
مركز دراسات عربستان الأحواز- شهدت إيران في عهد رضا خان بهلوي (1925-1941) تحولات كبرى، اتسمت بسمتين متناقضتين ظاهريًا: فمن ناحية صعوده إلى السلطة بدعم مباشر من بريطانيا التي ساندته ضد حكم القاجار، وتمكينه من احتلال عربستان الأحواز ومن ناحية أخرى انجذابه لاحقًا إلى النموذج الفاشي الألماني ــ النازي والإيطالي ــ وما حمله ذلك من آثار سياسية وثقافية واجتماعية.
من أبرز ما ميز حكم رضا خان هو محاولته فرض هوية قومية “فارسية خالصة”، وهو ما تجلى في سياسات صارمة ضد اللغة العربية، حتى في مناطق يشكل العرب أغلبية فيها، مثل المحمرة (الأحواز) وبندر عباس وابوشهر.
وثيقة بريطانية تعود إلى أكتوبر 1937 توضّح أن الحكومة الإيرانية اعترضت بشدة على تعليق إعلان عن المعرض الصناعي البريطاني باللغة العربية داخل القنصلية البريطانية في شيراز، بحجة أن سياسة الدولة تقوم على “تنقية اللغة الفارسية من الكلمات العربية”. وأكدت السلطات أن أي إعلان رسمي يجب أن يكون بالفارسية أو الإنجليزية أو الفرنسية، في خطوة تعكس حساسية النظام المفرطة تجاه العربية.
هذه السياسة لم تكن مجرد توجه ثقافي، بل كانت أداة لتكريس التطرف القومي الفارسي على حساب المكونات القومية الأخرى، وفي مقدمتها العرب الذين تعرضوا لمحاولات محو هويتهم التاريخية في مناطقهم داخل إيران.
في ديسمبر 1937، أثارت زيارة بالدور فون شيراخ، زعيم “حركة الشباب الهتلرية”، إلى طهران جدلاً واسعًا. فقد منحه رضا شاه استقبالاً احتفاليًا غير مسبوق، شمل استعراضًا للقوات الإيرانية بطريقة وصفتها الصحافة السوفيتية بأنها تحاكي مشاهد نورمبرغ وميونخ في ألمانيا النازية.
صحيفة “جورنال دو موسكو” السوفيتية اعتبرت أن هذا دليل على تغلغل النفوذ الألماني في إيران، وحذرت من أن السلطات الإيرانية تسمح للفاشية الدولية بضم بلادها إلى دائرة الطموحات الاستعمارية الألمانية والإيطالية. كما انتقدت سلوك المسؤولين الإيرانيين في هذا الاستعراض، واصفةً إياه بأنه يذكّر بالعهد “شبه الاستعماري” للقاجار، أي خضوع النخبة السياسية لهيمنة خارجية، ولكن هذه المرة عبر الفاشية بدلاً من الاستعمار التقليدي.

المفارقة التاريخية الكبرى تكمن في أن رضا شاه صعد إلى العرش بدعم بريطاني مباشر بعد إسقاط القاجار عام 1925، إذ رأت فيه بريطانيا أداة لضمان نفوذها في إيران وممراتها الاستراتيجية. لكن هذا “الحليف” سرعان ما اتجه إلى النازية، منبهرًا بتنظيمها العسكري ودعايتها القومية، ومستعدًا لإعادة تموضع إيران ضمن محور برلين–روما.
هذا التحول مثّل تهديدًا مباشرًا للمصالح البريطانية والروسية على السواء، وهو ما ساهم لاحقًا في التدخل العسكري البريطاني–السوفيتي عام 1941 الذي أطاح برضا خان ونفاه، ليُجبر على تسليم العرش لابنه محمد رضا بهلوي.
تكشف الوثيقتان البريطانيتان (1937) عن لحظة تاريخية دقيقة:
- إيران في عهد رضا خان كانت تسعى لتقويض المكون العربي في هويتها الوطنية، عبر منع اللغة العربية حتى في المناطق ذات الأغلبية العربية.
- في الوقت نفسه، كانت البلاد تشهد انجرافًا واضحًا نحو الفاشية والنازية، تجسد في الاستقبالات الرسمية لرموز هتلر وموسوليني.
- المفارقة أن هذا التوجه جاء بعد صعوده للعرش بدعم من بريطانيا التي وجدت نفسها لاحقًا مضطرة للتخلص منه خوفًا من تحوّل إيران إلى قاعدة نفوذ ألماني في قلب الشرق الأوسط.
بهذا المعنى، مثّل رضا خان نموذجًا للحاكم الذي بدأ كأداة استعمارية ثم حاول لعب ورقة “القومية الفارسية” و”الفاشية” معًا، على حساب التنوع القومي والثقافي في إيران، وعلى حساب التحالفات الدولية التي أوصلته إلى السلطة.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.