
في نهاية عام 1924 حين دخلت القوات العسكرية الفارسية بقيادة رضا خان إلى الأحواز، ادّعت هذه القوات أنها جاءت كمحرّرة لإنقاذ الشعب العربي الأحوازي من حاكمٍ ديكتاتوري وتمكنت من فرض سيطرتها العسكرية وخطف امير عربستان، الشيخ خزعل بن جابر وولي عهده الشيخ عبدالحميد بن خزعل في نهاية ابريل 1925.
لكن سرعان ما بدأت الثورات والانتفاضات منذ الشهور الأولى للاحتلال، واستمرت حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهو ما يعكس الرفض الشعبي الأحوازي للوجود العسكري والأمني الفارسي، الذي سعى لترسيخ سلطة استعمارية عنصرية مكملة للاستعمار الانجليزي وحليفة له وذلك على أنقاض الحكم العربي. وبعد أن تمكنت السلطات العسكرية من تثبيت نفوذها، شرعت في تنفيذ سياسات عنصرية، كان أبرزها القانون الذي صدر عام 1928، والذي يمنع ارتداء الزي العربي.
وقد أُوكلت مهمة تنفيذ هذا القانون إلى أحد الضباط الفرس برتبة لواء (سرتيب)، والذي أشرف شخصيًا على تطبيقه. دعا هذا اللواء زعماء القبائل العربية، وأمرهم باستبدال الكوفية والعقال العربيين بقبعة فارسية مستديرة تُعرف بـ”الكلاو”. عندها انتفض الشريف محيي الدين الزئبق، زعيم قبيلة الشرفاء في الحويزة، من بين الحضور، ورمى القبعة الموضوعة أمامه، رافضًا التخلي عن زيه العربي، مردّدًا أهزوجة تاريخية لا تزال محفورة في الذاكرة الشعبية الأحوازية: “سرتيب اكلاوك ذبيته… يعگال انسويلك هيبة” عقب موقفه الشجاع، اشتعلت الثورة في الحويزة،
وهاجم أبناء الشعب العربي الأحوازي في سهل ميسان الثكنات العسكرية الفارسية وطردوا القوات منها. وسرعان ما انتشر خبر الانتفاضة ووصل إلى الدول العربية، ومن بينها العراق، حيث أرسل الملك فيصل مبعوثًا خاصًا إلى الحويزة وأعلن دعمه للعرب وقضيتهم. إلا أن هذا الدعم لم يدم طويلًا، إذ تراجع الملك فيصل تحت ضغط الموقف البريطاني الداعم للفرس. وفي الوقت ذاته، لم تلقَ القضية الأحوازية دعمًا حقيقيًا من بقية الدول العربية، خاصة دول الخليج العربي التي كانت قد بدأت في ابرام معاهدات صداقة مع الدولة الفارسية نتيجة ضغوط بريطانية. تراجعت الثورة بعد اعتقال قائدها الشيخ محي الدين، ونجحت القوات العسكرية الفارسية بدعم بريطاني في فرض سيطرتها الاستعمارية من جديد. ورضخ بعض المشايخ العرب للأمر الواقع، ومنهم ذلك الشيخ العربي الذي اضطر لارتداء القبعة (الكلاو)، رمز الخضوع للسلطة الفارسية.
رغم القمع الشديد ومحاربة الزي العربي، استغل الأحوازيون الانهيار الأمني الفارسي بعد دخول قوات الحلفاء وخلع رضا خان في عام 1941، فعادوا إلى ارتداء زيهم العربي في المدن الكبرى والقرى، وعلى رأسها المحمرة.
وثيقة فارسية تكشف استمرار القمع الثقافي في عهد محمد رضا بهلوي
تشير إحدى الوثائق الفارسية الصادرة عام 1943 – مع بدايات حكم محمد رضا بهلوي، نجل رضا خان – إلى أن النظام الجديد واصل نهج والده في قمع العرب، رغم وعود طهران في مؤتمر الحلفاء بمنح الشعوب غير الفارسية، كالعرب والأتراك والأكراد، بعضًا من الحكم الذاتي.
نص الوثيقة (رقم 206 – سري):
التاريخ: 1/3/1943
الرقم: 33 – م
وزارة الداخلية – الدائرة السياسية
المحافظة السادسة
خوزستان – إدارة شرطة الأحواز
في الأيام الأخيرة، لوحظ في المحمرة أن غالبية سكانها يرتدون الزي العربي والحجاب، في استعراض مقصود لهويتهم العربية. وهذا أمر يدعو للاستغراب، خاصة مع تقاعس ضباط الشرطة عن تطبيق قانون الزي الموحد، بما يتعارض مع مصالح الدولة الإمبراطورية العليا. وعلى الرغم من إصدار أوامر صارمة لقائد شرطة المحمرة بمنع هذه “المظاهر”، إلا أن الوضع مستمر.
يجب على ضباط الشرطة في جميع المناطق أن يكونوا على درجة عالية من اليقظة، وألّا يسمحوا لأي شخص بارتداء اللباس العربي أو الحجاب، لما يشكله ذلك من تحدٍ لقوانين الدولة وسياساتها.
نسخة من هذا التقرير أُرسلت إلى وزارة الداخلية للمتابعة والتنفيذ.
حاكم المحافظة السادسة.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.