
لندن- موقع كارون الثقافي- خاص حامد الكناني- في 20 أبريل 1925، اختطفت السلطات الفارسية الشيخ خزعل بن جابر، أمير الأحواز، وابنه عبد الحميد من على يخته الخاص. وقد بررت الحكومة الإيرانية هذا الاختطاف بادعاء أن الشيخ رفض الاستجابة لدعوة للحضور إلى طهران لمناقشة التسوية النهائية مع رضا خان. بعد ذلك، وُضع الشيخ تحت الإقامة الجبرية حتى تم اغتياله في مايو 1936.
تُجمع جميع المصادر التاريخية الموثوقة على أن عربستان الأحواز بشكل عام، ومشيخة المحمّرة بشكل خاص، كانت تتمتع أحيانًا بالاستقلال الكامل وأحيانًا بالاستقلال الجزئي مع تبعية اسمية للدولة القاجارية، مما يعني أنها كانت تتبع التاج القاجاري دون أن تكون خاضعة مباشرة للحكومة المركزية الفارسية. وقد كان هذا النظام مشابهًا تمامًا لنظام الإمبراطورية البريطانية في إدارة مستعمراتها، أي نظام الكومنولث أو دول الكومنولث.
عقب اجتماع عُقد في 7 ديسمبر 1924 أدى إلى تعهد متبادل بالصداقة بين رضا خان والشيخ خزعل، تم التوصل إلى اتفاقيات لإدارة مؤقتة لشمال عربستان. لكن الحكومة الإيرانية لم تفِ بوعودها، مما عكس تزايد انعدام الثقة بين الطرفين.
وقد أعربت بريطانيا، التي كانت تتبنى سياسة توازن القوى في المنطقة، عن خيبة أملها من تجاهل الشيخ خزعل لنصائحها. ووفقًا لأحاديث بين القادة البريطانيين، فقد اعتبروا ما حدث نتيجة لتردد الشيخ في اتباع إرشاداتهم، وتبرأوا من أي التزام تجاهه.
تؤكد الوثائق البريطانية أن ما حدث عام 1925 كان احتلالًا عسكريًا للأحواز من قبل إيران، استخدمت فيه القوة لفرض السيطرة على المنطقة، مما أضفى بُعدًا جديدًا على الصراعات السياسية في المنطقة.
تسلسل الأحداث التي أدت إلى نهاية الحكم العربي في عربستان الأحواز يكشف عن توتر متصاعد بين الحكومة الإيرانية والأمير العربي، ويوضح كيف يمكن للاتفاقيات السياسية أن تنهار بسبب انعدام الثقة وتبدّل المواقف.
في 6 يناير 1925، نشرت صحيفة “تايمز أوف إنديا” تقريرًا بعنوان: “مستقبل إيران: موقف رضا خان”، وجاء فيه:
“فنادق بغداد في هذا الموسم مزدحمة على نحو غير معتاد، وتستضيف المدينة زوارًا بارزين، من بينهم رضا خان، رئيس وزراء إيران، الذي دخل العراق مؤخرًا عبر المحمرة، وسافر بالقطار من البصرة إلى كربلاء. وقد أجرى زيارات لاحقًا…”
في ذلك الوقت، سافر رضا خان إلى العراق بعد مفاوضات مع أمير الأحواز، الشيخ خزعل بن جابر، وقد تمت هذه المفاوضات تحت إشراف بريطاني وأدت إلى عقد معاهدة أخوّة واتفاقيات عدة، وقد استقبل الشيخ خزعل رضا خان بحرارة في المحمرة وقدّم له هدايا كثيرة.
تولى رضا خان منصب وزير الحربية بعد الانقلاب العسكري عام 1921، وبدأ في توسيع نفوذه تدريجيًا حتى أصبح رئيسًا للوزراء في 1923.
بعد فشل محاولته إعلان الجمهورية، أصبح أكثر حذرًا. وقد أدرك قوة رجال الدين، فسعى إلى بناء علاقات معهم، كما استغل جاذبية القومية في المدن لبناء صورته السياسية.
الدعم الكامل من البرلمان
كان البرلمان مكونًا من ثلاث كتل:
- مؤيدون مطلقون لرضا خان
- مؤيدون بتحفظات
- معارضون حذرون بقيادة حسن مدرس
كان مدرس، رجل دين بارز، من أشد أعداء رضا خان. عارض فكرة الجمهورية ووقف خلف تصويت حجب الثقة عن رضا خان. لكن بعد دعمه للشيخ خزعل، تراجع نفوذه.
أدرك رضا خان أنه بحاجة إلى كسب تأييد الجميع، حتى خصومه، فاقترب من مدرس وعرض عليه النفوذ مقابل التعاون.
من يناير 1925، كان رضا خان ومدرس يلتقيان كل صباح. قدم رضا إنجازاته: توحيد الجيش، قمع الثورات، تقليص النفوذ الأجنبي. واعترف بفقدان ثقته في الشاه واعتباره غير جدير بالحكم.
تدريجيًا، تحوّلت العداوة إلى احترام متبادل. منح رضا خان مكانة خاصة لمدرس ولبّى كل مطالبه، مما أعاد بعضًا من نفوذه السابق.
رضا خان: القائد الأعلى للقوات المسلحة
في فبراير 1925، صادق البرلمان على قانون يمنح رضا خان لقب “القائد العام”. كان هذا اللقب من اختصاص الشاه بموجب الدستور، لكن رضا خان بات خارج دائرة المحاسبة.
رأى مدرس في هذا القرار تعزيزًا لدور البرلمان، حتى لو منح رضا خان سلطات ملكية.
وقد حصل على ثلاث تنازلات:
- تعيين وزيرين: شكر الله صدري (للداخلية)، ونصرت الدولة فيروز (للعدل)
- التواصل مع القاجاريين: لقاء مع الأمير محمد حسن ميرزا لمناقشة مستقبل الحكم
- عودة المنفيين: السماح بعودة سيد ضياء، قوام السلطنه، وأحمد شاه
رضا خان وافق ظاهريًا، لكنه لم يقدّم أي التزامات فعلية.
عودة الشاه: محاولة لاستعادة السلطة
في هذا الوقت، كان أحمد شاه يخطط للعودة. تلقى دعوة من الشيخ خزعل الذي أراد من خلالها تقويض حكم رضا خان. وكانت هذه الخطة تتعارض مع السياسة البريطانية الخفية، التي دعمت رضا خان لإسقاط القاجاريين، وتثبيت نظام عسكري صارم واحتلال عربستان من أجل السيطرة على مواردها النفطية ومنع التغلغل السوفيتي.
في سبتمبر 1925، اشترى الشاه ووالدته تذاكر العودة. وأرسل تلغرافًا إلى رضا خان لإبلاغه.
جاء رد رضا رسميًا، لكنه لم يكن سعيدًا. كانت عودة الشاه تهديدًا لخططه.
رئيس الوزراء ضد الشاه: رضا خان يتحدى
ما إن تلقى التلغراف، حتى نظم رضا خان مظاهرات في تبريز ضد القاجاريين، وسرعان ما انتشرت إلى باقي المدن. لم يعد الشعب يطالب فقط بإصلاحات، بل بإلغاء النظام الملكي.
السياسة الخارجية: ضمان حياد القوى الكبرى
سعى رضا خان إلى كسب دعم أو حياد القوى العظمى:
- الاتحاد السوفييتي دعم سقوط القاجاريين
- تركيا امتدحت إصلاحاته واعتبرته “أتاتورك إيران”
- بريطانيا كانت تدعمه في الخفاء
وبعد لقاء وزير الخارجية الإيراني مع ممثل بريطانيا، بيرسي لورين، أُعلن أن بريطانيا لن تتدخل في الشؤون الإيرانية — وهو بالضبط ما كان يحتاجه رضا خان.
المعركة داخل البرلمان: نهاية القاجاريين
أعد رضا خان البرلمان بعناية. دعم المرشحين الموالين، وكسب حتى القوميين ومعارضين كمدرس.
في 31 أكتوبر، قُدّمت لائحة لإلغاء السلالة القاجارية، وهو إجراء غير مسبوق في تاريخ إيران.
في الليلة السابقة للتصويت، استدعى رضا خان النواب فردًا فردًا لإقناعهم بالتوقيع على القرار.
التصويت على نهاية القاجاريين
في يوم التصويت، حرص رضا خان على تأمين النصاب القانوني. سُمح لبعض النواب المؤيدين للقاجاريين، بمن فيهم مدرس، بالامتناع عن التصويت لإظهار أن هناك معارضة رمزية.
تحدث محمد مصدق، أحد أبرز المعارضين، ضد المشروع. وقال إن تتويج رضا خان ملكًا سيجرده من صلاحياته التنفيذية كرئيس وزراء، ويجعله رمزًا فقط، وهو ما يضر بالبلاد.
رضا شاه في المنفى – أربعينيات القرن العشرين
في الساعات الأولى من الصباح، بينما كان العالم بين النوم واليقظة، وفي حي “باركتاون” بجوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، نظر السكان من نوافذهم. توقفت سيارة إسعاف أمام أحد أكبر المنازل. كان يسكنه رجل مسن، صامت، غامض، تُسمع أحيانًا وقع حذائه العسكري في الشوارع. لم يكن لديه زوّار سوى طبيبه.
كانت الشائعات تدور حوله: قال البعض إنه جنرال قمع التمردات. وقال آخرون إنه بطل، وآخرون وصفوه بالدكتاتور الخائن. لكن الحقيقة لم يعرفها أحد.
في الساعة السادسة صباحًا من يوم 26 يوليو 1944، شاهد سكان باركتاون جارهم الغامض للمرة الأخيرة.
عندما غادرت سيارة الإسعاف حاملة جثته، همست الرياح…
همسات عن رجل بدأ جنديًا بسيطًا، فأصبح رئيس وزراء لإمبراطورية، وأسقط سلالة، وخدع أميرًا عربيًا، واحتجز ولي عهده ليقيم مملكته…
رضا خان، الديكتاتور القاسي الذي هرب من التبعية للاستعمار البريطاني إلى أحضان النازيين، ونُفي من إيران بذلٍ ومهانة… ليموت وحيدًا، ومنسيًا، في الغربة…
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.