تقرير من الأرشيف البريطاني يكشف خفايا الأحداث الدامية التي وقعت عام 1946 بين الاتحاد العربي وحزب التوده الإيراني في عبادان-(الجزء الثاني)/ ترجمة وتحليل: حامد الكناني

مظاهرة مناهضة لبريطانيا في طهران عام 1951

لندن-موقع كارون الوثائقي- خاص- حامد الكناني- بطبيعة الحال ان الحراك العربي المناهض لحزب التوده كان غير متوقعا ولهذا اثار قلقا كبيرا بين صفوف حزب التودة وقياداته ، الأمر الذي دفعهم نحو الحاكم العسكري في عبادان من أجل “الحماية”، كما زاد من تحرك القنصل الروسي ونشاطه أكثر من أي وقت مضى ، حيث قضى جزءًا كبيرًا من وقته في زيارة القرى العربية النائية، محاولا كسب ثقتهم وكسبهم لصالحه.

وبدأت قيادة حزب التوده شن حملة دعائية قوية ضد الإنجليز، تتهمهم أنهم يقفون خلف الحركة العربية التي يصفونها بالرجعية، وان بريطانيا منشغلة بتسليح العرب وتمويلهم. لقد روجوا لإشاعة تقول؛ بأن شركة النفط الأنجلو- إيرانية والقنصل البريطاني دفعوا مبالغ طائلة للعرب ، وتم تزويد العرب بالاسلحة والذخيرة حيث شوهدت صناديق من الأسلحة والذخيرة سلمت للعرب، ثم تناولت هذه الشائعات الصحافة اليسارية في طهران ونشرتها بشكل واسع.

 في الرابع من يونيو وصل ثلاثة من أعضاء البرلمان (الإيراني) للتحقيق في ظروف العمل في شركة النفط الأنجلو -إيرانية. انطباعاتي من هذه الزيارة قد تم تحويلها بالفعل إلى سعادتكم في رسالتي رقم 50 -T  بتاريخ 14 يونيو 1946. ارسل البريد إلى إنجلترا عن طريق الجو في يوم 13.

8- في السادس من حزيران (يونيو) ، قام القنصل الروسي باتخاذ خطوة جريئة، حيث ذهب إلى عرين الأسد مباشرة، وزار حاكم عبادان (العسكري) في مكتبه الذي يقع في قلب منطقة مصفاة التكرير. سبق وان تم الإبلاغ عن تفاصيل هذه الزيارة ، سيكون كافياً أن نقول في المجمل تم الاستفسار من الحاكم حول عدة نقاط عن العرب والبريطانيين بشكل عام وعن عدد الضباط السابقين العاملين في شركة النفط الانجلو-ايرانية بشكل خاص. أجاب الحاكم على كل هذه الأسئلة بعبارات غامضة ، مدعياً أنه كان لفترة قصيرة جدًا في عبادان ولم يكن لديه الوقت الكافي للتعرف بشكل كامل على الشؤون المحلية، ومع وصوله وجد ان الجميع كان يشعر بحدوث شيء ما. كانت الأوضاع متوترة والتوقعات تتغير باستمرار. كان يُعتقد أن حزب التوده سيضطر إلى اتخاذ خطوة لاعادة المواقع التي خسرها، لكن لا أحد يستطيع أن يتوقع ماذا يحدث بعد ذلك. من الواضح أنهم كانوا ينتظرون وصول التعليمات من طهران. وتطور الأحداث يشير بوضوح  إلى وجود مراحل، ويبدو ان مرحلة محددة من هذه الحملة تم تحقيقها في وقت قصير.

9-  في 23 يونيو تم افتتاح المقر الرسمي لجمعية الاتحاد العربي في مدينة المحمرة (خرمشهر) وحضر الاحتفال حوالي 3000 أو 4000 عربي. وعلى الرغم من ان تم الاتفاق على تسمية الاتحاد بـ “الاتحاد القبائل العربية”، لكن برزت الكثير من الخلافات، حيث في توقيت واحد رفعت لافتة مكتوب عليها، “اتحاد مزارعي خوزستان”، بجانب لافتة “اتحاد القبائل العربية”.

في 24 حزيران وصل وكيل وزارة التجارة والصناعة، الدكتور آرامش، برفقة أثنان من المدراء في هذه الوزارة وهما، كاوياني وواثقي، إلى عبادان من اجل تدشين مكتب عمل هناك. وفي حفلة مختلطة أقامها السيد غابي على شرف الزوار مساء نفس اليوم، التقيت بالسيد پریود ، أحد كبار ممثلي وزارة الوقود والطاقة. سألني إذا كنت أعتقد أن ربما كانت شركة النفط الأنجلو إيرانية تبالغ قليلاً في الأهمية السياسية المرتبطة بنشاطات حزب التوده.

أخبرته أنني اعتقد أن الشركة لم تبالغ اطلاقا في الجانب السياسي لهذه الحركة الشريرة، ومهما كانت الأسباب والحجج، بانها تثير القلق من ان تحدث مشاكل خطيرة تحت جنح الظلام . وهذا يشير إلى أن هناك انطباعان لهذه القضية: أحدهما قد يشعر به الزائر بين الحينة والأخرى، لكن المقيم الدائم والموجود على الأرض يعرف هذه الحقيقة، ومن هنا يمكننا القول، أن الانطباع الأخير هو أكثر واقعية.

10-  بدأ حزب التوده حملة دعائية لتشويه صورة شركة النفط الأنجلو-إيرانية، واقيمت تجمعات كبرى أُلقيت في معظمها خطابات نارية، استهدفت السلطات الحكومية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص الحاكم العام من خلال كيل التهم والسباب، ونعتهم بأدوات لقوى إمبريالية أجنبية، كما روجوا لدعاية تتهم الإنجليز بدعم وتشجيع العرب وانهم كانوا خلف العرب. ومن الطبيعي ان تثير هذه الاحداث الخطيرة للأوضاع، مخاوف الحاكم العام، وزادت من قلقه، حيث شعر بضرورة الذهاب إلى طهران لتوضيح موقفه من الاضطرابات أمام رئيس الوزراء.

أصبحت الأزمة لا تطاق ولا يمكن لها أن تستمر، حيث أدت نشاطات حزب التودة إلى تقويض سلطة المسؤولين الحكوميين ، وأصبحت فعاليات الحزب غير مقبولة. وبناءً على ذلك ، ذهب الحاكم العام إلى طهران بالقطار في 22 يونيو وسط هتافات مناهضة من انصار حزب التودة، ومنها “مرده باد مصباح فاطمى”، أي “الموت لمصباح فاطمي”. موضوع مغادرة الحاكم العام اصبح حديث الساعة، وأن الحزب قادرعلى تغيير أكبر مسؤول حكومي حتى وان كان مؤيدا من قبل الإنجليز. ورحب حزب التوده بمغادرة الحاكم العام معبرا عن فرحته، وتباهى بقوته التي وصلت إلى حد إقالة الحاكم العام.

لقد تخلصوا من الأداة الرئيسية لشركة النفط الإنجلو- إيرانية، وأخذوا يتوعدون بالمزيد، ومن الآن وصاعداً ويل للمهزومين (VAE VICTIS).

11- سأنتقل الآن إلى المرحلة التالية التي بدأت فيها الأزمة. ترتبط هذه المرحلة ارتباطًا وثيقًا بـقانون العمل الذي دخل حيز التنفيذ في الثامن عشر من عام 1946. لم توضح الجهات الحكومية المختصة التي صاغت هذا القانون ، بعض البنود واللوائح التي تشمل البنود أو التفسير الذي تم وضعه على فقرات معينة، حيث كان هناك بندان يصعب تفسيرهما.

12- هكذا كانت الأوضاع سارية حتى الثالث من يوليو، حيث فجأة تم تقديم إنذار نهائي للشركة من قبل نقابة العمال، التي حذرت من اتخاذ تدابير تصعيدية في حال عدم الموافقة على مطالبتهم بدفع أجور أيام الجمعة وكانت المهلة المحددة حتى الساعة الخامسة من مساء يوم الخامس من يوليو. (قادة الحراك ابلغوا الشركة بسذاجة أن عليهم اتخاذ خطوة تهدي العمال وتخفف من غضبهم، لأنهم فقدوا قدرا من السيطرة).

 الشركة أبلغت الاتحاد على الفور أنه سيتعين على ألشركة طرح الموضوع على الإدارة في لندن ، وسيكون من المستحيل تمامًا الحصول على رد لمثل هذا الأمر المهم في وقت قصير جدا. ثم طلب الاتحاد من الشركة تحديد موعد نهائي للرد ، واقترحوا أن المهلة يجب أن تكون حتى 13 يوليو. ووافق القادة على هذا.

في الخامس من يوليو ، تلقت الشركة تعليمات من مكتب لندن الذي يفيد بأن مسألة دفع اجور أيام الجمعة يجب إحالتها إلى حكومة طهران للتحكيم ، وأن الشركة ستلتزم بالقرار.

(أخبرني السيد غابي سرا أنه، في الواقع كان يمتلك قرار دفع المبلغ الذي قدر بحوالي مليون ليرة استرلينية (باون)، في حالة الطوارئ)

وفي  طهران تم الاعلان عن تشكيل لجنة لمناقشة الحد الأدنى للأجور، وتشمل هذه اللجنة ممثل عن الشركة وممثل عن المجلس المركزي لنقابة العمال في طهران ، وسوف تبدأ أولى جلساتها يوم 6 يوليو.

13- خلال الأسبوع من 8 إلى في 13 يوليو ، أصدرت الحكومة بيانات رسمية وتناقلتها الصحف تؤكد ان قضية الحد الأدنى للأجور وأجر يوم الجمعة، قيد الدراسة و التفاوض، وأي إضراب يعتبر عمل غير قانوني. كما أرسلت اللجنة المركزية في طهران برقية تتضمن هذا الخبر إلى الاتحاد المحلي في عبادان.

ففي مثل هذه الأوضاع  بدأت الشائعات تنتشر أن مصباح فاطمي في طريق العدة إلى الأحواز (خوزستان) ليس فقط بنفس الصفة فحسب، بل عاد بقوى معززة وصلاخيات واسعة. سببت هذه الأخبار فزع شديد في صفوف حزب التوده وبدأت حملة افتراء وبدأ اللوم ضده مرة أخرى.

 في العاشر من يوليو ، أعلنت شركة النفط الأنجلو- إيرانية عن حدوث إضراب عام في منشآت آغا جاري، على خلفية اعتقال اثنان من قادة الاتحاد بواسطة العسكر ، في مدينة “گچساران”، وهما “درستي” و”زبده”، و”علي أميد” في الأحواز. وارسلت شركة النفط الأنجلو- إيرانية على الفور زعيم الإتحاد، النجفي إلى آغا جاري لاقناع المضربين استئناف العمل، بالقول، إنه سيتابع موضوع المعتقلين في طهران وسيعمل على إطلاق سراح سراحهم. وفي نفس السياق وصل صباح اليوم قائد الفرقة الجديد العقيد حجازي إلى الأحواز ليحل محل العقيد أفشار أوغلو الذي انتقل إلى “گچساران”.  وصرح العقيد حجازي إنه تلقى أوامر باتخاذ أقوى الإجراءات لاستعادة سلطة الحكومة.

وفي المساء حدث شيء زاد من مخاوف حزب التوده ، حيث عاد مصباح فاطمي إلى الأحواز جواً عبر شيراز وانتقل إلى عبادان وهو يتمتع بكامل الصلاحيات ، والتي تضمنت سلطة اعلان حالة الطوارئ تحت سلطة العسكر. وأثناء مروره في شوارع عبادان تم استقباله من قبل حشد كبير من الشيوخ العرب الذين رحبوا بعودته وصفقوا له.

يتبع

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑

%d مدونون معجبون بهذه: