
لندن- مركز دراسات عربستان- بحث وتدوين: حامد الكناني
في عام 1913، أظهرت الوثائق البريطانية الرسمية، بما في ذلك التقارير السرية للمقيم السياسي في الخليج العربي، السير بيرسي كوكس، مدى السيادة الفعلية التي كانت تتمتع بها عربستان (الأحواز) تحت حكم الشيخ خزعل بن جابر آل مرداو. فقد أُجريت المفاوضات المتعلقة بالاتفاقية الأنغلو-عثمانية حول رسم الحدود وحقوق السيادة بشكل مباشر في المحمرة، عاصمة عربستان، بين كوكس والشيخ خزعل، دون اللجوء إلى العاصمة الفارسية طهران.
وصل كوكس إلى المحمرة في 4 يوليو 1913، حيث وجد الشيخ مبارك الصباح، حاكم الكويت، مقيماً هناك، وتم ترتيب لقاءات مشتركة. في صباح اليوم التالي، أجرى كوكس والرائد هاوورث لقاءً مطولًا مع الشيخ خزعل، حيث تم شرح بنود الاتفاقية المتعلقة بالحدود، ومناقشة مسائل مثل مسار نهر كارون وحقوق لجنة الأنهار التركية، التي كانت تثير مخاوف الشيخ خزعل بشأن السيطرة على مياه النهر والسفن. رغم بعض التحفظات الأولية حول منتصف القناة ومناطق مثل “خيين”، تبين أن الشيخ خزعل كان متفهماً لمعظم النقاط، وأبدى استعدادًا لمراجعة التفاصيل بالتعاون مع حاجي رايس، أحد معاونيه.
عُقدت مناقشات أخرى حول صلاحيات لجنة الأنهار وتفويض مصالح المحمرة للوكيل البريطاني، وتم طمأنة الشيخ بأن مصالح المحمرة ستكون محمية، وهو ما عكس استقلالية قراراته السياسية. كذلك أظهر الشيخ خزعل قدرة على التأثير على الموقف السياسي للشيخ مبارك في الكويت، بما يعكس نفوذه الإقليمي.
في 7 يوليو، حضر الشيخ خزعل مع حاجي رايس إلى القنصلية البريطانية لمراجعة نص معاهدة أرضروم القديمة بالفارسية، والتي تناولت مسألة منتصف القناة وحقوق النهر. وبعد المراجعة، اقتنع الشيخ بضرورة الاعتراف بالحق التركي في النهر وفق المعاهدة، مع الإبقاء على حقه في حماية حدود المحمرة جنوبًا حتى منطقة الدويريج وخيين.
وحول الكويت، فقد جرى لقاء مع الشيخ مبارك في 8 يوليو بحضور الشيخ خزعل، لمناقشة بنود الاتفاقية المتعلقة بالكويت، بما في ذلك استقبال وكيل تركي، مسائل الوراثة، والجمرك. وأظهر الشيخ مبارك تحفظًا أوليًا بشأن وجود وكيل تركي، لكنه وافق بعد توضيحات كوكس ودعم بريطانيا، مما يعكس العلاقة التفاعلية بين القوى المحلية والبريطانيين، ودور الشيخ خزعل كوسيط مؤثر.
من خلال هذه الاجتماعات، يظهر بوضوح أن السيادة الفعلية لعربستان كانت بيد الشيخ خزعل، وأن المحمرة كانت مركز السلطة الإدارية والسياسية للمنطقة. فالمفاوضات المباشرة مع البريطانيين، واستقلالية القرارات المتعلقة بالحدود والموارد، ومكانة الشيخ خزعل في التأثير على شؤون الكويت، كلها مؤشرات على أن عربستان كانت تتمتع بحكم ذاتي وفعلي، رغم النفوذ الفارسي الرسمي من طهران.
بناءً على هذا التقرير، يمكن التأكيد أن السيادة العربية في عربستان لم تكن شكلية، بل كانت قائمة على الأرض، ممثلة في قيادة الشيخ خزعل، وتعترف بها القوى الدولية عمليًا، كما أظهرت المداولات البريطانية-العربية حول الحدود والحقوق الإقليمية.
ترجمة دقيقة للوثائق:
سري.
رقم 2102 لسنة 1913
الإقامة البريطانية والقنصلية العامة، ابوشهر، 10 يوليو 1915
من:
المقدّم سير بيرسي كوكس، K.C.I.B.، المقيم السياسي في الخليج العربي
إلى:
المقدّم سير هنري مكماهون، G.C.V.O., K.C.I.S., C.B.I.
سكرتير حكومة الهند في قسم الشؤون الخارجية، سيملا
سيدي،
تأكيدًا على برقية رقم 1885 بتاريخ 9 من الشهر الجاري، يسرّني أن أقدّم تقريرًا مفصّلًا عما دار خلال لقاءاتي مع شيوخ الكويت والمحمّرة بخصوص الاتفاقية الأنغلو-تركية.
وصلتُ إلى المحمّرة على متن سفينة “سفينكس” في مساء 4 من الشهر الجاري، ووجدت حظّي حسنًا بأن الشيخ مبارك لا يزال مقيماً مع شيخ المحمّرة. وكان القبطان شيكسبير، الوكيل السياسي في الكويت، قد رتب أيضًا لملاقاتي هناك.
في صباح 5 من الشهر الجاري، أجريت أنا والرائد هاوورث مقابلة طويلة مع شيخ المحمّرة بمفردنا. قرأنا له ترجمة الاتفاقية بشأن الحدود كما تم توقيعها، مع شرح مسارها من نقطة الاتصال بخاين وصولًا إلى البحر كما هو محدد في الخريطة، لتعديل الوصف الوارد في الاتفاقية. وبسبب نسيانه جزئيًا لتفاصيل لقائنا السابق بتاريخ 20 أغسطس 1912، كان الشيخ خزعل يميل إلى إعادة مناقشة بعض نقاط الحدود القديمة مثل نظرية منتصف القناة، لكن بشكل عام لم يكن هناك صعوبة كبيرة، باستثناء الحاجة لمراجعة الأرضية القديمة. لم يطرح الشيخ مرة أخرى مسألة تعريف “الاتصال” فيما يتعلق بعلاقة الجزر بالبر عند انخفاض المد، أما فيما يتعلق بتحفظات “حقي باشا” على أراضي منطقة “خيين” فكان متفهمًا إلى حدّ كبير، واثقًا بلا شك أن لها أهمية محدودة نظرًا للحقائق المحلية الراسخة.
ثم تناولنا مسألة لجنة الأنهار، حيث قرأنا للشيخ وترجمنا له أحكام الاتفاقية التي تخص المحمّرة. كان متوترًا بشأن النتائج المحتملة التي قد تنشأ عن سيطرة لجنة تركية على مياه النهر والسفن الموجودة فيها، ونشاط موظفيها. وأعاد طرح مسألة خط منتصف القناة، مؤكدًا أن نهر كارون المتدفق من بلاد فارس يلتقي بشطّ العرب، وكان من العدل أن تشارك بلاده في حقوق النهر. ونظرًا لعدم حضور حاجي رايس وطول اللقاء الذي استمر أكثر من 3 ساعات، لم نستطع إنهاء النقاش حول اللجنة في ذلك الاجتماع، لذا أجلناه، تاركين النسخة المترجمة للشيخ لمراجعتها ومناقشتها مع حاجي رايس، مع نية استكمالها عند زيارة الشيخ المقبلة لي. وأعرب الشيخ طوال الوقت عن عزمه الالتزام بنصيحتنا النهائية بعد النقاش.
قبل الوداع طلبت منه ترتيب لقاء معي صباح اليوم التالي مع ضيفه الشيخ مبارك، وأخبرت الشيخ خزعل بما أود قوله للشيخ مبارك. وتبنّى الشيخ موقفًا عقلانيًا بشأن مسألة وجود وكيل تركي، معترفًا بأنها تشير إلى استقلالية الشيخ مبارك، ووعد بمحاولة التأثير على صديقه في الاتجاه الصحيح.
خلال زيارة الشيخ خزعل للقنصلية في 7 يوليو، كان برفقة حاجي رايس، وأحضرا مجلدًا قديمًا من المعاهدات بالفارسية يتضمن نص معاهدة أرضروم، والذي بموجبه أعيدت مناقشة مسألة منتصف القناة. تم مراجعة كل التفاصيل القديمة مرة أخرى، لكن الشيخ وفريقه اقتنعوا بأن الاعتراف بالحق التركي في النهر وفقًا لمعاهدة أرضروم، مع إمكانية الاستئناف إلى لاهاي، كان خطوة ضرورية لضمان الحدود التي يريدها من منطقة الدويريج جنوبًا حتى منطقة خيين، وأنه لا فائدة من إعادة فتح المسألة الآن.
بعد حسم هذه النقطة، ناقشنا صلاحيات لجنة الأنهار وتفويض مصالح المحمّرة للوكيل البريطاني. كان حق اللجنة في التعامل مع السفن المتصلة بالضفة الفارسية مصدر قلق للشيخ وحاجي رايس، خاصة بالنظر لصياغة الجملة التي تشترط أن يمارس الوكيل البريطاني مهامه دون الإضرار بوصفه عضوًا في اللجنة التركية. حاولنا طمأنته بأن المخاوف كانت مبكرة، وأن الوكيل البريطاني سيحصل على التعليمات اللازمة من الحكومة البريطانية لضمان حماية مصالح المحمّرة. في النهاية، صغنا معًا مسودة رسالة للشيخ لإرسالها إلي، مع شرطه المصاحب الذي نرجو ألا يعتبر غير مناسب أو غير معقول.
وبخصوص الشيخ مبارك في الكويت، أجرى القبطان شيكسبير وأنا مقابلة معه في 8 يوليو في فالية، بحضور الشيخ خزعل. استأنفت الحديث مع الشيخ مبارك من حيث توقّف الوكيل السياسي كما ورد في برقيتي رقم 948 بتاريخ 27 مايو. قرأنا له ترجمة بنود الاتفاقية المتعلقة بالكويت بما في ذلك بند التسليم، وفق برقية وزير الخارجية بتاريخ 17 يونيو. كان لديه تحفظ على استبعاد أم قصّر وبفوان لكنه بدا مستسلمًا لذلك، وبخصوص باقي الحدود قبل به عمليًا.
كانت هناك ثلاث نقاط رئيسية في بنود الكويت:
بند تحديد موقع وكيل تركي في الكويت.
استخدام كلمة “خلافة” بدل “الأبناء” في بند الوراثة.
بند إنشاء مكاتب جمركية.
ركز النقاش على البند الأول، أما الثاني والثالث فتمت معالجتهما أولًا، مع التوضيح للشيخ بأن استخدام كلمة “خلافة” أو ما شابهها ليس جوهريًا طالما أن الأتراك تعهدوا بعدم التدخل في الخلافة. وأكدت له أن الاتفاقية الحالية لا تمنح أي حق للآخرين، وأنه لا يزال ملزمًا باستشارتنا قبل السماح بدخول أجانب آخرين.
فيما يخص البند الجمركي، شرحنا أن الأمر يتناول احتمالات قد لا تتحقق، وأن أي مناقشة مسبقة ستتم بين الحكومة العثمانية وبريطانيا نيابة عنه لضمان توزيع الرسوم بطريقة عادلة له ولتركيا.
أما اعتراضه الرئيسي فكان على البند الذي يلزمه باستقبال وكيل تركي في الكويت. كان الشيخ مبارك في البداية متمسكًا برفضه، مؤكّدًا أن الاتفاقيات السابقة كانت تنص على رفض استقبال أي وكيل أجنبي، بما في ذلك التركي. بعد نقاش طويل، وافق في النهاية، بشرط أن أؤكد له مضمون رسالتهم كتابيًا، واعتمادًا على دعم الحكومة البريطانية وضمان حماية مصالحه ضد أي تحركات للوكيل التركي.
انفصلنا بعد ذلك، وأرسل إلي لاحقًا رسالة قبول، والتي أرفق ترجمتها. الجزء الأخير من رسالته يذكر خمس مسائل (الخلافة، الجمارك، قبول الأجانب الأوروبيين) التي يتوقع فيها صعوبات ويطالب بدعمنا، أو يحتاج فيها لتوضيح الاتفاقية.
لا شك أن الاتفاقية مع تركيا حسّنت موقف الشيخ مبارك، شريطة دعمنا المستمر له، ومع ذلك تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة تجاهه وفق اتفاقية الشواخ، خاصة البنود 5، 9، 10 و12.
أود أن أغتنم الفرصة لأشكر التعاون المخلص الذي تلقيته من القبطان شيكسبير والرائد هاوورث، وكذلك تقدير المساعدة القيمة التي قدمها لي القبطان ويلسون بخصوص مسألة حدود المحمّرة.
أرسل نسخًا من هذا التقرير إلى وزير جلالة الملك وسكرتير الشؤون السياسية في مكتب الهند لمعلوماتهم.
مع فائق الاحترام،
المقدّم بيرسي كوكس
المقيم السياسي في الخليج العربي
سري.
رقم 2160 لسنة 1913
الإقامة البريطانية والقنصلية العامة، ابوشهر، 13 يوليو 1913
سيدي،
توضيحًا لبرقيتي رقم 1223 بتاريخ 9 يوليو 1913، أتشرف بإرسال نسخة من الرسالة رقم 2102 بتاريخ 10 يوليو 1913، الموجهة إلى حكومة الهند، والتي أبلغت فيها عن سير عملي في المحمّرة بشأن التزام شيوخ الكويت والمحمّرة بتوصياتنا لقبول شروط ونتائج الاتفاقية الأنغلو-تركية، التي أوشكت على الاكتمال.
مع فائق الاحترام،
المقدّم بيرسي كوكس
المقيم السياسي في الخليج العربي
*****
هذه المادة جزء من ملف رقم ١٢٤٧ لسنة ١٩١٢، جزء ٢، “الاتفاقية الأنجلو-تركية. قبول شيوخ الكويت والمحمرة لها.” رقم الاستدعاء:
IOR/L/PS/10/262/2
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.