موقع بروال – هل سألت نفسک ذات یوم کیف سیکون أمرنا نحن الأهوازیون إن استمر الوضع الثقافی بنا علی هذا النحو و ما هی النتائج التی سنجنیها بعد مضی 20 سنة من العمر الزهید علی اقل تقدیر.
لم یکن هذا الوضع خافیاً علی أحد من أهل الحظوظ العلمیة و لا حتی علی البعض من الناس البسطاء، فإنهم طفقوا یدرکون خطورته المتفاقمة یوماً بعد یوم و أصبحوا یرزحون تحت أعبائه المرّة و یدفعون الأثمان الباهضة بشکل مخز لا مثیل له فی العالمین.
یمکن لنا أن نرسم ملامح هذا الوضع بفرشاة صادقة و بخطوط واقعیة دونما نعرّض بجهة أو أحد سیاسیاً، لأن الغرض الرئیسی هو أن نحدث وخزة فی مشاعر المثقف الأهوازی تجاه مستقبله و أمانته الثقیلة.
شعب تحت رحمة الإعلام العالمي
لما یقل الإهتمام بثقافة الشارع و أحالته الی نفسه دونما التفات إلی همومه الثقافیة ، یتشجع فی المقابل لثقافة أجنبیة لا یمکن الانسجام معها إلا بخسارة الثقافة الأم، أصبح الفرد العربی ینشد ضالته لاسیما فی العقد المنصرم عبر التنظیم الموسساتی فنتج عن ذلک العشرات من الموسسات الثقافیة التی وزعت اهتماماتها علی جزئین رئیسیین هما: إیجاد و تشجیع سواد العامة علی الالتفاف حول موروثها الثقافی القومی و الشعبی و الدیني. و الثانی مطالبة الحکومة بأخذ مطالیب الشعب بعین الإعتبار.
و للأسف لم یفلح ای شیئ من ذلک الا بشیئ طفیف لا یجدر بالذکر بالمقارنة مع الحیاة السریعة الیوم و دهاء الشعوب الأخری فی العالم و نشاطاتهم الباهرة.
و ذلک یعود أیضاً إلی أسباب عدیدة تبعدنا عن بذرة البحث التی ندور حولها لکن ما یتبقی فی راحة الید هو أن الشعب بفعل الفشل الذریع الذی واجهه أمس و ما یواجهه الیوم علی الصعیدین المذکورین أعلاه بدا ینحو اتجاهات متوقعة و غیر متوقعة متاثراً بالإعلام العالمی بصورة مباشرة.
و هذا الإعلام الصاخب بدأنا نتلقاه من قنوات متنوعة و متعددة منها و أهمها التلفزیون ثم الشبکة المعلوماتیة و غیر ذلک من الطرق المؤدیة الی جهات و أفکار و ثقافات مغایرة و غیر مغایرة ایجابیة و سلبیة.
و ما أحلی ما قاله محمود دروییش فی یومیاته فی (أبعد من التماهی): أجلس أمام التلفزیون اذ لیس فی وسعی أن أفعل شیئاً آخر… لأری بقیة موتی مع ملایین المشاهدین.. –
نعم هذا واقعنا المأساوی الذی أصبح سمة نشترک فیها جمیعاً و هی الشتات و التذبذب و التشرذم و اللا أساسیة. فمنا من تأثر بالطائفیة و من تأثر باللادینیة و منا الذی تأثر بثقافة الأفلام الترکیة و من تاثر بالثقافة الإمریکیة و هلّم جریاً، مما جعل من الشعب ولیمة بین سباع ضاریة کلٌ آخذ منها حصته و نهزته بشراهة وطمع غیر مسبوقین بمثيل و أصبحنا نشهد التمزق السافر في اللُّحمة التی کنا نعوّل علیها فی مشاریع ثقافیة و سیاسیة و اقتصادیة مستقبلیة واسعة.
وهذا ما یشیر الیه الفیلسوف محمد عابد الجابری فی کتابه (اشکالیة الفکر العربی المعاصر الصفحة 68): صنفان من المعطیات یحددان صورة الفکر العربی فی المستقبل علی مستوی المنظور هما معطیات الثقافة العربیة فی وضعها الراهن من جهة و معطیات الثقافة التی تنزع فی عصرنا الی الهیمنة علی المستوی العالمی من جهة أخری و هی غیر الثقافة العربیة.
نعم لا یمکن نکران حقیقة المشترکات الثقافیة بیننا و بین الشعوب الأخری العربیة منها و غیر العربیة مما سهل للکثیر الإنخداع به و الانبهار بمخلفاته الواسعة حیث لم یحرک ساکناً قناعةً منه بأن الهویة مضمونة ما دام التلفاز یضخ بالمعلومة اللغویة و الثقافیة القریبة فی محتواها و بعض غایاتها لکن (بذات القوة) یجب أن لا ننسی المقومات التی تمیز الثقافة الأهوازیة عن غیرها و التی تجلت فی أدبنا الشعبی و الفصیح و کذلک التأریخ و السلوکیات الإجتماعیة و حتی الطقوس الدینیة و هذا الأمر مخاطب به فی بادئ ذی بدء هو المثقف نفسه قبل غیره.
کما لا نغفل عن ما یظهر علی شاشاة التلفزة بشتی مواضیعها فانها لم تکن لتغیب عن أهداف و غایات مرجوة لجهات معینة و لبلدان معینة إذ أن المراد من تخصیص المیزانیات النجومیة لانشاء قناة او برنامج ما، لم یکن سوی تسویق فکرة أو ترویج ثقافة بسمات خاصة و هذه البرامج تختلف باختلاف بلدانها و مبادئها الفلسفیة و الثقافیة و غیر ذلک و أما الشعب الأعزل و الذی لم یتحصن او یتسلح بثقافة خاصة او مبادئ خاصة به فهو الذی یصبح و یمسی عرضة لهذه القنوات فالحصیلة هی أن الناس انقسمت لفی الوقت الراهن علی قنوات متعددة بثقافات متعددة و هذا ما نخافه و نخشاه الیوم تجاه اسرنا الاهوازیة.
فالتلفزيون و باقي الادوات الاعلامية و المعلوماتية كما تعود علي شعبنا بالنتائج الثقافية الحميدة منها اللغة و ما يترتب عليها من الفروع، ستأخذ حتماً الكم الهائل من السمات الثقافية التي لم نجد لها بديلاً الا في هذه المنطقة و لم تصدر الا من هذا الشعب. او قل بلغة اهل السوق ان بهرجة البضائع الاجنبية و المزدانة بماركات نشيطة قد تجمد مواردنا الثقافية الاصيلة.
فان لم نبادر الی ایجاد سبیل علی شاشة التلفاز فی السنتین او الثلاث الاتیات و لم ندون خطاباً علی المستوی المطلوب و واضحاً بهذا الصدد، لشدّ ما سنواجهه من العبثیة و الضیاع فی اوساطنا و لسوف ینزل أحدنا ذات یوم الی الشارع و هو مؤمن بانه سیخترق ازقة عربیة یعبقها طیب الارومة و عراقة المحتد لکن سرعان ما یخیب ظنه بذاک الشارع الذی عصفت به التیارات الثقافیة و الفکریة و الطائفیة سوف لم یلتق باحد یجيد عروبة بانتماءٍ عربي يشده الی تربتنا الغالیة.
یتبع
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.