
مركز دراسات عربستان الأحواز- حامد الكناني- في صيف عام 1929، كتب القنصل البريطاني في المحمّرة برقية سرّية إلى المقيم السياسي في الخليج العربي يطلب فيها إرسال سفينة حربية إلى شمال الخليج “لمنع النهب” و”لإجبار الزعماء العرب على احترام المصفاة”. كانت المصفاة المقصودة هي مصفاة عبادان التابعة لشركة النفط الأنجلو-إيرانية، التي تمثّل في تلك الفترة رمزاً للمصالح البريطانية في الأحواز التي تحوّلت منذ ذلك العقد إلى ساحة صراع بين سكانه العرب والسلطة المركزية الفارسية المدعومة من لندن.
تكشف الوثيقة بوضوح عن جوهر السياسة الاستعمارية البريطانية في الخليج العربي خلال النصف الأول من القرن العشرين؛ فالقنصل لم يعبّر عن قلقه من أوضاع السكان المحليين، ولا تحدّث عن حفظ الأمن أو حماية المدنيين، بل انحصر اهتمامه في حماية منشآت النفط وتأمين استمرار الإنتاج. كانت بريطانيا ترى في شمال الخليج منطقة نفوذ اقتصادي محض، يُدار بالسفن الحربية والاتفاقات السياسية مع طهران، لا باعتباره موطناً لشعب له هوية عربية وتاريخ مستقل.
إن هذه البرقية، رغم قصرها، تمثل نموذجاً مصغراً لعقلية استعمارية امتدت آثارها لأكثر من قرن. فالمصالح النفطية البريطانية لم تكن مجرد عامل اقتصادي، بل كانت الأساس الذي قامت عليه معادلة القمع السياسي والاجتماعي في الأحواز. لقد صنعت بريطانيا، بقرارات مثل تلك التي وردت في برقية المحمّرة، توازناً زائفاً بين القوة الفارسية والنفوذ الغربي، توازن أبقى على الاستغلال وطمس الحقوق العربية باسم الأمن والاستقرار، وما زالت نتائجه الكارثية تلقي بظلالها على الأحواز حتى اليوم. جاء في الوثيقة البريطانية ما نصه:
برقية مشفّرة
من: القنصل البريطاني – المحمّرة
إلى: المقيم السياسي (البريطاني في الخليج)
البرقية رقم 44 بتاريخ 11 أغسطس 1929
بالإشارة إلى برقيتكم رقم 778. فيما يخص استخدام السفينة الحربية الصغيرة (sloop)، يُرجى الرجوع إلى مذكرتي رقم 77 بتاريخ 27 يوليو. السفينة ستتولى تغطية عملية الإجلاء. لقد ناقشتُ الإجراءات الواجب اتخاذها في حال حدوث انتفاضة عربية مع الضابط البحري الأقدم (S.N.O)، وقد وافق على الترتيبات المقترحة التي تستند إلى وجود السفينة، وأضاف أن التأثير المعنوي لحضور سفينة حربية كبير جداً.
إن العربات المصفحة الأربع في البصرة ستكون مشغولة بالكامل بدورياتها على الحدود، وقد تكون هناك حاجة إليها أيضاً في الأحواز والمحمّرة. إن وصول السفينة الحربية البريطانية بسرعة سيمنع أعمال النهب أو يقضي عليها في مهدها، كما سيجعل زعماء العرب يحترمون المصفاة (مصفاة النفط في عبادان).
إن حجم المصالح البريطانية في المنطقة يفوق بكثير أي اضطراب قد يسببه تعديل خطط الضابط البحري الأقدم. وقد أبلغته بأن تمرد البختياريين سيُتبع على الأرجح بحركة من العرب. ولم يُبدِ اعتراضاً على جدوى وجود السفن الحربية، إذ أن أهميتها لن تقل عن تلك التي كانت خلال اضطرابات عبادان.
وفي ظل هذه الظروف، أُجدّد تأكيدي على ضرورة وجود سفينة بريطانية في شمال الخليج.
يُذكر أن والي بُشتكوه يُقال إنه يجمع قواته، وأن قبيلة كنانة قد انضمت إليه.
فليتشر
تشرفنا بزيارتكم ونتمنى دائما أن ننول رضاكم.