إيران أمام الفصل السابع: التداعيات الجيوسياسية ومستقبل الشعوب غير الفارسية / عبدالله الطائي

تُعد العقوبات الدولية أداة رئيسية في النظام الدولي المعاصر لإخضاع الدول التي تهدد الأمن والسلم العالميين و من هذا المنطلق اذا تم إدراج إيران تحت الفصل السابع كخطوة تصعيدية من مجلس الأمن هذا الأمريضع ايران أمام عزلة شاملة ومخاطر التدخل العسكري، ويكتسب هذا الوضع أهمية خاصة عند مقارنته بتجربة العراق في تسعينيات القرن الماضي، حيث أدى الحصار والعزلة إلى انهيار البنية الداخلية تمهيدًا لتغيير النظام في العراق اما بالنسبة لإيران فقد بدأت بالفعل هذه العزلة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير في نيويورك حيث مورست قيودًا غير مسبوقة على الوفد الإيراني بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان، إذ حُصر تحركه في نطاق ضيق، ومنع من أي تواصل فعال مع الوفود الأخرى وبهذا، تم إفراغ المشاركة الإيرانية من مضمونها السياسي والدبلوماسي و عدم الاستفادة منها، في إشارة واضحة إلى عزل النظام الإيراني على المستوى الدولي.

اضافة على ذالك عززت الولايات المتحدة من عزل إيران بفرض عقوبات صارمة، مدعومة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في ظل رفض مجلس الأمن لمقترح روسيا والصين بتأجيل هذه الإجراءات. هذه العقوبات لم تقتصر على الجانب السياسي، بل أثرت مباشرة على الاقتصاد الإيراني، حيث شهدت العملة الإيرانية انهيارًا سريعًا و تواجه إيران اليوم مسارًا مشابهًا لما واجهه العراق في فترة ما بعد غزو الكويت، حينما أُدرج تحت الفصل السابع وخضع لسلسلة طويلة من العقوبات الصارمة ادت الى انهياريه في النهاية وما يزيد من التناقض أن إيران نفسها كانت لاعبًا أساسيًا في إسقاط النظامين العراقي والأفغاني، وهو ما اعترف به مسؤولون بارزون كأبطحي وأحمدي نجاد وهكذا، تجد طهران نفسها اليوم في الموقف ذاته الذي ساعدت به الولايات المتحدة الامريكية انذاك باحتلال افغانستان و العراق.  

وفي حال تم إدراج إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فإن ذلك يعني أن المجتمع الدولي يعتبرها تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، مما يفتح الباب أمام إجراءات صارمة قد تشمل عقوبات اقتصادية وسياسية شاملة مثل حظر سفر المسؤولين الإيرانيين، وتقييد حركة الطيران المدني والعسكري، وحتى احتمال التدخل العسكري الدولي مثل ما حدث في العراق.

في ظل التصعيد الدولي المتزايد، تجد إيران نفسها أمام خيارات محدودة للغاية، من بينها خيار التصعيد ضد إسرائيل، كوسيلة للرد على الضغوط الدولية عبر فتح جبهة عسكرية أو أمنية معها، ورغم تداول هذا الخيار على المستوى النظري، إلا أن تنفيذه على أرض الواقع يبدو شبه مستحيل، وذلك لأسباب عدة، أبرزها الاختلال الكبير في ميزان القوى العسكرية والتكنولوجية بين إيران من جهة، وإسرائيل وحلفائها من جهة أخرى. فإسرائيل تمتلك قدرات متقدمة في مجالي الدفاع والهجوم، إلى جانب دعم دولي واسع، ما يجعل أي مواجهة مباشرة معها محفوفة بالمخاطر، وقد تؤدي إلى انهيار النظام الإيراني نفسه و لذالك ان القيادة الإيرانية تدرك تمامًا خطورة هذا الخيار، وتعي أن التصعيد العسكري في هذا التوقيت لن يكون مجرد مغامرة محسوبة، بل انتحار سياسي وعسكري لذلك، يبقى هذا الخيار غير واقعي ومثيرًا للقلق، ويُستخدم غالبًا كأداة دعائية أو ورقة تفاوضية، لا كخطة قابلة للتنفيذ فعليًا

الخيار الثاني الذي تلجأ إليه إيران في سياستها الإقليمية يتمثل في تحريك القوى الحليفة لها في المنطقة، والتي تُعرف بولائها لطهران، مثل حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة في العراق. هذه القوى تُستخدم كأدوات ضغط أو أوراق تفاوض في مواجهة خصوم إيران الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم إسرائيل والولايات المتحدة وفي هذا السياق، تسعى إيران إلى إعادة تفعيل دور حزب الله كورقة ضغط على إسرائيل، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة. وقد تجلّى هذا التوجه في الزيارات المكثفة التي قام بها مسؤولون إيرانيون إلى لبنان مؤخرًا، والتي تهدف إلى تنسيق المواقف وتعزيز التحالفات ومن أبرز هذه الزيارات كانت زيارة علي لاريجاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، والتي حملت رسائل سياسية واضحة حول دعم إيران لحلفائها في لبنان ومع ذلك، تشير المعطيات الحالية إلى أن حزب الله يمر بمرحلة ضعف غير مسبوقة، تجعله غير قادر على تقديم الدعم الفعّال لإيران في الوقت الراهن. فالحزب يواجه تحديات داخلية، أبرزها الضغوط الشعبية والسياسية المطالبة بنزع سلاحه، باعتباره قوة عسكرية خارج إطار الدولة اللبنانية. كما يواجه تحديات خارجية، تتمثل في الضغوط الدولية والعقوبات، بالتالي، فإن قدرة إيران على استخدام حزب الله كأداة ضغط فعّالة أصبحت محدودة، ما يضعف من فعالية هذا الخيار في سياستها الإقليمية، ويجعلها تبحث عن بدائل أو تعيد تقييم استراتيجيتها في ظل المتغيرات الراهنة

الأمر الاخرهواستخدام الورقة العراقية من خلال الفصائل المسلحة الموالية لها والمفارقة هنا تكمن في أن رغم المؤشرات التي تؤكد ولاء الحكومة العراقية الحالية لطهران، وسيطرة إيران الواضحة على القرار السياسي العراقي، فإن الأحداث الأخيرة كشفت عن تناقضات في هذا الولاء ففي الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، تم استخدام المجال الجوي العراقي لتنفيذ ضربات ضد إيران، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا للسيادة العراقية ورغم ذلك، لم تُبدِ الحكومة العراقية ولا الفصائل المسلحة الموالية لإيران أي رد فعل يُذكر، مما يعكس حساسية الموقف السياسي في العراق ويُعزى هذا الصمت إلى حرص القوى السياسية العراقية الحاكمة على الحفاظ على المكتسبات التي حصلت عليها بعد سقوط النظام السابق، وعدم رغبتها في الدخول في مواجهات قد تهدد استقرارها أو تعيد تشكيل المشهد السياسي. فـالولايات المتحدة لا تزال تلوّح بورقة إعادة السنة إلى الحكم في العراق، وهو ما يُثير قلقًا متزايدًا لدى المكوّن الشيعي، خاصة بعد تولي أحمد الشرع السلطة في سوريا، الأمر الذي اعتُبر مؤشرًا على تغير محتمل في التوازنات الإقليمية وبناءً على هذه المعطيات، فإن الرهان على الفصائل العراقية الموالية لإيران كأداة ضغط أو ردع أصبح غير مجدٍ في الوقت الراهن، نظرًا لتعقيدات المشهد السياسي الداخلي العراقي وتضارب المصالح بين الأطراف الفاعلة

وفي ظل هذه المعطيات، تزداد هشاشة النظام المركزي في طهران، ما قد يمنح الشعوب غير الفارسية فرصة لإعادة طرح قضاياها بشكل أقوى على الساحة الدولية، تمثل الشعوب غير الفارسية و منها العرب في الأحواز، الأكراد في كردستان إيران، البلوش، التركمان، الأذريون وغيرهم اكثر من نصف سكان إيران. هذه المكونات تخوض منذ عقود طويلة نضالًا من أجل نيل حقوقها السياسية والثقافية والاقتصادية، في مواجهة الأنظمه المركزية ذات الطابع الفارسي و نفس السياق التجربة العراقية السابقة تؤكد أن لحظات ضعف الدولة المركزية تفتح المجال أمام هذه الشعوب للوصول الى حقوقها السياسية كما حصل فى كردستان العراق في عهد نظام البعث العراقي والتحدي الأساسي يبقى في قدرة هذه المكونات على توحيد خطابها السياسي، واستثمار اللحظة الدولية دون الوقوع في فخ الصراعات الداخلية أو الاستغلال الخارجي، دخول إيران مرحلة جديدة من تاريخها اذا ما تم إدراجها تحت الفصل السابع، وهو ما يجعلها أمام عزلة خانقة وتحديات وجودية قد تعيد إنتاج سيناريوهات عديدة شبيهة بالعراق اوليبيا. غير أن البعد الأهم يتمثل في مستقبل الشعوب غير الفارسية داخل إيران، التي قد تجد نفسها أمام فرصة تاريخية لإعادة صياغة وضعها السياسي والحقوقي. وبذلك، فإن مسار الأحداث المقبلة لن يحدد فقط مصير النظام الإيراني، بل قد يفتح الباب أمام إعادة رسم الخريطة الداخلية للدولة الإيرانية برمتها.

تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑