
هناك سؤالٌ يطرح نفسه دائماً: في ظل الهيمنة أو الاحتلال الأجنبي على أي بلد، ومع سلب سيادته، من هي الجهة التي يمكن اعتبارها ممثلاً شرعياً لشعبه؟ يرى كثير من المفكرين والسياسيين والخبراء أن كل فرد أو مجموعة تقاوم الاحتلال أو الاستعمار أو الهيمنة الأجنبية تعبّر فعلياً عن إرادة الشعب، وتُعد قوة شرعية تمثّله. فالشرعية لا تنحصر في شخص أو حزب أو تيار بعينه، بل يمكن لمختلف الفئات والتيارات المنخرطة في مقاومة الاستعمار أن تمثل شعبها.
لكن هناك حقيقة لا يمكن إنكارها: المجموعات والتيارات والشخصيات الأحوازية المنتشرة في أوروبا والدول الغربية وكندا وأستراليا نشأت في بيئات مختلفة، وتحمل توجهات متنوعة. وهذا يجعل خطابها وسلوكها ومواقفها أحياناً غير منسجمة أو غير منسقة، وقد تتسم بالعاطفة أكثر من اللازم، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى خروج عن المألوف أو اتخاذ مواقف لا تنسجم مع البروتوكولات الدولية. إلا أن هذه التصرفات الفردية لا ينبغي أن تعطي صورة شاملة عن كل النشاط الأحوازي في الخارج، ولا يجوز السماح لها بأن تشوّه العنوان العام للحراك، الذي يهدف في مجموعه إلى إيصال صوت الشعب العربي الأحوازي، وتذكير الدولة الإيرانية — بوصفها عضواً بارزاً في المجتمع الدولي — بالتزاماتها القانونية بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها مبادئ حقوق الإنسان.
حماية الشعوب والأقليات في القانون الدولي
تتمتع الشعوب والأقليات الواقعة تحت الاحتلال بحماية خاصة في القانون الدولي، وتشمل:
1. القانون الدولي الإنساني:
يُطبّق في النزاعات المسلحة ويهدف إلى الحد من آثار الحرب على المدنيين، وحماية كل من لا يشارك في القتال، وفرض قيود على أساليب الحرب.
2. القانون الدولي لحقوق الإنسان:
يُطبّق في كل الأوقات، ويُلزم الدول بحماية الحقوق الأساسية، مثل الحق في الكرامة، الحرية، الهوية، والحماية من التمييز.
3. إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات:
يدعو الدول إلى حماية وجود الأقليات وهويتها الثقافية والدينية واللغوية، وتوفير الظروف التي تعزز هذه الهوية.
4. المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان:
تشمل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتُلزم الدول باحترام هذه الحقوق وسنّ تشريعات داخلية تتوافق معها.
حقوق الشعوب تحت الاحتلال
من أبرز هذه الحقوق:
الحق في الحياة والكرامة، والحماية من التعذيب والمعاملة القاسية.
الحق في الهوية الثقافية والدينية واللغوية.
الحق في المشاركة في الحياة العامة وصنع القرار.
الحق في إنشاء الرابطات والمؤسسات المدنية.
الحق في الاتصال داخل الجماعة ومع العالم الخارجي.
حق مقاومة الاحتلال، وهو حق أكدته الشرائع الدولية.
الواقع الإيراني وانعكاساته على الأحواز
شهدت إيران خلال العقود الأخيرة تدهوراً كبيراً في الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية نتيجة المشاريع التوسعية خارج حدودها، خاصة في المنطقة العربية. وقد دفع هذا السلوك دول المنطقة والمجتمع الدولي إلى التوحد في مواجهة إيران، سواء بسبب توسعها الإقليمي أو بسبب برامجها النووية والصاروخية. وصدرت بحقها عقوبات وقرارات دولية عدة.
كما اشتعل صراع عسكري بين إيران وإسرائيل، وبرز خلال “الأيام الاثني عشر” من المواجهة عجز إيران عن حماية حدودها وأجوائها، وتعرضها لهجمات مباشرة. وقد انعكست هذه التطورات سلباً على الأقاليم الهامشية، خصوصاً الأحواز، حيث ازدادت الضغوط الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على الشعب العربي الأحوازي، وارتفعت معدلات الفقر والتهميش، وتوسعت سياسات التغيير الديموغرافي والاستيطان غير العربي من اللور والبختياريين، وترافق ذلك مع الاستحواذ على الفرص والمناصب، وحرمان العرب من وظائف أساسية لإعالة أسرهم.
وتسببت هذه الظروف في انتشار ظواهر مؤلمة مثل الهجرة غير القانونية عبر “قوارب الموت” والانتحار في مدن عدة. وفي المقابل، دفعت هذه المأساة النخب والمناضلين والناشطين في الداخل والخارج إلى التكاتف لمواجهة هذه السياسات التي تستهدف الشعب العربي الأحوازي وهويته التاريخية.
الحراك في الداخل والخارج
برزت في الداخل حركة واسعة لمواجهة هذه السياسات، بينما ركّز الخارج جهوده على مخاطبة المؤسسات الدولية، وخاصة مجلس حقوق الإنسان وقد شارك يوم، 27 نوفمبر 2025، في أعمال الدورة الثامنة عشرة المنعقدة في جنيف، عدد كبير من النشطاء الأحوازيين من مختلف التيارات، منددين بسيسات الاستعمار الفارسي في الاحواز وطالبوا بوقف الاستيطان والسياسات العنصرية، ومنح الشعب الأحوازي حقه في العيش الكريم وتقرير المصير، وذكّروا إيران بالتزاماتها الدولية.
الجدير بالذكر ان مشاركة المرأة العربية الأحوازية في هذه الفعاليات كان بارزا وملفتا للوفود الدولية المشاركة بما يشير الى ما وصلت اليه الماجدة الاحوازية من مكانة في الوعي والنشاط الحقوق لصالح شعبها.
كماعكست هذه المشاركة وحدة الموقف الأحوازي وارتفاع مستوى الوعي والتنظيم لدى الجاليات في الخارج. إلا أن هذا الحراك قوبل برفضٍ من مندوب إيران الذي هاجم المتحدثين الأحوازيين ووصفهم بالإرهابيين، كما ظهر في المقاطع المتداولة.
إشكالية التخوين الداخلي
المؤسف أن الانتقادات لم تأتِ فقط من إيران، بل أيضاً من بعض النشطاء الأحوازيين الذين ما زالوا أسرى مواقف الماضي. فالبعض منهم يرى أن أي جهد لا يمر عبرهم هو “خيانة”، رغم أن الزمن تجاوز أدوارهم السابقة. ومع الاحترام لنضالاتهم القديمة، فإن المرحلة الحالية تتطلب منهم أن يتحولوا إلى دور المستشارين والخبراء، بدلاً من نشر خطاب التخوين ومحاولة الهيمنة على القرار الأحوازي.
فالأجيال تتغير، والمواقف تتطور، والوعي السياسي يرتقي، ولا ينتقص هذا من قيمة نضال السابقين، بل يبني عليه.
مرحلة جديدة للقضية الأحوازية
لقد أثبتت المشاركة الواسعة في مؤتمر جنيف أن الشعب العربي الأحوازي بات يمتلك حضوراً خارجياً فعالاً لم يكن متاحاً له سابقاً، وأن الجاليات التي استقرت في الدول الغربية وتمتلك اليوم جيلاً متعلماً قد بدأت في لعب دور محوري في الدفاع عن القضية الأحوازية ونقلها إلى أعلى المنابر الدولية.
وأصبح للقضية اليوم قطاع خارجي قوي يفضح الانتهاكات، ويواجه السياسات العنصرية التي تُصاغ في طهران، ويقف إلى جانب الشعب العربي الأحوازي في أرضه التاريخية.
وفي الختام، يرحب مركز دراسات عربستان الأحواز بالأخوة والأخوات الذين شاركوا في فعاليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الأخيرة، ويشيد بالدور المميز للماجدات الأحوازيات اللواتي شاركن إلى جانب الرجال في الدفاع عن حقوق الشعب العربي الأحوازي.
مركز دراسات عربستان الأحواز
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.