مسيرة الرسالة و المهرجون-عباس الساکي

كان الحشد يتراكم شيئا فشيئا و الساعة تقترب من نقطة البداية فبينما اشتد و حمي الوطيس علت اصوات الناس بالصلوات و اذا بطلعة الملّا.. قد بزغت بابهي حلة وكان لا يشق له غبار من هيبته الرحبة و كنت اعرفه خير معرفة، رجل خبل اهوج لا يفقه ان يرسم اسمه علي ورقة لكن اشباح المجتمع و من سخرية القدر تنواشته من حضيض الجهل الي عرش العلم لا لاسباب ذكاء كاقل تقدير بل لصوته الحسن.

ففي البداية و كما هو المتفق عليه قد امتع الجميع بترجيعات صوته الفخم و هزة القلوب و نشيج الناس، بدأ مشواره بآية مشوهة لاتكاد ان تكون آية و أعد العدة لتفسيرها سوي انه لم يعوّل عليها اصلاً فانتهي من حيث لايشعر بشتم هذا و لطم ذاك.

ضع هذه المأساة في كفة و الأدهي من ذلك، في الكفة المقابلة الا و هي الاسائة الي ساحة النبي صلوات الله و سلامه عليه من حيث لا يشعر و في غالب ظنه الضبابي انه يريد مدحه قائلاً: (لقد دنس الله الارض بوجود محمد) و تلي ذلك انبطاط المجلس من الصلوات تاييداً للملا.

كنا قد تعوّدنا علي تخبط الملالي الاعمي في قضايا اللغة لكن ليس الي هذا الحد من التمادي و الطيش فاستغربت من حدوث هذه المصيبة فجلت ببصري لاري مستغربا سواي علي الانتباه فرأت عيناي ما لم تر عين من قبل و ذلك رضي الناس الذي راحوا يلوّحون برؤوسهم امام عظمة جهله المطبق.

فلما فرغ من المجلس تقدمت نحوه و صافحته و اختليت به فنقلت له نقدي اياه، اتدرون ماذا قال؟ قال انه اراد بقوله ذلك اشتقاقا من التنديس و التنديس بالفارسية التمثال الرمزي للاشياء و الاشخاص فكان مني حينها الايضاح اللازم حول مفردتي التنديس و التدنيس و الفرق بينهما.

يا سادتي الافاضل اختلفنا عن الديانات و المذاهب الاخري بفروق متنوعة و اهمها هو فارق تاثر العقيدة بعامل الصوت و تعثرها بنتائجه المخزية فغطي هذا العامل علي جميع القيم الانسانية لدينا مما حدي بنا ان لا نرتاح الي الواعظ النبيه حتي يقوم بتفاهات لم تغب علي الكثير ممن عاشوا اجواء المنابر (الرديء منها).

ثمة اسباب تفرز هذه النتائج منها:

غياب الوعي العلمي و الثقافي لدي عامة المجتمع

كان فيما مضي تجتمع الناس الي الملا بمختلف اطيافهم و طبقاتهم بمن فيهم المثقف فلا يستطيع المنبري ان يشذ عن قاعدة الحدود الدينية و المعرفية و الاخلاقية و غيرها لكن اليوم اشتدت غربلة الحياة الحديثة بهذا المجتمع (طبعاً لظروف معينة) فما بقي منهم تحت المنبر الا من لم يجد مفزعا للثقافة في حياته فجلس خنوعا مغلوبا علي امره لاحول له و لاقوة يتقلب بين ايدي حفنة جاهلة ناهيك عن عدم وقوفه ضد ترهات من الاقاويل.

التشجيع المذهبي

نري هذه الايام بكثافة اطلاق اجازات شرعية لمن يسخف العقول و يبطئ سير تقدمها اللازم بحجج غريبة.

اولا: ان اهل البيت ع حثوا علي البكاء و الابكاء و التباكي في مجالس الحسين ع اكثر من اي شيئ آخر و كان مما يروي عن الصادق ع انه قال من قال فينا شعراً بكي او ابكي وجبت له الجنة.

هذا الحديث و ان ثبتت صحة سنده و وثقت رواته لا يرتقي الي مستوي الالزام، هذا اولاً، ثم خذ الثاني: ان ايجاب الجنة للبعض صرف بكائهم علي الحسين او تاليف الشعرفي حقه، لهُوَ  شيئ عجاب يسترعي الانتباه فلربما بكي القاتل او الزاني او اللص علي الحسين ع (وما اكثرهم هذه الايام) فهل يعقل ان يدخلهم ربك الجنة التي اعدت للمتقين.

ثانياً: ذريعة استجلاب قدر كبير من الثواب

و اسمي هذا اللون من المشاكل، المصيبة الخفية التي لم تتراء للجميع فهي كامنة في هالة من القدسية و طبقات من الجمالية المعنوية الا انها كفيلة بهدم حركة معنوية كانت او غيرها.

يعتقد الكثير من المتمذهبين بان الغاية وراء كل هذا العمل هو الثواب لاسواه، ثم ان الاعمال بالنيات، فلا اشكال اذا ما شذ الملا او ان يعمل كذا و كذا فان القصد هو الثواب و قد حصل و ان النية فصادقة و هذا من اسخف انواع السلوك الديني و الذي حاربه الاسلام بضراوة و لم يبق له بين دفتي قاموسنا الاسلامي المعرفي من باقية هذا النبي صلي الله علي و آله و سلم يصدح و يقول: قيمة كل امرئ ما يحسنه و قال الله عزوجل: يا ءال داوود اعملوا شكرا و لم يقل قولوا شكرا اذ ان من طبيعة الشكر القول لا العمل لكن القرآن سمي من هذه المرتبة الي ارقاها فقال اعملوا شكرا ليقدم العمل و نتائجه الرابحة رتبياً علي ما سواه فكيف حلت هذه الترهات محل هذا النور فذاك بحث يحتاج الي ساحة اكبر.

و هنالك امور اخري نتركها لمجالات اخري

لكن الحصيلة من هذا السرد الوجيز هو ان الخرق اتسع علي الراتق و لم يكن احد بمقدوره ايقاف عجلة الجهل المتسرعة بين اوساطنا الدينية فتطورت علي اثره مجموعة من الملالي الذين لا يميلون الي هدي و لا صراط مستقيم و اغلبهم بل جلهم من الاميين و العجزة عن تحصيل الحظوظ العلمية هؤلاء ارتقوا المنابر علي غرار ما يفعله المهرج لقاء فلسين من النقود لكن علي الجهة المقابلة له تماما فهذا يضحك الاخرين و يبهجهم و هذا يبكيهم لغاية الغرض و هو اسعاد و ارضاء الناس لا رضا الله.

المصدر:صفحة الفيسبوك

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑