من المحمرة إلى هولندا، مذكرات سياسية/مذكرات المناضل الاحوازي هادي محمد جواد الحاج عامر المطوري – الحلقة الأولى

7656556454654من رويس المحمرة إلى هولندا،مذكرات سياسية

هادي محمد جواد الحاج عامر المطوري (أبومحمد الأحوازي)

الحلقة الأولى

ولدت عام 1957 في منطقة الرويس ( رأس جزيرة عبادان) التابعة لقضاء كوت الشيخ في مدينة المحمرة. وترعرت تحت سعف النخيل الوافر والانهر الكثيرة التي تصب في شط العرب نهر ابوعلم نهر جويمل نهر الاعمي نهر الدوغة القريبة الى منزلنا الذي يقع على بعد 50 مترا عن شط العرب الخالد.

كانت الاجواء العربية وقيّم الضيافة والكرم والمحبة والاخوة والتعاضد بين الناس وكانت والدتي رحمها الله اذا طبخت شيئا تضعه في صحون وتعطيني اياها لأوزعها على الجيران كإبنها الكبير.

و لا أنسى اكلات الدولمة واللقيمات والشعرية واالهريس والتمن المحمر وكانت هذه عادة منتشرة حيث كان الجيران يعاملوننا بالمثل. وكنا نقول للجار عم وللمرأة خالة. واذا مات احد حزنت الناس كلها لمدة عام للشباب ويتوقف الزواج في هذه الفترة  واذا تزوج احد في المنطقة تطرب الديرة لمدة اسبوع كامل، والعريس الذي لا يملك ثمن شراء بدلة جديدة يستعير بدلة ممن سبقوه بالزواج.

وأيضا من ليس لديه غرفة فتجتمع المنطقة وتبني له غرفة شرط ان يقدم لهم الريوك ( الافطار) والغداء. والكل تغني للعريس في بناء غرفته. وتربينا في هكذا مجتمع متماسك وبعيد عن القبلية رغم ان كل منا ينتمي الى قبيلة.

14484923_1239507212783013_4214149739066384400_n

أريد ان اذكر بعض الاحداث التي أثرت في تكويني السياسي منذ الطفولة المبكرة:

1-عندما كنت طفلا في عمر السابعة شاركت مع أقاربي في نقل منشورات جبهة تحرير عربستان وكنت أعمل كمرسال او ناقل للمنشورات بين الثوار أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، المحامي المرحوم مهدي الشبيري ( شقيق ابن عمتي) وشباب من عشيرة البغلانية لا استطيع ذكر اسماءهم لاسباب امنية وذلك لكي لا تثار شبهة تؤدي الى القبض عليهم كوني صغير السن.

كانوا يخبئون المنشورات والبيانات الثورية والاعلام الوطنية واغلبها كانت للتنظيمات الناصرية الاحوازية في منزلنا لدى والدي. وفي هذه المرحلة تفتحت عيوني بالقضية الثورية الاحوازية، بالاضافة الى الظلم والاضطهاد والحرمان والعنصرية التي كنا نعاني منها والتي مازانت شعبنا يعاني منها من الانظمة المتعاقبة سواء كان شاهنشاهية او عمائمية لانهم وجهان لعملة واحدة. هذا الانخراط في العمل مع الثوار تركت تاثيرا بالغا في نفسيتي حيث كنت أحلم بامنيات تختلف عن باقي الاطفال وهو انني كنت اتمنى ان اصبح احد ثوار الاحواز. كنت ارافق ثوار عظماء مثل مهدي وعبدالله وامكلف ومحمد علي وأراهم كيف يسيرون بشموخ ويتحدثون عن النضال والعروبة والوطن وكنت اتمنى ان اصبح رجلا مثلهم وادافع عن وطني وشعبي وقضيتي.

2-عندما كنت في سن الثامنة حدثت معركة المحرزي في نهر شاخة الحياك. والمحرزي هي اقدم منطقة في كوت الشيخ يقطنها زعماء عشيرة المطور. وبطل الحادثة كان سيد صادق بيت ابوبليم، من ابناء المحرزي وعضو قيادة جبهة تحرير عربستان، وينتمي الى عشيرة المطور ايضا. وكان هدف العملية من قبل السافاك الايراني وحشود من الامن والشرطة ( الامنية والنظمية) القاء القبض على الشهيد سيد صادق ولكن عند الاقتحام تصدى اهالي المنطقة رجالا ونساءا وشيوخا واطفال واشتبكوا بالايدي والعصي مع السلطات التي ردت على الناس بالرصاص الحي وقتل في هذه المعركة على ما أظن 9 اشخاص ومنهم ملا رزاق المكاحيل وهو رجل ضرير وكان صديقا لجدي زاير حسن.

 وفي صباح الحادث كنا نعبر بالبلم من كوت الشيخ الى الضفة الثانية من المحمرة وكانت التنقلات تتم من ” المعيبر ” عبر القوارب الصغيرة التي تسمى “البلم” الذي يقاد بالمجاذيف و الغرافة.

أثناء عبورنا خاطب احد الركاب جدي قائلا : هل سمعت بحادث المحرزي البارحة؟.

 جدي رد باستغراب ماذا حدث؟ فقال الرجل:” حدث انزال عسكري واشتباكات في المنطقة وقتل ملا رزاق وإمرأة معه لانها هاجمتهم بالمحراث، وتأثر جدي بموت صديقه وضرب بيده على جبينه وبدأ يشتم الشاه” لعنة الله عليهم وعلى شاههم”.

وكان الجو غارسا في ايام “الجله” . وعندما وصلنا الى مقصدنا سألت جدي لماذا قتلوا الناس؟ فشرح لي بأن هولاء يبحثون عن الثوار الذين يطالبون بالقضية بشكل بسيط كي افهم ماذا حدث. وهذا ماترك في نفسي اثرا شديدا ايضا وجعلني احقد على العجم.

3-في صيف العام 1963 تم اعتقال قادة جبهة تحرير عربستان ( محيي الدين آل ناصر وعيسى المذخور ودهراب شميل) وجاء عدد من اعضاء الجبهة آنذاك وعلى رأسهم المرحوم مهدي الشبيري وقالوا لوالدي يا أبا هادي عليك باحراق واتلاف كل المنشورات والوثائق التي بحوزتك، وذلك لأن بيتنا كان على ضفاف شط العرب في وسط النخيل وكانت لدينا مخابيء كثيرة.

ورأيت الحزن والخوف قد خيم على وجه والدي وأهلي وكل الناس وكنت أشاهد كل هذا واتساءل ماذا حدث؟ فقالوا لي “بيت ارويضي” وهو وصف لحكومة الشاه، اعتقلوا شبابنا. وفي اليوم الثاني او الثالث على ما اظن، كنا نائمين وسط حوش المنزل على الارض في الصباح الباكر. كان لبيتنا بابين باب على الشارع والباب الثاني يطل على النخيل ومنها الى شط العرب وكانت والدتي تقفل البابين.

فجأة بدأ قوات أمنية تطرق الباب الخلفي من صوب النخيل وكانوا يشتمون ويعربدون ” افتحووا الباب يا اولا الكلب” وكانت ترد والدتي بفارسية مكسرة” اصبروا الباب مقفل”. وأنا كنت اتمسك بثوب أمي وكانت تفتح الباب وعندما فتح القفل دفعوا الباب بوجه امي حتى سقطت أرضا بقوة. ودخل حوالي سبع او ثمانية اشخاص يرتدون الزي العسكري يقودهم ضابط يدعى نظري معروف بظلمه وعنصريته وحقده على العرب، وداهموا االبيت بحثا عن شيء لا نعرفه. حتى فتشوا سعف النخيل المكدس في زاوية من البيت وارطال التمر و لانعرف عماذا يبحثون. وتركت هذه الحادثة والخوف والهلع والاهانات التي وجهوها لاهلي اثرا سلبيا في نفسي.

4- لدي ذكرى أخرى عن العلم عندما كنت في السن السابعة وبالصف الاول الابتدائي، وكان شاه ايران محمد رضا بهلوي يزور القوة البحرية في المحمرة ويمر موكبه من أمام مدرستنا بأمتار، واعطانا مدير المدرسه في حينه أعلام ايران كي نرفعها عند مرور موكب الشاه، ومر الشاه وزوجته فرح بسيارة مكشوفة بمسافة امتار قليلة ونحن نلوح له بالاعلام ولكن في داخلنا كره وشتائم ضده وكنت اتمنى لو استطيع ان اقفز على السايرة واقوم بعضه في عنقه. وعندما عدنا الى المدرسة قمت باخفاء احد الاعلام في حقيبتي التي كانت عبارة كيس نايلون مربوط بمطاط، واخذت العلم الى البيت وقلت لأمي ان تجعل من العلم ” حضينة” لأخي محمد علي، والحضينة هي قماش يوضع تحت الاطفال لتنظيف النجاسة.

تدل هذه الاحداث عن مدى الحقد الذي خلفه الاحتلال في نفوسنا وكنا نعبر عن هذه الكره باشكال وطرق مختلفة كما نعتبر هذه الاعمال كنوع من المقاومة المدنية ضد الاحتلال بما نستطيع.

14601018_1239509686116099_3216461451730864794_nمرحلة الشباب:

– في العام 1974 بدأ جيش الشاه الايراني حربا ضد العراق واحتل القوات القادمة بساتين النخيل التابعة لنا وتركوا مدفعا ودبابة واسلحة أخرى ثقيلة ومتوسطة وخفيفة في اراضينا. ولم نكن نملك من الرزق الا النخيل والمزرعة ومنعوا والدي من دخول ارضنا التي نترزق منها.

فقام والدي بتحديهم ودخل الأرض ووصل النخيل وبدأ يصعد على احدى النخيل ولم يكترث لنداءات الجنود، وجاء احد الضبط يدعى عابديني من اهالي بندر عباس وضرب والدي وقال له ممنوع عليك القدوم الى هنا وهنا اشتبك معه والدي بالايدي وقام بضربه، عندها قامت أمي بضرب الضابط  بالقصمول (هو بداية سعفة النخلة التي فيها شوكا).

 ومن ثم ذهب الشرطي وجاء بالبندقية ولقمها وكان يريد ام يطلق النار على والدي وربما جميعنا وقد تلاصقنا على بعضنا البعض، وفجأة جاء ضابط آخر ارفع درجة منه يدعى مددي (ايضا من اهالي بندر عباس) ورمى بنفسه عليه ومنعه من فتح النار وخاطبه بالقول: ” ماذا تفعل؟ هولاء ناس مظلومين ونحن اخذنا ارضهم وهل تريد ان تقتلهم رغم هذا؟!” وفض الامر.

 لكن الضابط عابديني ذهب للقيادة الميدانية وقدم شكوى ضد والدي وقال ” هذا العربي هاجمنا ويريد ان يدمر السلاح والموضع العسكري”، وما كان للقيادة ان ارسلت مجموعة من الجيش لاعتقال والدي وكان يصلي المغرب وقال لهم لن اذهب معكم قبل الصلاة حتى لو اطلقتم الرصاص عليّ.

وانتظروه لاكثر من نصف ساعة حتى اتم صلاته وقد حل الظلام. ومن ثم ذهبنا انا ووالدي للمسؤول الاكبر وكان ضابطا هادئا وسئل والدي: هل هاجمت الجيش؟ وما كان هدفك؟ ولآن والدي لم يكن يتقن الفارسية قمت أنا بالترجمة والتوضيح وقلت للضابط: ” يا حضرة الضابط، انا استشهد بكلام رجال منكم وعلى راسهم نائب الضابط مددي ليتحدث عما جرى ونحن نقبل بروايته”.

ثم استدعى مددي وتحدث الرجل عما حدث بالضبط، ونفى ان يكون والدي قد قام بالتخريب او شيء من هذا القبيل وقال هذا الرجل يحترمنا ونحن نمكث في ارضه وناكل من بيته احيانا وبيننا احترام متبادل والمقصر هو عابديني لأنه كان سكرانا ” واضاف” عابديني هاجمهم بالسلاح في بيتهم وهم ناس ابرياء لم يفعلوا شيئا”.

ثم قال الضابط لوالدي ” يسمح لك بدخول ارضك متى ما تشاء” واستدعى عابديني وقال له يجب ان تعتذر من صاحب الارض وتتصالحوا ويجب ان لا يتكرر هذا الامر معه. وهذا المشهد ايضا ترك اثرا في نفسي حيث رايت كيف انهم يدخلون اراضينا ويهاجموننا ويعتدون علينا.

كان عمري 19 عاما عندما دخلت الخدمة العسكرية الالزامية ومعي الأسير المحرر فوزي رفرف الفيصلي ( عميد الأسرى) اوتم تدرينا لمدة 4 أشهر بمدينة زابل بإقليم بلوشستان ومن ثم نقلنا الى مدينة الاحواز وبعدها تم نقلي الى مدينة مسجد سليمان بعد شهر حيث قضيت باقي خدمتي هناك.

كنت في سن العشرين عندما شاركت في المظاهرات التي اندلعت في مسجد سليمان ضد نظام الشاه وقد سقط أول قتيل يدعى داريوش محمدي برصاص الامن وكنت قد انضممت للمتظاهرين بملابس مدنية ولدى مشاركتي في المظاهرات كنت اخاف من جهتين، من الناس في تلك المدينة الصغيرة التي كانوا يعملون باني جندي وكذلك بالمقابل اخاف من مسؤولي وحدتي العسكرية الذين يعتبرون المنتظاهر خائنا خاصة اذا كان جنديا.

 وكان المسؤول المباشر عني كردي من اهل سنندج يدعى العقيد شيردل يهددنا نحن الجنود بالقول: من يخوننا سأقتله بيدي ويضرب بيده على المسدس الموضوع على خاصرته” وكان يقول:” كل الاصوات بما فيها صوت المهدي صاحب الزمان ان تخرس عندما يتكلم الشاه”. وكانت كلماته تتردد في اذني وتتابعني كالخيال في كل مكان. اذن كانت الاخطار تحيط بي من الجهتين ولكني كنت مندفعا بقوة بايماني الذي كسبته من اهلي ابا عن جد ضد الانظمة الديكتاتورية الايرانية ولم اكن افكر بعاقبة ما سيحدث لي.

14572385_1239510022782732_4920242442047289372_nواتذكر يوما كنت في احد مخافر مدينة مسجد سليماني باسم مخفر ” كلكير” وكنت احمل كوفية في حقيبتي فغسلت الكوفية وكان هناك عمودا للعلم الايراني في ساحة المخفر فأنا كنت احقد على هذا العلم الذي اعتبره رمزا للاحتلال، وقمت بانزال العلم وقمت برفع الكوفية بدله. كانت الساعة بين الواحدة والثانية ظهرا ولم يكن احد في المخفر في ذلك اليوم الصيفي الحار وكان اغلب الجنود ينامون في السرداب من اجل الهروب من الشمس الحارقة فاستغليت الفرصة لأعبر عما في داخلي من امنيات وطموح. في هذه الاثناء خرج العريف روزبهاني من اهالي خرم آباد وكان يومها مسؤول الخفر ولحسن حظي ان هذا العريف كانت لي علاقة طيبة به وعندما رأى الكوفية استفزه الامر ولكن قال لي : هل انت مجنون يا هادي ماذا فعلت؟ وهذا الفعل ( تنزيل العلم) يعتبر خيانة”. فقلت لهك ” لم اقصد شيئا لكني غسلت الكوفية واردت نشرها بمكان كي تجف ولم اجد سوى ساعمود العلم”.وقال هذا عمل غير صحيح وقم الان بتدارك الامر بسرعة. ومرت القضية بسلام.

– في احدى الاجازات ذهبت من احد اقاربي في مدينة الاحواز وخرجنا مع اولاده الذين كانوا ينشطون في صفوف المنظمات اليسارية بما فيهم “مجاهدي خلق” وكانت هناك مسيرة تبدأ من حسينية “أعظم” وكان الخطيب المدعو ابوالقاسم خزعلي والحشود بالالاف وكانت الاحواز تعيش حالة طواريء واحكام عرفية وكان المحافظ آنذاك الحاكم العسكري المدعو شمس تبريزي حاضرا لمواجهة الناس ويطلب منهم فض المسيرة وينادي الناس بمكبرة صوت” نرجوا التفرق لا نريد ان يقتل احد”. وكنت قد شاركت في عدة مظاهرؤات في الاحواز وفي المحمرة ايضا وفي احدى المرات ذهبنا لاسقاط تمثال الشاه في دوار محطة القطار في المحمرة وهاجمتنا قوات الجيش واطلقوا النار علينا وحدث تدافع بين الناس خوفا من الرصاص وأنا وقعت في التدتفع وقد جرحت يدي وانتزع الجلد من راحة يدي على الاسلفت وظنت الناس انني تلقيت رصاصة ورفعتني الجماهير من الناس واخذوني الى سيارة الاسعاف وكان المسعف الدكتور منصور بهمن قد قام بتضميد يدي داخل سيارة الاسعاف. وشاركت في الكثير من المظاهرات ضد الشاه حتى أخر ايام الثورة.

كان عمري 21 عاما عندما حدثت الثورة. كنت قبلها باسبوع قد اتممت الخدمة العسكرية كجندي في الجندرمه ( قوى الشرطة والأمن الداخلي) كـ “ضابط قضائي” ومهمتي نقل المتهمين إلى المحاكم بمدينة  مسجد سليمان. تسرحت من الخدمة الالزامية بعد عامين وبالتحديد في 16 بهمن 1357 بالتقويم الفارسي والذي يصادف 5 فبراير 1979.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: