وحقوقه التاريخية المشروعة.
إن ما جرى من خداعٍ سياسي واحتلالٍ عسكري في العشرين من نيسان عام 1925، وما تبع ذلك من سياساتٍ ممنهجة انتهجتها الحكومات الفارسية المتعاقبة، تُعد جميعها أعمالًا غير شرعية ولا تستند إلى أي أساس قانوني.
ورغم وضوح الانتهاكات التاريخية والموثقة بحق الشعب الأحوازي، فإن ضعف الحراك السياسي الأحوازي وتشرذم القوى الشعبية حالا دون القدرة على طرح هذه القضية في المحافل والمحاكم الدولية بشكلٍ فاعل يضمن إعادة النظر في الوضع القانوني والسيادي للأحواز.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.