
مركز دراسات عربستان- حامد الكناني- تُبرز هذه الوثيقة جانبًا مهمًا من التاريخ السياسي والعسكري لإيران في عهد رضا شاه بهلوي، وهو جانب غالبًا ما يُغفل في الخطاب الرسمي الإيراني. إذ تشير الوثيقة إلى أن حوالي 90% من ضباط الجيش الفارسي في ذلك العهد كانوا يحملون أفكارًا نازية وموالين لهتلر، مما يعكس مدى تأثير الأيديولوجيات الفاشية والنازية على النخب الحاكمة في إيران في تلك الحقبة.
وهنا يظهر جانب آخر بالغ الأهمية: أن بريطانيا وحلفاءها كانوا الفاعلين الرئيسيين في تأسيس هذا الجيش وتنظيمه، بل وكانوا وراء إطاحة النظام القاجاري الشرعي، من خلال دعم رضا خان، الذي كان ضابطًا عاديًا في قوات القزاق المدربة من ضباط روس في عشرينيات القرن العشرين. وقد مكّنته هذه القوى من الوصول إلى سدة الحكم ملكًا على إيران بعد استسلام امیر عربستان (الأحواز) للنفوذ البريطاني، ونفي أحمد شاه قاجار، الشاه الشرعي آنذاك.
هذه الحقائق تُظهر أن الجيش الإيراني الحديث لم يكن نتاجًا داخليًا بحتًا، بل كان صناعة وتحكمًا خارجيًا، وبذور أفكاره النازية والفاشية تعود إلى تلك الحقبة، حيث كانت الطبقة الحاكمة تعتمد على نماذج قمعية واستبدادية مستوردة. وبناءً عليه، فإن الخطاب الرسمي الإيراني حول الديمقراطية والمبادئ الغربية ليس إلا واجهة استخدمتها هذه الطبقة للوصول إلى السلطة، ليتم بعد ذلك الكشف عن وجهها الحقيقي الذي يتسم بالاستبداد والقمع.
لهذا السبب، فإن الشعوب غير الفارسية داخل إيران، وخصوصًا الشعب العربي الأحوازي، ترفض بشكل قاطع تأييد حفيد رضاخان وأي محاولات للعودة إلى حكم أسرته، مهما حاول هذا الأخير التشدق بالديمقراطية والإنسانية والتظاهر بالتحضر. فهي تدرك أن هذه الشعارات ما هي إلا ذرائع تُستخدم لتثبيت هيمنة الفرس التي تستند إلى تاريخ من الاستبداد والهيمنة القومية.
في المجمل، الوثيقة تضيء على التوترات العرقية والسياسية في إيران، وتوضح لماذا تبقى الأغلبية غير الفارسية حذرة، إن لم تكن معارضة صريحة، لأي مشاريع حكم مركزية تسعى إلى فرض سيطرة الفرس بالقوة أو بالمكر السياسي. إنها دعوة لفهم التاريخ الحقيقي للسلطة في إيران والتعامل معه بموضوعية وحذر، بعيدًا عن الشعارات الزائفة.
الوثيقةصادرة عن القنصلية البريطانية في الأحواز بتاريخ 13 يناير 1942، وتوضح الوضع الأمني والسياسي في إيران خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تشير إلى أن قائدًا عسكريًا إيرانيًا يُدعى سپهبد أحمد آغا يحاول عبر اتصالاته العديدة في منطقة لوريستان تحريض قبائل اللور على القيام بتمرد مسلح، وربما مهاجمة الأحواز عبر المناطق الواقعة غرب خط السكة الحديد. كما تشير الوثيقة إلى أن قبائل اللور مسلحة بشكل واسع، رغم أن هذا الوصف قد يكون مبالغًا فيه، وأن كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة وقعت في أيدي غير مناسبة.
ورغم أن اللور لا يُعتقد أنهم موالون لألمانيا وإنما يسعون فقط للنهب، إلا أن الوثيقة تؤكد أن ضباط الجيش الفارسي، الذين يقال إن نسبة 90% منهم موالون لألمانيا، يحرضون هؤلاء القبائل لخلق الفوضى خلف الخطوط البريطانية وحتى مهاجمة القوات المعزولة. هذه النسبة العالية تعبر عن تقدير استخباراتي بريطاني قائم على مصادر غير مؤكدة ولكنه يُعتبر إلى حد ما موثوقًا، مما يعكس مخاوف بريطانيا من النفوذ الألماني داخل الجيش الإيراني في تلك الفترة. كما أن الوثيقة تسلط الضوء على الانقسامات العرقية داخل إيران، حيث تذكر أن القبائل العربية في الأحواز، التي تكره الفرس بشدة، قد تكون حليفًا لبريطانيا في أي صراع محتمل مع الفرس، وهو ما يظهر استغلال البريطانيين لهذه التوترات العرقية لتحقيق مصالحهم. تدل هذه الوثيقة بوضوح على أن البريطانيين كانوا يرون أن غالبية ضباط الجيش الإيراني يحملون ميولًا نازية وولاءات سياسية لألمانيا النازية، وأنهم قد يستخدمون نفوذهم العسكري لإثارة الاضطرابات ضد القوات البريطانية. هذا الأمر يؤكد حقيقة وجود تأثير ألماني قوي في المؤسسة العسكرية الإيرانية في عهد رضا شاه بهلوي، والذي انتهى بنفيه عام 1941 بسبب هذه المخاوف.
ومن هنا يمكن فهم تحفظ بعض الشعوب غير الفارسية، مثل العرب في الأحواز، على حكم آل بهلوي والنظام المركزي الفارسي الذي تدعمه بريطانيا، والذي كان يُتهم بالولاء لألمانيا. هذه الوثيقة تُظهر أن الدعم الغربي للديمقراطية والمبادئ الغربية كان في بعض الأحيان مجرد غطاء سياسي، بينما كانت الأوضاع الحقيقية معقدة وتتداخل فيها الولاءات الأيديولوجية والمصالح الاستراتيجية، إلى جانب استغلال الانقسامات العرقية في إيران من قبل القوى الكبرى.
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.